أبو زيد يكتب: التعليم والعودة إلى المدارس في فضاء كورونا
بقلم: زيد أبو زيد
إذا كانت صحة المواطن هي أولى أولويات أي دولة للإنسان فيها اعتبار كبير، فإن التعليم هو الأولوية الثانية للدول التي يُعَدُّ فيها الإنسان ثروة الوطن وأساس نهضته ومستقبله كالأردن.
وفي هذا العصر الجديد بطابعه التكنولوجي والمعرفي اجتاح العالم وباء خبيث الطابع خفي الهوية عجزت حتى الآن أعتى الدول عن مواجهة انتشاره السريع والحد من عدد إصاباته بالرغم من الإغلاقات وإجراءات الحظر، كما عجزت أكثرها في الحد من آثاره الكارثية على الاقتصاديات وعلى مظاهر الحياة الاجتماعية، ومنها التعليم.
لقد قدمت تجربة الجائحة للعالم فرصة كبيرة للتعامل ونقل الخبرات في كل المجالات تعليميًّا وتربويًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا لمواجهة جائحة لا تعرف للحدود معنى أو مسمى، وتعلمت الحكومة الأردنية يومًا بيومٍ من العالم كما تعلم العالم منها كيف تُدار الأزمات؛ فقامت الحكومة ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والجهاز الصحي باتخاذ حُزمة من الإجراءات القاسية منذ اليوم الأول للأزمة منها تعليق الدوام في جميع المؤسسات التعليمية من جامعات ومدارس ورياض أطفال وحضانات، وإيقاف التجمعات العامة بمختلف نشاطاتها الرياضية والثقافية والمناسبات الاجتماعية كالعزاء والأفراح وغيرها، وأوقفت الرحلات العابرة للحدود الجوية والبحرية والبرية إلا للضرورة القصوى وعبر اتّباع مجموعة من الإجراءات الاحترازية مع الحفاظ على انسيابية النقل للبضائع من مختلف المعابر حفاظًا على الحياة العامة وإنتاجية الدولة، والحد من خسائر القطاعات الإنتاجية بحدودِها الدنيا.
إن الدولة الأردنية بجميع مؤسساتها، وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ومتابعته اليومية أدركت جيدًا حجم تأثيرات هذه القرارات على التعليم، فكان القرار الذي صرح به وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي: إن العام الدراسي المقبل 2020- قائم في موعده مدرسيًا للطلبة في 1/9/2020، مع الأخذ بجميع إجراءات الوقاية والسلامة العامة ضمن بروتوكول صحي، ومصفوفة إجراءات وعدة سيناريوهات توازن بين مطلبي التعليم والصحة؛ لأن الغياب الطويل للطلبة عن المدارس له كلفته التربوية والاجتماعية والنفسية.
وقد نسقت وزارة التربية والتعليم مع وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة كيفية التعامل مع البروتوكول الصحي، والاستفادة من تطبيقه لغايات التطوير والتحديث اليومي في تفاصيله اليومية، والأهم هو الالتزام بتطبيقه في المدارس ضمانًا لصحة الطلبة والمعلمين والعاملين.
إن وزارة التربية والتعليم والحكومة وكل مؤسسات الدولة تعلم أن الجائحة مستمرة، وهي مضطرة إلى مواجهة وباء كورونا الجامح بكل الوسائل والطرائق مع استمرارية الحياة بكل تفاصيلها استدراكًا لمشهد قد يكون أكثر قسوة فيما لو وقفت الحكومة من دون اتخاذ اللازم من إجراءات وقرارات، ومنها قرار العودة إلى المدارس.
لقد أصبح من المفروض علينا في هذا الوقت أن نكون أكثر يقظة في التعاطي مع الأحداث ومواجهة المواقف؛ لنساند الحكومة في قراراتها الوقائية والعلاجية للمشهد؛ لنجسد عمليًّا مفهوم دولة التكافل والتضامن ليكون إنجازنا الوطني في مواجهة المستجدات باجتماع الإرادات وتوافق التطلُّـعات لكل مكونات الدولة الرسمية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الإنتاجية.
أن طرائق التعلم في العالم كثيرة، وستوفر وزارة التربية والتعليم محتوى علميًّا عبر منصتها الإلكترونية إلى جانب البث التلفزيوني للمباحث الدراسية، وعلى المدارس والمعلمين بشكل خاص توجيه الطلبة إلى متابعة تفعيل جميع وسائل التعلم عن بعد مع التعليم بالمواجهة داخل الغرفة الصفية والتكيف مع المرحلة الجديدة، كما سيَخَصّص جزء من العام الدراسي لمعالجة فجوات التعلم عند الطلبة في المواد والمفاهيم الأساسية.
لقد أصبح التعليم في عصر الثورة الرابعة أكثر مرونة وسهولة وفاعلية، لأن دور المعلم لا يتوقف على الأداء داخل الحصة الصفية بل هو دور مستمر لتوجيه الطلبة والإشراف على تعلمهم داخل الحجرة الصفية وخارجها، فالمعلم مكوّن رئيس للتعلم عن بعد وعن قرب من خلال استحداث وسائل وطرائق جديدة في مساعدة الطلبة على التعلم والبحث.
وأخيرًا، فإن المطلوب من إعلامنا ونقاباتنا وأحزابنا وكل مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص أن تؤدي أدوارًا محوريةً في غرس الوعي الفردي والجماعي، والتحلي باليقظة والتفكير النقدي، واستـقاء المعلومات من المصادر الأمينة الموثوقة، ودعم مشاريع تجاوز أزمة الوباء بكل الطرائق والمصادر. والله من وراء القصد.