مئوية لبنان الكبير
كتب: عامر جلول
٤-٨-٢٠٢٠ تاريخ مأساوي للشعب اللبناني برمته حيث إنفجرت قرابة 2700 طن من مادة الأمونيوم شديدة الإنفجار في مرفأ بيروت، هذا الإنفجار زاد من غضب الناس وسخطهم وحزنهم تجاه السلطة خصوصاً بعد التدهور الإقتصادي والنقدي وحالة من التخبط السياسي وإزدياد الفقر بحسب تقرير الأمم المتحدة حيث وصل إلى 55 بالمئة, كل هذه العوامل إضافة إلى العزلة السياسية التي يعاني منها وخصوصاً بعد تولي حسان دياب الحكومة ذو اللون الواحد, جاء المنقذ الفرنسي لانتشال الدولة التي أسسها منذ مئة عام حيث لاقى الرئيس الفرنسي ماكرون ترحيباً شعبياً لا مثيل له حيث بدأت الوفود الدولية تأتي إلى بيروت للمساعدة ولكن ما هو سر إهتمام الفرنسيين في لبنان؟
اليوم ١-٩-٢٠٢٠ هي ذكرى المئوية لتأسيس دولة لبنان الكبير التي تأسست على أنقاض الأمبراطورية العثمانية حيث تحولت المنطقة جراء إتفاقية سايس بيكو إلى دويلات خاضعة إلى الدول المنتصرة أي بريطانيا وفرنسا ولكن للحقيقة فإن لبنان كان قد تأسس منذ قرابة ستين عاماً وسمي آنذاك متصرفية جبل لبنان وهي دويلة طائفية تشكلت بين الدروز والمسيحيين بعد ثورة 1860 وطبعاً كي لا ننسى أن إتفاقية سايس بيكو كان بجانبها وعد بلفور لانشاء كيان صهيوني ديني في المنطقة تحديداً في فلسطين واقامة دولة يهودية في وسط منطقة تخضع بمعظمها إلى بيئة واحدة تقريباً ذلك يحتاج إلى حزام أمن طائفياً يحيط به لحمايته وهو كيان غريب على المنطقة ثقافياً واجتماعياً وإيديولوجيا.
في لبنان أسست فرنسا دولة لبنان الكبير بعد أن ضافت على متصرفية جبل لبنان بعض المناطق ذات الأغلبية المسلمة شيعة وسنة حتى وصل مساحتها إلى 10452 وزاد عدد السكان بشكل الكبير, ذلك الكيان أُسس طائفياً حيث يترأسه حصراً رئيس ماروني رغم أن الدستور لم يذكر في نصوصه هذا الشيء وقد ترسخت هذه المعادلة من خلال وثيقه 1943 بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح حيث أصبح عُرفاً رئيس الجمهورية ماروني ومجلس النواب شيعي ورئيس الحكومة سني ولقد حاول الشيخ الجسر الترشح لرئاسة الجمهورية ولكن فرنسا قامت بإلغاء الإنتخابات وعلقت الدستور حتى تمنع وصول شخصية مسلمة إلى الرئاسة.
يقول نابليون بونابرت أن التاريخ مجموعة من الأكاذيب متفق عليه, وأحد هذه الأكاذيب أن الانتداب جاء لتمكين الشعوب من إدارة نفسها وطبعاً هذا غير صحيح فإن بلجيكا التي كانت تستعمر رواندا حتى سنة 1966 خرجت منها بعد أن زرعت الحقد والكره بين قبائل التوتسي والهوتو وقد أفلحت وحصلت مذبحة في سنة 1994 حيث قُتل قرابة 800 ألف إلى مليون إنسان, هذه الصراعات الداخلية والطائفية والقبلية تحافظ على مصالح الدول المستعمرة, فإن إسرائيل لا تقبل أن يكون على حدودها كيان يتمتع بتنوع ثقافي وديني و إستقرار السياسي ونموذج فريد من نوعه وهذا الشيء يُعرض كيانها للخطر.
بدأ الانفجار الأول في سنة ١٩٥٨ حيث كان لبنان ساحة صراع بين المعسكرين الغربي والشيوعي آنذاك ثم جاء الإنفجار الثاني والأكبر حيث بدأ سنة ١٩٧٥ حتى ١٩٩٠ هذا الإنفجار هدد زوال هذا الكيان الصغير وتحوله إلى دويلات متصارعة, ثم جاء إتفاق الطائف برعاية إقليمية ودولية في سنة ١٩٨٩ لينهي الإقتتال والدمار, ولكن هذا الإتفاق للأسف بقي حبراً على ورق حيث بقي هذا الكيان ونسيجه الإجتماعي غير مستقر ويتعرض إلى نكسات خصوصاً في ١٤-٢-٢٠٠٥ و حرب تموز و٧-٥-٢٠٠٨ وصولاً إلى ثورة ١٧ تشرين ولكن خلال تلك الفترات تم إنقاذ لبنان عدة مرات من خلال مؤتمر باريس ١-٢- ٣ واليوم وصل هذا الكيان بعد فشل وفساد طبقته السياسية إلى حد تصنيفه كدولة فاشلة على عدة مستويات ولكن يتساءل المتسائلون لماذا تدخلت فرنسا وبقوة على خط اللبناني من أجل إنقاذه؟ فهناك عدة عوامل: الأول خروجها من الشمال الإفريقي بشكل كامل ما يعني إنكفائها في البحر المتوسط, ثانياً الصراع الفرنسي التركي في شرق المتوسط على حقول النفط والغاز ودعمها بشكل قوي لليونان، وثالثاً والأهم وهو بلوك ٤ حيث النفط والغاز فهذه العوامل كلها ساهمت في إعادة تعويم السلطة الفاسدة في لبنان وإنتاجها مجدداً رغم إرادة الشعب.
يقول اوليفر ستون الباحث الأمريكي "ينما وُجد الفساد فأعلم أن الغرب وراءه وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية" والمشكلة أننا لا زلنا مؤمنين أن الغرب هو الوجه الحضاري للشعوب والمنقذ الوحيد ولكننا لم نقرأ التاريخ جيداً ولم نعرف ما فعلته فرنسا في الجزائر ومالي وليبيا وغيرها من بلاد, فإن الغرب لا يهمه إرادة الشعوب إنما مصالحه الإقتصادية والحصول على الطاقة,فلا تعولوا عليهم فإن بقاء لبنان يعتمد على إعتبار أن التنوع المذهبي والطائفي نعمة وغنى حضاري مثل سويسرا وماليزيا وغيرها من الأمثلة وللخلاص علينا الإعتماد على أنفسنا فإن الفيلسوف الباكستاني محمد إقبال يقول إياكم والركون إلى الغرب والأعتماد عليها.