روعة سبيتان تكتب: أشلاء الحرب

مدار الساعة ـ نشر في 2020/08/28 الساعة 17:48
بقلم روعة رأفت سبيتان كانت الحرب كعادتها اليومية تمارس قذائفها هذه الليلة على مقربة ٍمن غرفت لم يأبه أبداً لضجيج الانفجارات وإنما ظلّ لساعات يتأمل بلا مبالاة هذا الغبار المتراكم منذ أشهر على أثاث غرفته وهو يدخن بشراهة شعر بالملل فالتقط علبة سردين فتحها والتهمها ببطء عن غير شهية عندما انتهى أشعل سيجارة وعبّ منها بعمق أثناء النصف الأول من سيجارته كان يرمق بصمت علبة السردين الفارغة على سطح طاولته تخيلها التابوت المناسب لجثته فابتسم ببلاهة أثناء النصف الثاني من سيجارته, علبة السردين الفارغة تأملته بصمت فتخيلته الجثة المناسبة لفراغها الداخلي, عندئذٍ هي أيضاً ابتسمت ببلاهة هطلت القذائف كمطر ٍغزير على ساحة القرية حيث كان فيها حفل زفاف ٍمتواضع هرول والده بخوف إلى الساحة ليبحث عن أمه فلحقه طفلهما الصغير لم يعثر والده بين الجثث التي ذابت ملامح وجوه بعضها على والدته. أحد الجرحى طمأنه بأنه قد لمحها عن كثب تغادر الحفلة قبل القذائف ببضع دقائق. الطفل كان وبسعادة يلهو بالتقاط الأيدي المقطوعة من بين الأشلاء البشرية وهو يظنها دمى فجمع عدة أيدي. صرخ عليه والده وهو يأمره بالرجوع حالاً للبيت ثم وعده بأنه سيرجع إلى البيت بعد قليل وأمه معه. ركض الطفل وهو يحضن إلى صدره الأيدي المقطوعة. في البيت داخل غرفة الجلوس التقط المزهرية عن الطاولة ورمى عنها الورود ليدسّ بها تلك الأيدي, ثم وضعها جانبه على الأريكة وهو يتأملها ويبتسم ببلاهة. تأخر والده ووالدته شعر بالنعاس تثاءب ثم غفا جانب المزهرية. بعد أن نام ثمة يدٌ من الأيدي في المزهرية مالت إليه بهدوء لتمسح بحنان على شعره الناعم. وبعض قذائف سقطت على الشارع الرئيسي في السوق, بعد برهة نهض هذا الطفل من بين جثث القتلى وأجساد الجرحى وهو يتألم ثم انتبه إلى أن يده كانت مقطوعة فراح يبحث عنها بين فوضى الأشلاء البشرية وهو يبكي بمرارة وألم علّه يعثر عليها فجأةً عثر على يد ٍأخرى مقطوعة يبدو من شكلها أنها لجثة رجل ٍمتقدم ٍبالسن التقطها الطفل ثم وضعها على معصمه, وتأملها لثوان ببلاهة سرعان ما راح يقفز بسعادة بين الجثث أمام الجرحى, وهو يصرخ كمجنون:
لقد كبرت لقد كبرت لقد كبرت. و قبل الحدود ببضع تلالٍ ومنحدرات, انهمرت عليهم القذائف, فركض أولئك النازحون بصخب ٍ وخوف. أمسك الأب يد طفله وهرولا مع العشرات في هذه الفوضى البشرية القذائف قتلت بعضهم وجرحت بعضهم الآخر, لكن لا أحد انتبه لأحد في فوضى الرعب هذه. بعد أن اجتازوا الحدود تنفسوا الصعداء ثم مشوا نحو ذلك المخيم باستثناء هذا الطفل الذي عندما تخطى الحدود نظر إلى يمينه فلم يشاهد من كل والده إلا يده الممسك بها. تأمل الطفل يد والده المقطوعة ضمها إلى صدره ثم جلس على صخرةٍ جانب الأسلاك الشائكة. ابتسم ببلاهة وهو يمعن نظره في البعيد منتظراً قدوم أشلاء والده لتتحد مع يده هذه فتعيد تشكيله.
  • يومية
  • مال
  • رئيس
  • منح
  • صخرة
مدار الساعة ـ نشر في 2020/08/28 الساعة 17:48