مكرم الطراونة يكتب: عقلية التبعية
حتما أن الـ36 ألف لبناني ممن قيل إنهم وقعوا على عريضة تطالب بعودة الانتداب الفرنسي للبلاد في أعقاب الانفجار الكارثي الذي هز بيروت، لا يمثلون العدد الكلي لسكان الدولة البالغ نحو 7 ملايين شخص، لكن للأسف هؤلاء يضربون أفضل الأمثلة على عقلية التبعية التي ترعرع عليها المواطن العربي في كل الدول الناطقة بحرف الضاد.
فرغم الإمكانيات المالية والبشرية الهائلة للدول العربية، إلا أنها لم تنفك عن ربط سياستها واقتصادها وقراراتها بالدول الغربية، لتكون شعوبها شعوبا مستهلكة لا منتجة، ولو سئل أي شاب عن اسم منتج عربي وصل للعالمية، لما كان هناك إجابة واحدة.
ولأن المواطن العربي عاش في كنف التبعية منذ نعومة أظفاره، ولم يزل، تجده سريع التأثر بما يدور حوله، ويقدمه للآخرين بدون تفكر أو تمعن بهذا الطرح وصوابيته ودقته وحقيقته، ومدى تأثيره على المحيط من حوله، فيغدو مؤمنا به ومرجعا له في جميع مناحي حياته ونقاشاته.
في الأردن، وهو جزء من منظومة الفكر العربي بهذا الاتجاه، لا شك أن المواطن يعيش هذه المعادلة لكن بمنطق وأسلوب آخر، فالتبعية التي تؤطر سلوكيات عدد من أبناء المجتمع المحلي خطيرة وتحتاج إلى معالجة توعوية من نوع خاص.
البعض سلم عقله لمن هب ودب، وغدت مرجعيته ومصدر معلوماته ما يبث على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يعد يميز بين ما هو غث أو سمين، بل بات الكثير يتناقلون ما يصب في آذانهم كأنها مسلمات حقيقية.
لم يعد أحد يقبل إلا بالرأي الذي يوافق هواه، فإن اختلفت معه تم تصنيفك، لا بل الأمر يتعدى ذلك بأن يزج بك في أتون تفاصيل تؤخر لا تقدم، ولأن العديد يغمضون العين ويسيرون، تجدهم يتخبطون، وإن بان لهم أن ما يؤمنون به حقيقة ما هو إلا زيف، يكابرون وتأخذهم العزة بالإثم.
في قضية نقابة المعلمين، على سبيل المثال لا الحصر، وبعيدا عن أولئك المدافعين عن حقوق المعلم، أو الذين يؤمنون بأن هذه الحقوق لا تتجزأ عن حقوق جميع أبناء المجتمع المتضررين من تبعات جائحة كورونا، تركت المساحة واسعة لأن يصطف من يشاء من الأردنيين هنا وهناك، وهو حق لا خلاف عليه، فظهرت حالة جدلية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في معظمها كانت متطرفة للرأي الأوحد، وفي كثير منها كان هناك من ينساق إليها تابعا وليس صاحب مشورة ورأي.
احتمال كبير أن يصنف كاتب هذه السطور وفق الأمزجة المختلفة للأطراف، لكن هذا لا يمنع أن يعبر المرء عن اعتقاده بتسليم نسبة لا بأس بها عقولها لمن يسعى لركوب موجة الأزمة، وتحويلها إلى صراع ومعركة وتأكيده أن خوضها مصلحة عليا للوطن، ويدعو أيضا إلى النزول للشارع والاحتجاج وإعلان الرفض، على اعتبار أن البلد ومؤسساته لن تخضع إلا عبر التخويف والترهيب.
هل يستوي هذا مع من يؤكد أن الحوار غير المشروط هو أساس حل الخلاف بين الحكومة والنقابة؟، بالتأكيد لا يستويان، فالأول يريد فرض الأمر الواقع بالقوة، والثاني يريده عبر العقلاء، وبمقارنة بين الأسلوبين لا شك أن الثاني هو الطريق الأفضل والأسلم لكي يحقق كل طرف مبتغاه بدون تصعيد أو تشنج.
الفرق بين البعض عند استخدام مواقع التواصل الاجتماعي هو أن هناك من عرف الغاية منها واستغلها بطريقة مثالية عنوانها استقلالية الفكر والرأي، وآخرون يستخدمونها كأتباع لمن يكتب ما يدغدغ مصالحهم الشخصية حتى ولو كان الذي يكتبه مدمرا وبلا فائدة.
دائما، من السهل أن نميز الخير من الشر، خصوصا في ما يتعلق بالأوطان.
الخير واضح دائما، والشر كذلك، حتى وإن كان مزيفا بـ”مكياج” يحاول إخفاءه!.الغد