صبري الربيحات يكتب: الاغتراب ومخاوف العودة

مدار الساعة ـ نشر في 2020/08/29 الساعة 23:55

علاقات التعاون والتبادل التي نشأت بين الاردن وجيرانه العرب كانت اخوية وجادة وصادقة.

على مدار العقود التي ناضلت فيها الشعوب العربية للتحرر ونيل الاستقلال كان العرب يراقبون ويساندون الاشقاء بلا منة او تكلف.

ما ان نالت البلدان استقلالها واستأنفت بناء مؤسساتها حتى فتحت جميع الاقطار العربية ابواب جامعاتها للاشقاء وتبادلت معهم الخبرات وتعاضدت لبناء المؤسسات العسكرية والخدمية والتعليمية والامنية.

منذ الاربعينيات وحتى مطلع السبعينيات توجه الالاف من شباب وشابات الاردن لتلقي التعليم شبه المجاني في مصر ولبنان والعراق والشام.

وخلال الستينيات والسبعينيات التحق الالاف من المعلمين والاعلاميين والعسكريين بالبعثات التعليمية والعسكرية والاعلامية التي ارسلها الاردن الى الكويت والامارات العربية وقطر والبحرين وعمان والجزائر ليقوموا بالواجب تجاه اخوتهم العرب ويساعدوا في تدشين مشاريع النهضة التي سعت القيادات العربية لتحقيقها في الاقطار التي نالت استقلالها حديثا.

في تلك الايام كان الاغتراب مبرمجا ترعاه الدول وتحكمه الاتفاقيات وياتي تعبيرا عن الارادة السياسية لقيادات الاقطار المرسلة والمستقبلة للخبرات والقوى العاملة.

في الستينيات ارسل الاردن مئات المعلمين للجزائر لتعليم اللغة ونشر التعليم بعد ان نجحت الثورة الجزائرية في طرد المحتل الفرنسي ولإرواء تعطش الجزائرين للغة العربية وشغفهم لسماع موسيقاها في الشوارع والمدارس والمؤسسات وكما في الجزائر بقي الاردن يرسل افواجا من المعلمين والتربويين الى المغرب العربي وليبيا ليعودوا وهم اكثر حبا وتعلقا بعروبتهم التي نثروا بذورها على شواطئ المتوسط وجبال اطلس الكبير وخلجان الاطلسي.

التجربة الاردنية في رفد التعليم غربا اخذت ابعادا متعددة الجوانب مع اشقائنا في الخليج العربي فقد ارسل الاخوة الخليجيون زينة شبابهم لتلقي التدريب العسكري والشرطي والامني في الاردن.

في عام 1977 وعند التحاقي بجهاز الامن العام امر المرحوم اللواء غازي عربيات بارسالي الى كلية الشرطة في يوم التجنيد نفسه فاجابه مدير شؤون الضباط والافراد الرائد عوني مسمار بان ذلك غير ممكن لعدم وجود دورات معقودة للاردنيين في تلك الفترة. وتحت اصرار المدير جرى الحاقي بدورة لتلاميذ شرطة الامارات العربية وقطر مضى على بدئها خمسة شهور حيث امضيت معهم بقية المدة واصبحت واحدا منهم ادندن الحان اغانيهم واعرف تاثير البحر والامواج على امزجتهم وطباعهم واعرف تماما مدى حبهم لعروبتهم وتقديرهم للاردن، لم تكن تلك الدورة الوحيدة فقد عقدت عشرات الدورات الامنية والعسكرية للاشقاء في معاهد وكليات الاردن وعمل العشرات من ضباط التدريب والادارة الاردنية في الاجهزة الاماراتية والبحرينية والقطرية والعمانية، وكان عواد الخالدي وسامي الساكت وغازي جرار وعبدالجابر اسماعيل وفايز قبلان وعدنان الشمايلة وبشير البلبيسي نماذج مثلت الادارة الاردنية وحضيت باحترام وتقدير الاشقاء.

منذ عقود اصبحت دولة الامارات العربية الشقيقة نموذجا في الادارة وكفاءة الاداء ولم تعد بحاجة الى من يقدم لها اساسيات العمل والتدريب لذا فقد اصبحت تستقدم اعدادا قليلة من الخبراء لملء بعض الشواغر التي لا يقبل عليها الامارتيون.

في القطاعات غير الحكومية يجري انتخاب الكفاءات التي تحتاج لها المؤسسات والشركات من بين الاف المتقدمين بصرف النظر عن جنسياتهم فالبلد منفتح على العالم ويستضيف الملايين من الاشخاص الذين جاءوا من مختلف اصقاع الارض.

في هذه البلاد التي اتسعت لتستضيف اكثر من 150 جنسية عالمية لا يتجاوز الاردنيون 4 % من السكان حيث يعمل غالبيتهم في مهن واعمال واختصاصات دقيقة جرى اختيارهم لها بمسابقات ومنافسات اثبتت جدارتهم واستحقاقهم.

من وقت لاخر ومع كل ازمة عابرة تعمل ماكنات التحشيد والتجييش على اثارة المخاوف من عودة او اعادة الاردنيين الذين توجهوا للعمل في بعض البلدان العربية الشقيقة.

في اعتقاد الكثيرين ممن يثيرون هذه المخاوف ويعزفون على هذا الوتر ان البلدان التي قصدها المغتربون قبلتهم حالات انسانية او مكارم.

المستويات التي وصل لها المستخدمون في المؤسسات والاقطار العربية تؤهلهم للتنافس في كل قارات وبلدان العالم ومن غير اللائق ان ننظر لهم ضحايا محتملين لتصريح هنا او تلميح هناك فالاقتصاد العالمي يحتاج الى مواطن عالمي قادر على توليد الفرص.الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2020/08/29 الساعة 23:55