زيد أبوزيد يكتب: النظام التعليمي بين الحداثة والتطوير

مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/13 الساعة 09:45
مرت الأمم والانظمة عبر تاريخها الطويل بكثيرٍ من مواقفِ التجربةِ والخطأ والهزيمة والنصر والصعود والهبوط , والاستعمار والتحرر، وحتى الجمود والحركة، والانحطاط والعلم والنور , فالدنيا لا تدوم على حال , وقديمًا قالوا ان ذلك من المحالِ.
واذا كانت أمتنا قد كبت قديمًا ثم نهضت. ثم تعرضت للغزو والاحتلال حتى تحررت , فإنني سآخذ من نموذجِ الاردنِ الحديث مثلاً , فالأردن الحديث الذي جمع على أرضه أحرار العرب في ثورة عربية نهضوية كبرى آل على نفسه أن يكون مشروعاً قومياً عروبياً اسلامياً عصرياً حديثاً، ينهل من التراث بقدر ما يأخذ من المعاصرة والتقدم .
لقد انطلقت الدولة الأردنية الحديثة, دولة مؤسسات منذ بدايتها فسارت الى الأمام خطوات كبيرة ، ثم تراجعت بحكم ظروف ذاتية وموضوعيه، ولانً الدنيا لا تستمر على حال لان ذلك من المحال أصبح من الواجب الآن التحديث والتطوير لمواكبة المستجدات والتكيف مع الواقع والنهوض بالحال والاستثمار في المستقبل ، وكان الاوفق لنا ان نبدأ من التعليم وتجويده فهو المنتج الأهم ولتحسينه الأولوية ، وبث الابداع والتميز فيه عنوان المرحلة وطريق الحداثة والتطوير.
في عالم الغد القريب ستصبح فرص العمل محصورة بمن يتملكون قسطاً أكبر على صعيد الإبداع والمهارات في منظور التجديد والكفاءات الاجتماعية والعديد من السمات التي لا تنتمي مباشرة إلى عالم التقنية، وهي نقاط القوّة التي ينبغي أن تتمتع فيها منظومات التربية على نطاق واسع، وهي أساس التحديث القادم لان البشرية تعيش اليوم فجر التوسع الأكبر لفكرة التربية الحرّة في التاريخ الإنساني كلّه، وحيث لا مجال للتطوير دون نظرية للتطوير. ولذلك كان مشروع التغيير الشمولي في وزارة التربية والتعليم محطةً هامة للعبور نحو المستقبل تحت عنوان مشروع نهضة التعليم لأردن الغد.
ولما كنا بصدد الحديث عن التعليم وتحسينه في بلدنا العزيز فقد توالى على وزارة التربية والتعليم التي كانت تسمى بوزارة المعارف ما يصل إلى الأربعين وزيراً وأكثر، اجتهد كلٌ منهم في رفع سوية التعليم وتوفير الكوادر القادرة على ذلك في ظل قيادة هاشمية هي قيادة الحسين الباني الذي رفع شعار "فلنبن هذا الوطن و لنخدم هذه الامة " فانطلق في بناء المدارس، و المؤسسات الرياضية و الثقافية ، و المكتبات العامة ، ومع ازدياد عدد السكان و كثرة المدارس ، و بالتالي ازدياد عدد المعلمين و الاداريين ، كان لابد من وضع سياسة تربوية حكيمة و ثابتة تنهض بالوطن وموارده البشرية، و تحقق مقولة الحسين .
وما بين تغير الوزراء على رأس هرم التربية و التعليم ، و اختلاف رؤية بعضهم عن بعض في السياسة التربوية، ارتفعت مخرجات التعليم تارة، و انخفضت تارات ، وأمام هذا الواقع ولما كانت مخرجات عنصرنا البشري وهو أساس نهضتنا وتميزنا، وأظهرت نتائج الاختبارات الوطنية والدولية واقعنا بشكل مؤلم فكان لا بدً من التغيير والتطوير الجذري وكانت الانطلاقة نحو المستقبل بالبحث عن أصل المشكلة ، لتكون النتيجة الاولى خللاً في المناهج واعتمادها الحشو والتلقين وهي تعارض نظرية الحرية والابداع، وكان المحور الثاني هو المعلم الذي يحتاج الدعم والتأهيل والتدريب والتحفيز ، ومن ثم البناء والبيئة الصفية، ومن ثم في نظرة أوسع امتحان الثانوية العامة و وما يسببه من إحباط مجتمعي والقيمة المضافة لخريجيه على مقاعد الجامعات وفي سوق العمل، وعمر العنصر البشري على مقاعد الدراسة ودرجة الاستعداد للانخراط في سوق العمل وحال الجامعات، ونوعية الخريجين وتخصصاتهم ليصل الى النتيجة بضرورة احداث ثورة في امتحان الثانوية العامة ، ليبث فيه روح التغيير وليصبح امتحان الثانوية العامة الاردنية امتحاناً عالمياً شأنه شأن شهادة الثقافة العامة البريطانية ويزول من المجتمع التوتر والقلق ومظاهر الخلل والفشل المرتبط بهذا الامتحان.
وهنا، وفي عهد الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين كانت الفكرة في استحداث النظرية للتطوير إذ أنً التربية كما اعتاد البعض وصف طرائقها ومناهجها التلقينية , تفرض على الطالب أن يفعل كل شيء بطريقة معينة , وأن يفكر بطريقة معينة , وأن ينصت ويرضخ ويسمع ويطيع، وهذا الأسلوب المتبع لا يصح أن يقال عنه أسلوباً تربوياً إطلاقاً , حيث ينتج في نهاية المطاف جيلاً موجهاً لا يملك القدرات الجسمية أو العقلية الكافية للتمييز بين الصواب والخطأ , ونتيجة ذلك أيضاً يصبح جاهزاً في عصر التعصب والتطرف والعصبيات مسلوب الإرادة وعرضه للانحراف الفكري والعقائدي، ولهذا الامر سلبيات وكوارث على الفرد نفسه وعلى مجتمعه، وفي عصر المعرفة والانفجار التكنولوجي وعصر الابداع والحرية والتميز كيف لموردنا البشري ان ينافس اقرانه في المحيط الاقليمي ناهيك عن العالمي إلاَ ان استخدم منجزات الثورات التكنولوجية والصناعية في نظامه التعليمي.
وأخيراً، فإنني ارى ان أهم ملامح المشروع المرتقب؛ لتطوير التعليم والنظام التربوي بشكل عام تهدف إلى المخرجات المتوقعة من عملية التطوير التي تتلخص في إيجاد نظام جديد مرن يزاوج بين التكنولوجيا والتعليم المباشر، ويراعي تنوع قدرات الطلاب وتباينها ويتوافق مع متطلبات القرن الحادي والعشرين والثورة المعلوماتية في إطار زمني وتحليل للمدخلات والمخرجات أولًا بأول حتى تكتمل ملامح النظام التربوي الجديد دون استعجال للنتائج ودون توقعات مبالغة في التفائل في ظل اوضاع اقتصادية غير معهودة نتيجة مستجدات ما يحدث في العالم من صراعات وأوبئة وتنافس وحروب.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/13 الساعة 09:45