القرم «الكريم» وأوكرانيا وسورية في مقابلة الملك

مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/25 الساعة 13:04
كتب.. د. حسام العتوم في مقابلة مهمة وفريدة من نوعها اجرتها الصحفية لالي ويموث من صحيفة الواشنطن بوست الامريكية مع جلالة الملك عبد الله الثاني في واشنطن بتاريخ 6 نيسان / 2017 وبثتها وكالتنا الوطنية الاردنية للإنباء (بترا) ووسائل الاعلام الرقمية وغيرها، وعلّقت عليها وكالة الانباء الروسية(ريا نوفستي) تحت عنوان غير مناسب ، ولا يترجم بدقة معاني المقابلة والتي رمت إلى امتصاص التشنج القائم بن الدولتين العملاقتين الفدرالية الروسية والولايات المتحدة الامريكية حول ملف (اقليم القرم واوكرانيا وسورية)، وللتفرغ بالمطلق لترسيخ قواعد السلام الدائم في متن قضايا ثلاثة متشابكة وتقود للانفراج، وتدفع حسب رأيي الشخصي لوضع يد مجلس الامن والأمم المتحدة على جرح القضية الفلسطينية الغائر في شرقنا العربي والاوسطي، وعلى قضايا العراق، وليبيا، واليمن وايران. وتكليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتاريخ 9 /12 /2013 مجلس الوزراء سابقاً في بلادة بتحويل وكالة الانباء الروسية «نوفستي» إلى وكالة للانباء الدولية بأسم (روسيا سيفودينا –أي روسيا اليوم)، وضمها إلى قائمة المؤسسة الاستراتيجية أعطى مؤشراً على أهمية تغيير مسار الاعلام الروسي تجاه المهنية والاحتراف أكثر من أي وقت سابق.

وهنا اسرد أهم ما ورد من اسئلة للصحفية (ومث) في الواشنطن بوست اعلاه حول دمج جلالة الملك عبد الله الثاني لقضايا القرم وأوكرانيا وسورية واسمح لنفسي بعد اذن القارئ الكريم بمناقشة كل مفردة مختارة على حده، اخذاً بعين الاعتبار الرأي والرأي الأخر والنتيجة.

فرداً على سؤالها لجلالته هل يود أن يرى الولايات المتحدة منخرطة مع روسيا فيما يخص سوريا؟ قال جلالته: سأوضح لك لم هذا الامر مطلوب. ان لروسيا مصالح على عدة مستويات من ضمنها القرم وسوريا وأوكرانيا بالإضافة للاهتمام في ليبيا. فكيفية تعامل الامريكيين والأوروبيين مع روسيا بالنسبة لجميع هذه القضايا بشكل متوازن هو أمر مهم. وتعليقي الاعلامي المتواضع هنا هو بأن شبه جزيرة القرم تاريخياً سميت بأق مسجد أي (الابيض) في عهد التتار الاوائل، وشهدت حرباً ضروساً في القرن التاسع عشر ثم اصبحت جزءاً لا يتجزأ من روسيا السوفيتية، وزادت اهميتها بوجود اسطولها النووي السلاح في ميناء سينفيروبل على شاطئ البحر الاسود، والذي شهد أيضاً عام 1945 اتفاقية سوفيتية امريكية بريطانية وقعها كل من (جوزيف ستالين، وفرانكلين روزفلت، وونستون تشرشل) لتقاسم مخرجات النصر على نازية هتلر، وحسب تعداد سكان اوكرانيا لعام 2001 بلغت نسبة تتار القرم أي الكريم 12,10%، وشكل الروس 58% والاوكران 24%، وتواجد المسلمين هنا بقي هو الأكبر، وأصبح القرم سوفيتياً عام 1884 بموجب معاهدة (كوجك فيناوجه) ورغم تهجير ستالين لنسبة من تتار القرم لوقوفهم إلى جانب هتلر حسب اعتقاده، إلا أن الزعيم خروتشوف ضم القرم إلى أوركرانيا عام 1954، وفقط في عام 2009 تحركت الرمال فيه لمناهضة سياسات أوكرانيا، وتطورت عام 2010 ضد اوكرانيا ذاتها من قبل الاوكران لموافقة برلمانهم على التمديد للأسطول الاسود في مياههم، وشهد عام 2014 حزمة من العواصف السياسية بوجه كييف منها الغاء قانون لغة الاقليات واعتماد اللغة الاوكرانية، وطلب الاسطول من كييف تسليم القرم لروسيا، واستفتاء شعبي وبنسبة وصلت الى 96,77% لضم وعودة القرم الى بيته الروسي، وتصويت لمجلس الدوما الروسي على ذلك، وموافقة من قبل (الكرملين) القصر الجمهوري الرئاسي في موسكو، وانقلاب يوري باراشينكا.

وهنا لا علاقة لأمريكا بقضية القرم إلا فقط فيما يتعلق ببقايا الحرب الباردة العلنية وسباق التسلح الموروثة من نهاية الحرب العالمية الثانية (العظمى) 1945، والتي تحولت في وقتنا المعاصر إلى سرية رغم رفض موسكو لها بالمطلق، وانتقاد امريكي في عهد الرئيس اوباما لعملية الضم بسبب انها لم ترتكز على استفتاء يشمل كل الاوكران، وهو الذي اعتقد من وجهة النظر الاوكرانية الغربية والأمريكية بأنه مخالف لدستور اوكرانيا انذاك.

وفيما يتعلق بأوكرانيا وازمتها السياسية مع روسيا فإنها ترتبط مباشرة بالانقلاب البنديري الذي دفع عام 2014 بالوزير باراشينكا إلى سدة الحكم في (كييف) رئيساً وهو المندفع لتوقيع اتفاقية تعاون مع الاتحاد الاوروبي، وهي الفرصة التي لم تمنح للرئيس السابق الموالي لموسكو يونوكوفيج، والراغب أي باراشينكا لزج بلاده في حلف (الناتو) العسكري الذي تقوده امريكا، وعدم انسجامه مع سياسات موسكو رغم امتلاكه لسوق تجاري داخل روسيا متخصص بالشوكولاته والذي يوصف بأنه ملكها ومليارديرها، والفائز بفارق 13% من اصوات صناديق الاقتراع الرئاسية بتاريخ 25 ايار 2014، ورغم التاريخ المشترك بين بلاده اوكرنيا وروسيا عندما كانت تقود الاتحاد السوفييتي، ورغم المجاعة المشتركة Gololomor التي ساهمت في توحيد صفوفهما في ثلاثينات القرن الماضي إلى جانب مواجهتهما والسوفييت ارهاب هتلر وتوجهاته النازية. وخلافات اوكرانية مع روسيا بشأن اقليم القرم/ الذي أصبح من المسلمات روسّيا، وعزف امريكي على اوتار هذه القضية التي اصبحت محسومة واقعاً وغير قابلة حتى للجدل مع موسكو، ورغبة من طرف كييف بضرورة ضم شرق اوكرانيا الدونباسي بالقوة، واتفاقية لوقف اطلاق النار في الاراضي الاوكرانية عام 2015 وقعّت تحت مظلة فرنسية والمانية وبمشاركة روسية اوكرانية بطبيعة الحال وحملت أسم مينسك، وهي الواجب تنفيذها لاغلاق الطريق امام اية مطامع امريكية في استقلال اوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، ولا مطامع لروسيا في اوكرانيا في المقابل وانما رغبة في علاقات ترتكز على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وفي الشأن السوري سبقت امريكا روسيا في الهبوط بمصالحها في دمشق وسط ربيعة عامي 2010/ 2011 وقادت معها دولاً عربية تحت مسمى الخطة (ب) الهادفة وقتها لتقديم الاطاحة بالأسد ونظامه على ارهاب عصابة (داعش)، لكن الاردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني انفرد بتقديم التخلص من (داعش) قبل الاسد اولا، وهو الامر الذي ورد في خطابات جلالته ودعوات ملكية متكررة لترسيخ السلام في الشقيقة سورية. و(أسرائيل) في المقابل لم تكن يوماً بريئة من اسناد ارهاب عصابات تنظيم القاعدة المجرمة ولازالت على تواصل معها حتى الساعة، ودخلت روسيا حلبة السياسة والعسكرة في سورية من بوابة نظام دمشق ورغبتها المشتركة باقتلاع الارهاب الذي انتشر وسطها قادماً من خلف الحدود، ومن صلب من تم تجنيدة في صفوفهم من روسيا نفسها وبحجم وصل إلى 5000 مقاتل حسب تصريح حديث للسيناتور ماروزوف في مؤتمر الجاليات الروسية الذي انعقد في عمان بتاريخ 6/ 4/ 2017، وتعاون روسي امريكي مشترك حول ملف سوريا الكيماوي العسكري والخروج بقرار لنزعة حمل الرقم 2018 في اوراق مجلس الامن، ونتائج مهمة على الارض لكل من روسيا وأمريكا في مجال مكافحة الارهاب لاحظنا من خلاله تفوقاً لروسيا فيه بحكم دقة عمل سلاحها الفضائي، ودفع لعجلة السلام في سورية قادته موسكو وتعاونت مع واشنطن والأمم المتحدة وأدخلت العرب بصفة مراقب في جنيف والأستانة وجنيف من جديد، وواجهت اشاعات اعلامية مضادة. وحديثاً أيضاً من هذا العام تحركت روسيا تجاه ليبيا بطلب من حكومة الوفاق الوطني وجماعة اعلان طبرق واللواء خليفة حفتر بهدف نشر الاستقرار وإعادة البناء.

وقول جلالة الملك عبد الله الثاني في مقابلة الواشنطن بوست هذه بأن الرئيس بوتين يواجه تحدياً رئيسياً يتمثل في الإرهاب، وبأن داعش بذراعها الدولي بدأت تشكل تهديداً لروسيا، وحادثة مترو سانت بطرسبورغ هي بداية انتقال المقاتلين الاجانب إلى ساحة قتال جديدة، قول صحيح، وشخصياً والقول هنا لي استمعت لمعلومة روسية في عمقهم مفادها بأن (حزب التحرير، ذو الطابع الدولي يعمل على تجنيد خبرائهم للقتال في سورية تحديداً)، وفي المقابل الأمن الروسي يعمل ليل نهار ونتابعه عبر اعلامهم لتطويق الارهاب في بلادهم.

وتحدث جلالة الملك عن أهمية الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا كعنصر مساعد لكي لا تتضارب مصالحهما في سورية، وهو أمر في غاية الاهمية كما اعتقد شخصياً وامن العالم يكمن في مثل هكذا حوار، وزيارة وزير خارجية امريكا تيلرسون الاخيرة لموسكو خير مثال، وعلى خارطة العالم ازمات متدحرجة أيضاً وتحتاج لضبط وتهدئة مثل العراق واليمن، وإيران، وكوريا جنوباً وشمالاً. وتأكيد لجلالة الملك عبد الله الثاني بوجود تفاهم مع روسيا بخصوص احتمال مجيء لاعبين اخرين من تنظيمات وغيرهم، إلى حدودنا لن يتم التهاون معه. وجيشنا العربي الأردني الباسل وجهاز امننا الوطني الجبار لهم بالمرصاد – والكلام هنا لي..

وحول سؤال للواشنطن بوست حول مصير الاسد اجاب جلالة الملك (بأن هذا الموضوع يبحث في جنيف، ويدرك بأن روسيا تريد بقاءه لفترة أطول، ولا اعتقاد لجلالته بأن روسيا متمسكة به، ومن الارجح ان يخرج من المشهد لارتباطه بسفك دماء شعبه، وفي نهاية المطاف، نحتاج نظاماً سورياً مقبولاً من كل الشعب السوري)، وفي قول جلالته هذا مؤشر على تراجع وتدحرج العلاقات الاردنية السورية إلى ادنى مستوياتها. ولا مخرج لإعادتها لمسارها القومي الطبيعي من دون انعقاد صناديق الاقتراع السورية النزيهة والمراقبة دولياً والقدوم برئيس توافقي وطني قادر على إعادة كرسي سورية السياسي إلى قبة العرب وجامعتهم، ولجنة تقصي حقائق في المقابل تكون دولية ونزيهة ستكشف الكثير من الأوراق في سورية خاصة المتعلقة منها بنظام دمشق.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/25 الساعة 13:04