وفاة شرطي وعشرات الجرحى في تظاهرة فوق ركام العاصمة اللبنانية
مدار الساعة - توفي عنصر من قوى الأمن الداخلي في لبنان، نتيجة سقوطه داخل فندق في بيروت، وسط مظاهرة مندلعة يطالب عبرها اللبنانيون بمعاقبة المسؤولين عن التفجير الضخم في مرفأ بيروت الذي حوّل عاصمتهم إلى ساحة خراب، وأسفر عن نحو 160 قتيلاً وآلاف الجرحى.
وقالت الوكالة الرسمية اللبنانية، إن عنصرا من قوى الأمن الداخلي توفي "نتيجة سقوطه داخل فندق لو غراي"، فيما أكدت قوى الأمن الداخلي وفاة أحد عناصرها "أثناء مساعدة محتجزين داخل فندق".
واقتحم متظاهرون بينهم عسكريون متقاعدون مقر وزارة الخارجية في محلة الأشرفية في شرق بيروت، معلنين اتخاذه "مقراً للثورة"، واقتحم متظاهرون مساء السبت، مبنى وزارة الاقتصاد والتجارة ومبنى وزارة البيئة، ومبنى جمعية المصارف في وسط بيروت، ثم مبنى وزارة الطاقة والمياه على كورنيش النهر.
وقال المتحدث باسمهم العميد المتقاعد سامي رماح للصحافيين في بيان تلاه "من مقر وزارة الخارجية الذي اتخذناه مقراً للثورة، نطلق النداء إلى الشعب اللبناني المقهور للنزول إلى الساحات والمطالبة بمحاكمة كل الفاسدين".
وقالت الوكالة إن الجيش أخلى مبنى وزارة الخارجية من محتجين فيما بقي عدد منهم داخله.
وأعلن الصليب الأحمر اللبناني، نقل 63 جريحا إلى المستشفيات المنطقة 175 مصابا تم إسعافهم ميدانياً، فيما قالت قوى الأمن الداخلي إن عناصرها "تعرضوا إلى الرشق بمختلف الأدوات".
وطالبت قوى الأمن الداخلي من المتظاهرين "الخروج من الأماكن التي تحصل فيها الاعتداءات"، مشيرة إلى أنها "لن تقبل بالتعرّض لعناصرها بخاصة بعد سقوط العديد من الجرحى في صفوفها".
وقالت مراسلة "المملكة"، إن معظم المصابين خلال التظاهرة في بيروت حالتهم طفيفة.
وأكدت الشرطة اللبنانية لوكالة رويترز، إطلاق الرصاص في موقع المظاهرات في وسط بيروت، وأظهرت لقطات مباشرة على قنوات تلفزيون محلية عدة أشخاص وأجسادهم ملطخة بالدماء بفعل الطلقات المطاطية في حين كانت الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين يحاولون اقتحام ساحة البرلمان.
وأطلقت قوات الأمن اللبنانية، الغاز المسيل للدموع على متظاهرين يحاولون عبور حاجز للوصول إلى مبنى البرلمان في وسط بيروت.
ورفع المحتجون في ساحة الشهداء في بيروت صور شهداء سقطوا في تفجير المرفأ الذي أدى إلى مقتل 158 شخصاً، وجرح أكثر من 6 آلاف، ودمار طال نصف المدينةـ
وطالب المحتجون بـ "لجنة تحقيق دولية" في ملابسات الانفجار.
الوكالة الرسمية في لبنان قالت إن "عناصر مكافحة الشغب بدأوا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع في محيط مجلس النواب لتفريق المحتجين الذين يقومون بمحاولات الكسر والخلع".
وأضافت أن "حالة التوتر تسود محيط مجلس النواب، مشيرة إلى تدافع بين القوى الأمنية والمحتجين الذين حاولوا الوصول إلى أحد مداخل المجلس، ورمي الحجارة".
مراسلة "المملكة"، قالت إن آلاف اللبنانيين توافدوا إلى ساحة الشهداء للمشاركة في يوم الغضب، يوم تشييع جثامين قتلى انفجار مرفأ بيروت.
وشاهدت المراسلة حريقا هائلا يندلع في ساحة الشهداء، حيث يتظاهر المحتجون. وقالت إن محتجين أحرقوا عددا من المباني.
وأكدت إطلاق الرصاص في الهواء في محاولة لتفريق المحتجين. في حين ارتدى نحو 60% من المشاركين في التظاهرة اللباس الأسود.
وألقى المحتجون الحجارة باتجاه مبنى مجلس النواب. ويرفعون شعارات تطالب برحيل الحكومة اللبنانية.
تعاطف دولي
وأثار الانفجار تعاطفاً دولياً مع لبنان، الذي يصله مسؤولون غربيون وعرب تباعاً وتتدفق المساعدات الخارجية إليه عشيّة مؤتمر دعم عبر تقنية الفيديو تنظمه فرنسا بالتعاون مع الأمم المتحدة، وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشاركته فيه.
ولليوم الرابع على التوالي، تلملم بيروت جراحها ويعمل متطوعون وسكان في أحيائها المتضررة على رفع الركام والزجاج المحطم وإصلاح ما يمكن إصلاحه جراء الانفجار الذي يعد من بين الأضخم في التاريخ الحديث.
وأعلنت وزارة الصحة، في حصيلة جديدة السبت، ارتفاع عدد القتلى إلى 158 وأكثر من ستة آلاف جريح.
وأوضحت أنّ "العدد المتبقي للمفقودين يبلغ 21 مفقوداً" بناء على المعطيات الأخيرة التي توفرت لديها.
وتوافد المتظاهرون تباعاً إلى وسط بيروت آتين من مناطق عدة وسط اجراءات أمنية مشددة. وانطلقت مسيرة حاشدة وفق مراسل فرانس برس من شارع مار مخايل المتضرر بشدّة إلى وسط بيروت، رافعين لافتة كبيرة ضمّت أسماء قتلى الانفجار.
وسُرعان ما سُجلت مواجهات بين القوى الأمنية ومحتجين في طريق مؤد إلى مدخل البرلمان. وأطلق الشبان الحجارة على عناصر الأمن الذين ردوا بإطلاق القنابل المسيّلة للدموع في محاولة لتفريقهم.
وردّد المتظاهرون شعارات عدّة "بينها "الشعب يريد اسقاط النظام" و"انتقام انتقام حتى يسقط النظام"، و"بالروح بالدم نفديك يا بيروت". كما رفعت في مواقع عدة في وسط بيروت مشانق رمزية، دلالة على الرغبة في الاقتصاص من المسؤولين عن التفجير.
وأعرب جاد (25 عاماً)، وهو موظف في مجال الاعلانات، في حديث إلى فرانس برس بينما رفع مشنقة على مكنسة خلال توجهه إلى وسط بيروت، عن شعور "غضب وحزن ومرارة وأحاسيس كثيرة لا يمكن التعبير عنها".
وأوضح أن التظاهرات "مستمرة منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر وليست بجديدة لكن اليوم توجهنا مختلف لأننا نسير على ركام مدينتنا".
ومنذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، نزل مئات الآلاف الى الشوارع ناقمين على الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحمّلونها مسؤولية الأزمات المتلاحقة. إلا أن وتيرة تحركهم تراجعت تدريجاً بعد تشكيل حكومة جديدة ومن ثم انتشار وباء كوفيد-19 لتقتصر على تحركات أمام مرافق ومؤسسات.
دعم دولي
وبينما كانوا يتابعون بعجز الانهيار الاقتصادي المتسارع في بلدهم ويعيشون تبعات هذا الوضع الهشّ الذي أضيف إليه تفشي كوفيد-19 مع تسجيل معدل إصابات قياسي في الأيام الاخيرة، أتى انفجار مرفأ بيروت ليشكل أكبر كوارث اللبنانيين.
وكتب فارس الحلبي (28 عاماً) وهو من الناشطين البارزين في التظاهرات على فيسبوك "بعد ثلاثة أيام تنظيف، رفع ركام ولملمة جراحنا وجراح بيروت حان وقت تفجير الغضب ومعاقبتهم على قتل الناس"، مشدداً على أن "التغيير يجب أن يكون كبيراً بقدر كبر الفاجعة".
وأوقفت السلطات، التي تعهّدت بمحاسبة المسؤولين عن الانفجار وعن تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت منذ ست سنوات من دون إجراءات حماية، أكثر من 20 شخصاً على ذمّة التحقيق بينهم مسؤولون في المرفأ والجمارك ومهندسون، وعلى رأسهم رئيس مجلس إدارة المرفأ حسن قريطم ومدير عام الجمارك بدري ضاهر، وفق مصدر أمني.
وأعلنت السفارة السورية في بيروت السبت أن 43 من رعاياها في عداد قتلى الانفجار، بينما أعلنت الخارجية الهولندية وفاة زوجة سفيرها لدى بيروت متأثرة بجروحها.
وقالت حياة ناصر، التي تنشط في مبادرات عدة لمساعدة المتضررين إن تظاهرات الأحد هي "التحذير الأكبر للجميع، لأنه لم يعد لدينا شيء لنخسره بعد الآن".
وتأتي التظاهرات عشية مؤتمر دعم دولي للبنان، اقترحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى بيروت الخميس، وتنظمه بلاده بالتعاون مع الأمم المتحدة بمشاركة دولية وعربية واسعة.
وتوجّه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بعد وصوله إلى بيروت، الى اللبنانيين بالتأكيد على أن الاتحاد الأوروبي الذي خصّص 33 مليون يورو للمساعدة، "يريد أن يقف إلى جانبكم ليس فقط بالتصريحات ... بل بالأفعال".
ونقل كل من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ونائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي ووزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو، للمسؤولين اللبنانيين استعدادهم الكامل لتقديم المساعدات ودعم إعادة إعمار بيروت.
"الصرخة الأخيرة"
ويخشى المتظاهرون ومحللون أن تجد السلطة في مبادرات الدعم الدولية فرصة لتعزيز مواقعها مجدداً.
واعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون في تصريحات للصحافيين الجمعة، أنّ "الانفجار أدى الى فك الحصار" بعد تلقيه اتصالات من رؤساء وقادة آخرهم ترامب.
ورأى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، الجمعة، أن المشهد الخارجي "الإيجابي"، "يفتح فرصة أمام لبنان (..) للخروج من حالة الحصار" خلال الفترة الماضية.
وقدّم خمسة نواب منذ الانفجار استقالاتهم من البرلمان، داعين زملاءهم إلى اتخاذ الخطوة ذاتها.
ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في مركز عصام فارس ناصر ياسين لفرانس برس "الخوف أن تستفيد السلطة من هذه الكارثة الكبيرة ومن الاهتمام الدولي والعربي حتى تعيد تعويم نفسها داخلياً وخارجياً".
ويرى أنّ المطلوب اليوم هو "ضرب رأس الأخطبوط الذي يمسك بكل مفاصل الاقتصاد والدولة ويسيطر على المجتمع ... ضرب المنظومة على رأسها والتشديد على المحاسبة من أصغر موظف حتى رأس الهرم".
ويقوم النظام السياسي في لبنان، البلد الصغير الذي يعاني من ضعف الإمكانات، على منطق المحاصصة الطائفية والتسويات والتراضي، وهو ما يعيق اتخاذ أي قرار أو اصلاح لا يحظى بتوافق عام.
وتقول الناشطة حياة ناصر إن تظاهرة اليوم هي "آخر صرخة لإيقاظ الناس"، مضيفة "نحتاج إلى أن ننقذ بعضنا البعض وأن ننظف بلدنا لإعادة بنائه ونتجاهل تماماً الطبقة السياسية".
أ ف ب + رويترز + المملكة