كوريا الشمالية حليف خفي لواشنطن
بحسب نظرية القياس والتطبيق الخاصة بي في التحليل السياسي، فإنني على يقين تام وثقة كاملة أن كوريا الشمالية "الجائعة والديكتاتورية" النووية، هي حليف خفي متين لواشنطن، وهي جرة العسل والكنز لها، وهي أيضا البعبع والفزاعة التني تستخدمها واشنطن بين الفينة والأخرى، ضد حلفاء أمريكا الأغنياء والضعفاء في الإقليم، وهم بطبيعة الحالة كوريا الجنوبية واليابان على وجه الخصوص.
حاولت ألا أغوص في هذا الموضوع لصعوبة استيعابه من قبل البعض الذين لا يرون أبعد من أنوفهم، ومع ذلك ينصبون أنفسهم أنهم هم الذين يمتلكون الحقيقة كاملة، وهم الذين يلونون الموقف بكلماتهم ونقاطهم وفواصلهم، لكن الفكرة اكتملت عندي وبلغت وبات لا بد من إخراجها من قمقمها، وهي تصرخ ألا يقرأني إلا عاقل متمرس في الحرف ولا هوى شخصيا له.
لا أطلق الأفكار على عواهنها بل أستند في رأيي على أسس منطقية، وعندما أقول إن كوريا الشمالية حليف خفي لواشنطن، لا اعني أن هناك عقوداً ومواثيق موقعة بين الطرفين وقد إطلعت عليها، ولكن هناك تقاطعات تحدث بدون إعلان نوايا، ومع ذلك يجب أن ننظر من المستفيد من كل ما يجري؟
يقولون إن كوريا الشمالية جائعة وفقيرة وديكتاتورية، وسؤالي مادام الأمر كذلك، فكيف وصلت بيونغ يانغ إلى هذه الحافة النووية وإمتلكت علانية السلاح النووي؟ وباتت تهدد أمريكا بضربها في العمق، ولم يتم تسريب ذلك من مجالس خاصة أو على لسان مصدر رفض الكشف عن هويته،بل سمعنا ذلك من فم الرئيس الكوري ذاته.
لقد هدد قادة كوريا الشمالية بصريح العبارة بضرب حاملة طائرات امريكية في المحيط الهادي وبتوجيه صواريخهم النووية بإتجاه المدن الأمريكية، وقاموا بإهانة العلم الأمريكي بأن داسوا عليه في عرض عسكري متلفز ومسجل.
ما قامت به بيونغ يانغ هو إعلان حرب صريح على القوة الأمريكية الأعظم في العالم،ومع ذلك نجد الرد الأمريكي عبارة عن ردات فعل غير محسوبة وتحريك حاملات طائرات تهددها بيونغ يانغ، في حين أن هذه الأمريكا قد جيّشت العالم وغزت العراق،بتهمه هي نفسها تعرف أنها غير موجودة وإعترف وزير الخارجية /الدفاع الأمريكي كولن باول بعدم صحة التهم،ولكن بعد خراب البصرة كما يقول المثل.
العجز الأمريكي في هذه الحالة له ما يبرره، فكويا الشمالية ليست هدفا إسرائيليا كما هو الحال بالنسبة للعراق،والمسؤولون الأمريكيون لا يعملون من أجل المصالح الأمريكية،بل ينفذون الأجندة الإسرائيلية،وهنا يكمن السر .
ليست هذه هي الحالة الأولى التي عايشناها، فهناك كوبا التي تعد خاصرة امريكا وكانت عدوها اللدود إبان إزدهار الشيوعية، ورأينا أن جل ما قامت به امريكا تجاه كوبا هو عشرات المحاولات الفاشلة لإغتيال الرفيق فيدل كاسترو، منها ما إستهدف لحيته،علما أن المسافة بينهما تبلغ نفس المسافة ما بين الظهر والخاصرة،بمعنى أن امريكا الشمالية لم تحرك الجيوش لإسقاط حكم الرئيس الشيوعي عدوها اللدود.
بعد هذه المقدمة الطويلة فإن علامات التحالف الخفي بين بيونغ يانغ وواشنطن، هي استغلال الحالة الكورية الشمالية غير المنضبطة بنظرهم،للضغط على كل من كوريا الجنوبية الغنية والمتطورة واليابان الغنية والمتطورة أيضا، وتخويفهم بالبعبع الكوري الشمالي الذين يخافون منه جدا في هذين البلدين الغنيين.
ما يجري حاليا هو تنفيذ لسياسة المستثمر في الخوف الرئيس الأمريكي ترامب الذي قال علانية في حملته الإنتخابية أن على كوريا الجنوبية واليابان أن يرفعا قيمة فاتورة حمايتهما الأمريكية في حال رغبا بإستمرار مظلة الحماية الأمريكية.
ولا شك اننا في الإقليم العربي نعاني من نفس الحالة بحذافيرها وإن إختلفت الأسماء، وأعني بذلك دول الخليج العربية وإيران، إذ شملت رسالة التهديد الترامبية دول الخليج العربية أيضا في حال رغبت البقاء تحت المظلة الأمريكية، واعني بذلك الخوف من إيران التي وقعت معها أمريكا وخمس دول أوروبية إتفاقا نوويا،سمعنا بعد ذلك آراء إسرائيلية وامريكية لإلغائه، والهدف من وراء ذلك بطبيعة الحال إضافة نكهة حادة للموقف،وإجبار دول الخليج العربية على زيادة قيمة الفاتورة لأمريكا لحمايتها من البعبع الإيراني وتصعيد الموقف حتى لا يكون هناك مجال للتفاهم بين الجانبين.
لم تقم امريكا بغزو كوبا، ولن تقوم بغزو كوريا الشمالية، ولن تقوم أيضا بغزو إيران لقناعتها كما قال بوش الصغير المجنون للسفاح شارون "لقد نفذت رغباتكم في تدمير العراق، لكنني لن أغزو إيران فهؤلاء فرس وليسوا عربا"؟!
الغريب في الأمر أن العرس والدبكة والزغاريد والهيصة في كوريا الشمالية، بينما وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس يجمع "النقوط" من دول الخليج العربية ويحذر من الخطر الإيراني.