حاتم الطائي يكتب: هل يخسر ترامب الانتخابات؟!
كتب: حاتم الطائي
◄ ترامب فشل في إنقاذ الاقتصاد وحماية الأمريكيين من "كورونا"
◄ شعبية ترامب تتهاوى لمستويات دنيا غير مسبوقة.. وبايدن فائز محتمل بمقعد الرئيس
◄ عالم جديد بقيادة جديدة سيتولد من رحم الأزمات الراهنة
السياسةُ الأمريكيةُ في الداخل مُعقَّدةٌ ومُتشابكةٌ لدرجة أنَّ من الصعب ترجيح كفة أي مُتنافسين في انتخابات رئاسة القوى العظمى الأولى في العالم، وهذه حقيقة جسدتها أحداث تاريخية فارقة، شهدت صعود رؤساء إلى سدة الحكم بعد أن كانوا أبعد ما يكونون عن النجاح، كما إنها أطاحت بمرشحين آخرين وأسقطتهم عبر هزيمة نكراء شهد عليها الجميع.. لكن هذا العام 2020 يبدو أنَّ الأمر انقلب فجأة رأساً على عقب على الرئيس ترامب، وبات توقع الفائز بالانتخابات الأمريكية المُرتقبة بعد أقل من 3 أشهر، محل نقاشات مفتوحة ومُوسعة.
فمنذ أن أطلق الرئيس الأسبق بيل كلينتون شعاره الشهير "إنِّه الاقتصاد يا غبي" منذ عام 1992 عندما كان في منافسة مع المرشح الجمهوري- وقتذاك- جورج بوش الأب، تحوَّل هذا الشعار إلى قاعدة انتخابية، وخطة نجاح مضمونة في أي انتخابات، فأي رئيس يستطيع أن ينقذ الاقتصاد هو الذي سيفوز بنصيب الأسد من أصوات الناخبين الأمريكيين، ومن يحيد عن هذه الخطة فمصيره الفشل الذريع، وكل ما حققه من إنجازات ستكون هباءً منثورا. والرئيس الحالي دونالد ترامب حقق في انتخابات 2016 فوزاً مثيراً للجدل بعد مزاعم ما قيل إنِّه "تدخُل" في عملية التصويت أو غيرها من المزاعم، لكنه استطاع في السنوات الأولى من رئاسته أن يُحقق تقدماً على مستوى الاقتصاد، وقد حالفه الحظ في عدد من المؤشرات، إلا أنَّ هذا الحظ سرعان ما تبدَّل وتحوَّل إلى إخفاقات واحدة تلو الأخرى، فهوت شعبيته القائمة أساساً على العنصرية والحشد الشعبوي البغيض وكراهية الأجانب والمُسلمين وشن الحروب التجارية، وما زاد الطين بلة، تفشي وباء كورونا "كوفيد- 19"، وتسجيله فشلاً ذريعاً غير مسبوق في التعامل مع الجائحة، والتي ظل يُردد حتى في ظل ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات أنَّ هذا الفيروس "صيني"- حسب زعمه- وأنَّه مجرد زكام عادي أو إنفلونزا موسمية.
"السقوط الحر" لترامب في مُؤشر الشعبية والتأييد بين الناخبين الأمريكيين، مرده إلى نقطة أساسية وجوهرية، وهي آلية تعاطيه مع جائحة كورونا، فالرئيس الأمريكي لم يُحسن التصرف منذ البداية مع هذه الأزمة، وقرر الانحياز إلى مصالحه الانتخابية وطبق قاعدة "إنِّه الاقتصاد يا غبي" في غير محلها، فظنَّ أنَّ الحفاظ على النمو الاقتصادي وزيادة معدلات التوظيف وخفض نسب البطالة واستمرار عمل القطاعات، أولوية بالنسبة له، وأنَّ الاهتمام بالصحة يأتي في المرتبة الثانية، من قائمة أولوياته! هكذا ببساطة قرر ترامب التضحية بصحة ما يُناهز 330 مليون نسمة يعيشون على الأراضي الأمريكية، من أجل "حماية الاقتصاد" كما يظن خطأً، فرفض في بداية الأزمة توصيات منظمة الصحة العالمية بإغلاق المدن والولايات، ومنع الحركة والحد من التجمعات، وتحقيق التباعد الاجتماعي، بل وجادل في نجاعة إجراء الفحوصات، وقال جملته المُثيرة للاستغراب "إجراء المزيد من الفحوصات يعني المبالغة في أرقام الحالات المصابة"، ورغم أنَّ ترامب يدرك جيداً أنَّ التوسع في إجراء الفحوصات أحد أبرز السبل الداعمة لآليات مُواجهة الجائحة، إلا أنه أنكر في داخله ذلك، وتمادى في رفض توصيات منظمة الصحة العالمية وكذلك توصيات الجهات الصحية الأمريكية، بل وصل به الأمر أن أمر بانسحاب الولايات المُتحدة من عضوية هذه المنظمة الأممية، في مشهد غرائبي، يعكس استهتار هذا الرجل بصحة الملايين من البشر من أجل مصالح انتخابية وسياسية واقتصادية على مقاسه الخاص.
ترامب نموذج للرئيس الذي سقط سقوطاً حراً من أعلى قمم التوقعات الانتخابية إلى أدنى مراتب التأييد الشعبي، فمن المدهش أن نرى رئيساً كان من المُمكن أن يفوز في الانتخابات المُرتقبة قبل تفشي كوفيد- 19، لكنه بات الآن في زمرة الخاسرين المُحتملين، رغم أنَّ منافسه الديمقراطي جو بايدن لم يُقدم حتى الآن أي برنامج انتخابي مُقنع للناخب الأمريكي، لكنه يعتمد في تضخيم شعبيته على مُناهضة سياسات ترامب، وهذه آلية سهلة وبسيطة، ولذا نجد بايدن الآن متصدرا لاستطلاعات الرأي كافةً، وبات قاب قوسين من الظفر بالانتخابات بلا أي جهد حقيقي يُذكر!!
إذن سوء إدارة ترامب لأزمة كورونا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، فلم ينجح ترامب في الحد من إصابات ووفيات الوباء، ولم يفلح في إنقاذ الاقتصاد، فأكبر اقتصاد في العالم دخل رسمياً قبل أيام معدودات مرحلة الركود، بعدما هوى الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 32% للربع الثاني على التوالي، ليكون بذلك أعنف تراجع منذ عام 1947، كما تفاقمت أعداد العاطلين عن العمل بأكثر من 31 مليون أمريكي لا عمل لهم، والحياة في الولايات المُتحدة قاسية بشدة، ومعنى أنَّ شاباً أو امرأة بلا عمل، فذلك يعني أنه/ أنها في مهب الريح!
ومن هنا يبدو أنَّ عبارة "إنِّه الاقتصاد يا غبي" انقلبت على ترامب، فبعدما كان يُعاند آراء الجهات الصحية من أجل إنقاذ الاقتصاد، أخفق إخفاقاً مؤلماً ومُريعاً في إنقاذه، وأيضاً حماية الصحة العامة ووقف عداد الوفيات الذي وصل إلى أكثر من 163 ألفاً، بينما تخطى عدد الإصابات 5 ملايين مصاب.
ترامب وفي خطوة استباقية منه لإنقاذ الماراثون الانتخابي، ناور بفكرة تأجيل الانتخابات، بزعم عدم ثقته في نزاهة المنظومة الانتخابية، حيث من المُحتمل أن يتم التصويت عبر البريد في حالة تعذر تنظيم انتخابات بمقرات اللجان الانتخابية بسبب وباء كورونا. وعبر ترامب عن خشيته من "تزوير" التصويت عبر البريد، وهو أمر آخر يُثير المخاوف من احتمالية أن يتعمد ترامب الطعن في نتائج الانتخابات بعد خسارته ليُدخل البلاد في عراك قضائي ونزاعات دستورية، تُهدد بتجمد الحياة السياسية وإصابة نظام الحكم في أمريكا بالشلل، حال رفض الرئيس- مثلاً- التخلي عن السلطة ومُغادرة البيت الأبيض، عند إعلان فوز منافسه بايدن!!
وكانت أحدث المناورات الانتخابية لترامب تصريحه بأنَّ لقاح كورونا قد يكون جاهزاً قبل موعد الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر، وهو ما رفضه الخبراء وأكدوا صعوبة إنتاج لقاح ناجع قبل نهاية العام أو مطلع العام المُقبل 2021.
وتبقى ولاية فلوريدا الورقة الأخيرة في جعبته في سباق مع الزمن؛ إذ تمثل هذه الولاية رمانة ميزان الانتخابات الأمريكية، فهي الولاية الحاسمة التي تضم 29 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي (وفق النظام الانتخابي المعقد في أمريكا). لكن من سوء حظ ترامب أنَّ هذه الولاية بلغ عدد المصابين فيها بوباء كورونا أكثر من 510 آلاف حالة، وما يزيد عن 7746 حالة وفاة، وهي أرقام من المُحتمل أن تدفع الناخبين في هذه الولاية للتصويت العقابي ضد ترامب، لاسيما إذا ما علمنا أنَّ حاكم هذه الولاية يدين بالولاء الشديد لترامب ولم يتخذ هو الآخر أية إجراءات كفيلة بمحاصرة الفيروس، بل رفض بشكل قاطع أي خطط للإغلاق أو إلزام النَّاس بارتداء الكمامات.
أمريكا اليوم أمام مشهد بالغ التعقيد، فالأمر هذه المرة ليس صعود رئيس ديمقراطي إلى سدة الحكم، ولا خسارة رئيس جمهوري للانتخابات، بل القضية تتعلق بقيادة أكبر دولة في العالم، القوة العظمى التي بدأت في الأفول التدريجي، وأوشكت شعلتها على الانطفاء في وقت يموج العالم بتوترات غير مسبوقة وحروب تجارية وبؤر سياسية واقتصادية مشتعلة في البحر المتوسط والشرق الأوسط، وسباق تسلح في الشرق الآسيوي، وانهيارات سياسية وصحية في أمريكا الجنوبية، وفقر مدقع بدول أفريقيا، وتشرذم وخلافات لا تنتهي في أوروبا... فهل يأذن ذلك كله بميلاد عالم جديد وقيادة جديدة من رحم الأزمات؟!
المصدر: الرؤية