الباشا الرقاد يكتب: قراءة في الزيارة الملكية لمديريتي الإفتاء والتوجيه المعنوي في القوات المسلحة
بقلم : اللواء الركن (م) د . محمد خلف الرقاد / مدير التوجيه المعنوي الأسبق
في إطار المتابعات الحثيثة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وغيرها على ثرى أردننا الغالي ، جاءت زيارة جلالته يرافقه سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله وبحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن الطيار يوسف الحنيطي الى مديريتي الإفتاء العسكري والتوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي ، جاءت الزيارة لتعطي بعداً أعمق يجسد توجيهات جلالة القائد الأعلى المستمرة ، والمتابعات التفصيلية لمجريات الأمور على الساحة الأردنية بأكملها .
لقد أضفت هذه الزيارة بعداً أعمق يؤطر لمفاهيم أكبر وأوسع وأشمل من التعاون بين المهام المسندة للمديريتين اللتين تضطلعان بمهام على درجة كبيرة من الأهمية ، ولأنهما المعنيتان مباشرة بالتوجيه الديني والتوجيه المعنوي لمنسوبي القوات المسلحة الأردنية البسلاء .
وفي استراتيجية الإعلام العسكري الأردني التي خبرناها منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن ، حينما كنا نحمل شرف المسؤولية ، كنا ندرك معنى وأهمية التوجيه الديني الذي شكل على المدى المرتكز الأساس للعملية الاتصالية (الإعلامية ) العسكرية في القوات المسلحة الأردنية ، وهو الأساس المعتمد الذي تُبنى عليه صياغة الرسالة الإعلامية الموجهة إلى الجمهور المستهدف ، وهم منسوبو الجيش العربي في الاهتمام الأول ، ومن ثم يأتي المخاطبون بالرسالة الإعلامية من الأردنيين بخاصة ، ومن ثم من تصل إليهم الرسالة الإعلامية العسكرية الأردنية بعامة .
لكن الزيارة الملكية أشارت إلى أبعاد أعمق التفت فيه جلالته لمفاهيم أشمل من الأدوار والواجبات ، حيث ركز جلالته على بعد اجتماعي يقتضي من الاستراتيجيات الدينية والإعلامية الوقوف إلى جانب الجندي ، الأمر الذي يدخل في عمق بناء تركيبة الجندية الأردنية ، وبناء النفسية العسكرية الأردنية التي تعكس الشخصية العسكرية التي تشكل جزءاً مهما من الشخصية الوطنية الأردنية ... على جانب آخر نقرأ اهتمام جلالته ببناء الخطاب العسكري الأردني الذي يشكل بدوره جزءاً مهماً من الخطاب السياسي الأردني بشكل عام ، بحيث تتم صياغة الرسالة الدينية والإعلامية العسكريتين بشكل يعزز ويواصل تجذير القيم العربية الأردنية الأصيلة والإسلامية السمحة ، مما يسْندُ ويدعِّم رسالة الجيش العربي المصطفوي ، ويعزز قيم التضحية والبطولة والشجاعة لدى منسوبي الجيش العربي الأبطال .
وهنا يجدر الوقوف بنا لنتمعن في التوجيه الملكي السامي لنقرأ ضرورة تطوير استراتيجية توجيه ديني إلى جانب استراتيجية إعلامية عسكرية تتواءم وتتناغم وتتصاقب مع استراتيجية الدولة الإعلامية والنفسية ، من خلال وسائل وأساليب تتصدى للتحديات التي تواجه المملكة ، ويمكنني التأكيد هنا بأن أية استراتيجية إعلامية ونفسية على مستوى الدولة لا تأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجية الإعلامية العسكرية والأمنية بعين الاعتبار تعتبر من وجة نظر الكاتب استراتيجية بحاجة إلى إعادة نظر .
وعلى أرض الواقع فإن هذا يحتاج إلى تضافر جهود كبيرة بين المؤسسة العسكرية ومؤسسات الدولة ذات العلاقة مثل وزارة الأوقاف ، الثقافة ، التربية والتعليم (المناهج) ، التنمية السياسية ، المجلس الأعلى للشباب ، بالإضافة لمنظومة الإعلام الوطني ( الرسمي وغير الرسمي ) في الدولة الأردنية ، لا بل يمكنني التأكيد على أن التوجيه الملكي السامي يحمل في طياته ومضامينه إشارات إلى ضرورة إعادة النظر في صياغة الاستراتيجية التربوية والتعليمية والنفسية ( المعنوية ) والتعامل مع الشباب ممن هم في سن اليفاع ، وممن هم من فئات عمرية أقل ، وذلك لإعادة بناء منظومة القيم والسلوك ، ولحماية الأجيال من الغزو الفكري ، وتفكيك منظومة القيم والأخلاق التي يتحلى بها الأردنيون ، والتي تتعرض في كل يوم إلى شتى أنواع الهجومات المركبة والمبرمجة ، فالتوجيه الملكي السامي يحمل أبعاداً أكبر وأوسع مما نتصور ، وجلالة سيدنا دائما يسبق الزمن ، وعلى أصحاب القرار مجاراة هذه الرؤى ... حمى الله الأردن وطناً وشعباً في ظل القيادة الهاشمية المظفرة ، وحمى الله جلالة قائدنا الأعلى وقواتنا المسلحة الأبية وأجهزتنا الأمنية الشجاعة .