عامر جلول يكتب: تركيا النفطية

مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/01 الساعة 13:37
كتب: عامر جلول الجمعة 20 8 2020 يومٌ لن ينساه الأتراك ابداً حيث خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبشر الشعب التركي حيث قال إنه تم إكتشاف حقل غاز في البحر الأسود قيمته 320 مليار ليتر مكعب, طبعاً هذا الإكتشاف سوف يغير مسار تركيا الدولة الصاعدة المشاكسة من الناحيه الجيوبوليتك والإقتصاد وسوف يساهم في توسعها السياسي في المنطقة وقدراتها العسكرية واستقرارها النقدي وإزدهارها اقتصادياً وتوفير في العملات الأجنبية بالإضافة إلى استقلالها السياسي بشكل كبير. منذ نشأة دولة تركيا الحديثة والتي كانت جزءاً لا يتجزأ من الدولة العثمانية مترامية الأطراف, فهي تعاني من قلة الموارد الطبيعية وهذه العقبة تعاني منها أيضاً دولة اليابان وبسبب هذه المشكلة ومع توقف الولايات المتحدة الأمريكية تصدير النفط لها, قامت اليابان في سنة 1941 بهجومٍ عسكري على ميناء بيرل هاربر ودخلت في الحرب العالمية الثانية رسمياً وذلك من أجل الحصول على النفط والبترول وبدأت توسعها العسكري, وحتى اليوم فإن اليابان رغم أنها دولة صناعية ضخمة ولكنها تفتقر إلى هذه الموارد الطبيعية الضرورية لصناعاتها. كذلك الحال بالنسبة لتركيا ،فإنها تعاني من هذه المشكلة أيضاً,هذا الشح جعلها مرتهنةٍ سياسياً وغير قادرة على التحرك والمناورة في سياساتها الدولية والإقليمية, فهي تستورد من إيران وروسيا والعراق, فإن عملية إستيراد المواد الأساسية على رأسها الطاقة من الخارج تجعل الدولة تلقائياً رهينة وتحت تحت ضغوطٍ سياسية كما حصل للولايات المتحدة الأمريكية في حرب العبور في سنة 1973 بين مصر وإسرائيل,ومثال آخر عندما قررت مصر شراء طائرات روسية من نوع سوخوي 35 وذلك من مبدأ تنويع إستيراد الأسلحة كنوع من الإستقلال السياسي, قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتهديد القاهرة بفرض رزمة عقوبات إقتصادية على مصر. اليوم وبهذا الاكتشاف العظيم سوف تتحرر تركيا من تلك القيود مما يعزز موقفها في التفاوض والضغط في عدة محاور على سبيل المثال في الملف السوري والعراقي والليبي, كما أنه سوف يعزز موقفها من الدب الروسي المحاذي لحدود تركيا في عدة قضايا مثل قضية أنبوب الغاز "غاز ترك" وهو خط أنبوب الغاز الروسي الممتد من روسيا عبر تركيا وصولاً إلى أوروبا وذلك إستعاضاً عن الأوكرانية من خلال الشركة الروسية " غاز بروم"، كما أن هذا الإكتشاف سوف يعزز قوتها التفاوضية مع أوروبا والإتحاد الأوروبي وخصوصاً في قضية النزاع مع قبرص واليونان في قضية النفط في ساحل المتوسط أما إقتصادياً ونقدياً فله انعكاسات كبيرة أيضاً على تركيا فإنه 90% من الطاقة مستوردة من الخارج أي يعني ما يعادل 40 إلى 45 مليار دولار أمريكي سنوياً تدفعه تركيا لشراء الطاقة مما يعني إستهلاك للعملة الأجنبية, ولكن بعد هذا الإكتشاف فإنها ليست بحاجة إلى أن تستورد لا بل سوف تصدر إلى الخارج وهذا سوف يعزز من قيمة العملة المحلية التي تتعرض في كل فترة إلى نكسة جراء ضغوطات سياسية أما إلى صدمات عالمية كصدمة النفط,وهذا سوف أيضاً يؤدي إلى زيادة الطلب على العملة المحلية ولن يعود هناك حاجة كبيرة للطلب على العملات الأجنبية. من ناحية أخرى فإنه سوف يساهم في إرتفاع نسبة الناتج المحلي الإجمالي وتعديل ميزان المدفوعات و إيجاد فرص عمل كثيرة وكبيرة, و هذا الإنتعاش الإقتصادي سوف يتبعه تعزيز العدالة الإجتماعية وذلك عبر زيادة للخدمات الضرورية للشعب التركي بعد أن إستطاعت أن توفر على خزينة الدولة ما يقارب الأربعين مليار دولار إضافة إلى أرباح تصدير النفط للخارج. إن تركيا اليوم بعد هذا الإكتشاف الهائل سوف تصبح ورقة أصعب بكثير من قبل في المعادلات الإقليمية والدولية خصوصاً أنها دولة كبيرة ومنتجة للسلاح ومصنعة واليوم أصبحت رسمياً دولة نفطية مستخرجة ومصدرة مما يعزز إستقلالية قرارها السياسي وتفوقها في صناعة التكنولوجيا العسكرية وغير العسكرية وتعزيز قوتها الإقتصادية والعسكرية مما سوف يُؤثر على الجغرافيا السياسية في منطقة الشرق الاوسط.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/01 الساعة 13:37