ابراهيم الزعبي: في مئوية «لبنان الكبير»

مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/08 الساعة 23:53
هنري غورو.. ذاك الجنرال الفرنسي الذي غير وجه سوريا الطبيعية قبل مئة عام، معلنا من شرفة قصر الصنوبر في بيروت قيام «دولة لبنان الكبير»، بعد احتلاله دمشق واقصاء الحكم الفيصلي في سوريا، منهيا بذلك حكم «المتصرفية» في جبل لبنان، والتوسع بعد ذلك شمالا وجنوبا وشرقا، بعدما أفل نجم السلطنة العثمانية، وما باتت تعرف ب«الرجل المريض» في الشرق. لبنان اليوم.. ليس لبنان 1920، وما مر به هذا البلد من«شدة ورخاء» خلال قرن من الزمان، بدأ بصياغة الدستور واعلان الجمهورية اللبنانية، وما كان للاغتراب اللبناني من دور اساسي في انشائه تحت ظل الانتداب الفرنسي، ثم تشكيل أول حكومة سنة 1926 برئاسة المهاجر العائد أوغست أديب، وبداية تشكل الاحزاب اللبنانية، والتباين الواضح في ايديولوجيتها ما بين اللبننة والقومية العربية واليسارية، وعهد ما بعد الاستقلال سنة 1946، كميل شمعون وفؤاد شهاب، الى «عهد الرخاء»، حين غدت بيروت في خمسينيات القرن الماضي، ما باتت تعرف ب «باريس الشرق» لأثرها في المنطقة، اقتصاديا وسياحيا وثقافيا تجلى بحرية صحافتها، مسارحها، معارضها، متاحفها وجامعاتها، الى أن اذكت شرارة الحرب الاهلية سنة 1975. نعم.. لقد غيرت الحرب الاهلية -على مدار ستة عشر عاما- وجه لبنان المشرق، ومزقت كل شيء جميل في ذاك البلد، بظهور «نخب الحرب»، والتواجد العسكري السوري، فحصار اسرائيل لبيروت، ومغادرة فصائل المقاومة الفلسطينية لها، وصولا الى اتفاق الطائف سنة 1990. لبنان ما بعد «الطائف» ليس كما قبله.. رغم عصر «الوصاية السورية» والمحاصصة، لكن لبنان بدأ ينفض عنه غبار الحرب، واعادة الاعمار بهمة ثلة من أبنائه العائدين من الاغتراب، كالحريري وميقاتي وفارس، على وقع نشوة تحرير الجنوب سنة 2000، الى اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، والذي تم على اثره انهاء الوجود السوري، وتشكل ثنائي ادارة الدولة ببعدهما الاقليمي والدولي، 14 و 8 اذار، وصولا لحرب تموز 2006 بين حزب الله واسرائيل. لقد بات لبنان، منذ «حرب تموز» ولغاية الان، يعيش هاجس الانفجار في اي لحظة، مرورا بالحرب في سوريا والتدخل المباشر لحزب الله فيها، وصولا الى الازمة الاقتصادية، واسقاط الحكومات واحدة تلو الاخرى، بفعل ثورة 17 تشرين، وعلى وقع جائحة كورونا التي ضربت الاقتصاد العالمي، الى ان حلت الكارثة، بانفجار المرفأ، والتي أطاحت بأحلام اللبنانيين في الخلاص من هذا الواقع المرير، رغم أنهم ما زالوا يمسكون بخيوط الأمل. من زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون، بعد كارثة مرفأ بيروت، وبوادر وصاية فرنسية جديدة، الى اعلان «الجنرال غورو»، مئة سنة مضين، لفت الدنيا حول لبنان وتغيرت مئات المرات، ولكن المؤكد أن لبنان بمختلف مشاربه، بقي اسير المتغيرات الداخلية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمتغيرات الخارجية، والتي جعلت من هذا البلد الصغير بجغرافيته، والمثير بطوائفه ومذاهبه وأحزابه، برميل بارود على صفيح ساخن، قابلا للانفجار في اي لحظة. أمام مئوية لبنان الكبير.. يقف اللبنانيون اليوم حيارى، ولسان حالهم يقول: كم يلزم من مئوية للوصول الى لبنان الذي نريد؟! أم أن هناك لبناناً آخر يراد لنا؟ وكم من التسويات يلزم للوصول الى وطن مستقر دون طائفية بغيضة؟ تلك الأسئلة المشروعة، ما زالت تدور بخلدهم دون جواب!!. الرأي Ibrahim.z1965@gmail.com
مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/08 الساعة 23:53