قتال الشوارع
مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/11 الساعة 01:52
فايز الفايز
توفي نهاية الأسبوع على الطريق الدائري الجديد «ممر عمان»، المرحوم المقدام محمد فالح ابو جنيب الفايز، أحد محاربي وأبطال جيشنا القدامى وأحد مؤسسي القوات الخاصةعام 1969 وأول مظلي في وحدة المظليين للقفز الحر يسجل 300 قفزة وهو الطليعي في أول دورة للصاعقة وشارك بتأسيس الكتيبة الخاصة 101 والخاصة 91 والكتيبة 71 المشهورة، وكم تألمت عندما استعرضت بطولات الرجلّ المشهور عسكريا بـ»محمد فالح» حيث كان جيشنا يلغي الأنساب والأحساب،فالكل للوطن وللجيش، لقد خاض المرحوم ثلاث معارك كبرى لجيش المغاوير الأردنيين على جبهة العدو، وكان قائدا لمجموعة كوماندوزخلف خطوط العدو في معركة الكرامة، ثم بعد هذا التاريخ الحربي يموت بحادث سير مفجع، نتيجة أخطاء الشوارع الكارثية.
لقد إجتر الحادث ذاكرتي لمحارب آخر من أبطال جيشنا المرحوم اللواء غازي عربيات،المشهور بـ»غازي فهد» والذي قضى أيضا بحادث سير على شارع مطار عمان المدني عام 1986،وكان مديرا للأمن العام حينها،وقد خاض المرحوم عربيات الوغى في معارك كثيرة منذ تأسيس الجيش الأردني، وسلمّه الله من رصاصات الغادرين التي أطلقت على الزعيم وصفي التل في القاهرة،ومع ذلك قضى نتيجة استهتار السائقين وعدم صلاحية الشوارع، ومثلهم المئات من الأبرياء ومجاهدي العيش الذين ذهبوا ضحية قتال الشوارع.
الطريق الدائري حصد 35 ضحية وهو أحدث شوارع المملكة إذ يربط طريق المطار باتجاه مدينة الزرقاء عابرا كل القرى والبلدات المنسية شرق عمان، ولكن تم استعجال إفتتاحه دون مراعاة السلامة العامة عليه، وقد ذهبت للوقوف على مساره، فلم أعرف كيف أدخل أو أخرج من تفرعاته،فلا شواخص مرورية ولا إرشادية للسائقين الذين يغريهم ذلك الطريق بالسرعة العالية واستخدام طريق الخدمة باتجاهين.
قام مجلس النواب الحديث برد قانون السير الجديد دون مناقشته بشكل علمي،واتهامه بأنه جباية عن طريق المخالفات، ونحن نتحفظ فعلا على المخالفات المالية المفرطة دون عقوبات رادعة ضد المستهترين والطائشين وجهلاء القيادة و المتخلفين عن أدب وأخلاق القيادة، ولكن ما الحلّ حين باتت شوارعنا مضامير للسباقات والحركات البهلوانية والإستعراض بأفخر السيارات ومستخدموها من الشباب لا يحترمون قانونا ولا يراعون حق وسلامة الآخرين، ومنهم من يقود تحت تأثير المعطّلات العقلية، وهذا يقع في باب القتل المباشر والإيذاء العمد،وليس للقضاء والقدر دخل فيه كما يبررونه.
ما يحدث أمام أعيننا يوميا من حوادث سير مفجعة حصدت آلاف الضحايا من وفيات وجرحى وإصابات معيقة وخسائر بالملايين لا يمكن الصمت عليها والسكوت عنها رسميا وشعبيا، إلا إذا كنا راضين عنها،وهذا ليس صحيحا طبعا، ولكن التراخي والتعود على هذه التراجيديا الروائية عن حوادث السير بات مستفزاً لكل عاقل، فلا يمكن تخيل هذا الكم الهائل من أعداد السيارات التي إمتلأت بها شوارعنا، كما لو أنها أسراب طيور تعرف طريقها في فضاء واسع، بل إن النمل على الأرض يسير بهندسة طرق يعجز الإنسان عن فهمها دون تصادم، ولكن البشر يقتلون بعضهم عمدا عندما لا يلتزمون بأدب القيادة.
إن قطع الإشارة الحمراء يعتبر في بعض الدول المتقدمة شروعا بالقتل،وهذا التوصيف الحقيقي للمخالفات الخطرة، كالقيادة عكس السير أيضا، واستخدام الهاتف أو القيادة تحت تأثير المؤثرات العقلية والسرعة الجنونية، ومع هذا لا أحد يريد أن يحل المشكلة و يوقع العقوبة على أولئك القتلّة، بل إن الإجراء الرسمي بالمخالفات المالية والتهاون القضائي والجاهات الشعبية هو من يعطي الشرعية لأولئك الجناة، فغالبية الشباب تملكوّا سيارات دون تعب، وحصلوا على رخص القيادة دون تدريب كاف،وتراهم كأنهم يقودون طائرات مقاتلة،ولم يعد هناك فرق بين سيارات الفورمولا وباصات الكيا وحافلات الركاب أو ناقلات الطلاب أو القلابات والشاحنات الكبيرة، فالكل في سباق.
من هنا يتوجب التدخل القوي من سلطة قوية لفرض قيود مشددة على منح رخص القيادة، ومراقبة مراكز تدريب السواقين ، ومراقبة خريجيها ممن يتسببون بالحوادث،وإغلاق المكاتب الفاشلة،وإيقاع أقسى العقوبات على السائق المستهتر وحجز المركبة،وليس الإكتفاء بالغرامات المالية والمخالفات للسيارات المتوقفة في الشوارع الخلفية، فالإنسان محكوم برادعين طبيعيين في حياة البشر، إما الخجل واستخدام العقل أو الخوف وتحاشي الذنب، فإذا تعطل الأول كما نرى ، فلا بد من العقوبة التي تؤدب الإنسان وتردعه عن الذنب،وهذا لم يعد للأسف موجوداً في عقلية المشرعين في النواب والحكومة رغم قتال الشوارع اليومي.
Royal430@hotmail.com المصدر: الرأي
توفي نهاية الأسبوع على الطريق الدائري الجديد «ممر عمان»، المرحوم المقدام محمد فالح ابو جنيب الفايز، أحد محاربي وأبطال جيشنا القدامى وأحد مؤسسي القوات الخاصةعام 1969 وأول مظلي في وحدة المظليين للقفز الحر يسجل 300 قفزة وهو الطليعي في أول دورة للصاعقة وشارك بتأسيس الكتيبة الخاصة 101 والخاصة 91 والكتيبة 71 المشهورة، وكم تألمت عندما استعرضت بطولات الرجلّ المشهور عسكريا بـ»محمد فالح» حيث كان جيشنا يلغي الأنساب والأحساب،فالكل للوطن وللجيش، لقد خاض المرحوم ثلاث معارك كبرى لجيش المغاوير الأردنيين على جبهة العدو، وكان قائدا لمجموعة كوماندوزخلف خطوط العدو في معركة الكرامة، ثم بعد هذا التاريخ الحربي يموت بحادث سير مفجع، نتيجة أخطاء الشوارع الكارثية.
لقد إجتر الحادث ذاكرتي لمحارب آخر من أبطال جيشنا المرحوم اللواء غازي عربيات،المشهور بـ»غازي فهد» والذي قضى أيضا بحادث سير على شارع مطار عمان المدني عام 1986،وكان مديرا للأمن العام حينها،وقد خاض المرحوم عربيات الوغى في معارك كثيرة منذ تأسيس الجيش الأردني، وسلمّه الله من رصاصات الغادرين التي أطلقت على الزعيم وصفي التل في القاهرة،ومع ذلك قضى نتيجة استهتار السائقين وعدم صلاحية الشوارع، ومثلهم المئات من الأبرياء ومجاهدي العيش الذين ذهبوا ضحية قتال الشوارع.
الطريق الدائري حصد 35 ضحية وهو أحدث شوارع المملكة إذ يربط طريق المطار باتجاه مدينة الزرقاء عابرا كل القرى والبلدات المنسية شرق عمان، ولكن تم استعجال إفتتاحه دون مراعاة السلامة العامة عليه، وقد ذهبت للوقوف على مساره، فلم أعرف كيف أدخل أو أخرج من تفرعاته،فلا شواخص مرورية ولا إرشادية للسائقين الذين يغريهم ذلك الطريق بالسرعة العالية واستخدام طريق الخدمة باتجاهين.
قام مجلس النواب الحديث برد قانون السير الجديد دون مناقشته بشكل علمي،واتهامه بأنه جباية عن طريق المخالفات، ونحن نتحفظ فعلا على المخالفات المالية المفرطة دون عقوبات رادعة ضد المستهترين والطائشين وجهلاء القيادة و المتخلفين عن أدب وأخلاق القيادة، ولكن ما الحلّ حين باتت شوارعنا مضامير للسباقات والحركات البهلوانية والإستعراض بأفخر السيارات ومستخدموها من الشباب لا يحترمون قانونا ولا يراعون حق وسلامة الآخرين، ومنهم من يقود تحت تأثير المعطّلات العقلية، وهذا يقع في باب القتل المباشر والإيذاء العمد،وليس للقضاء والقدر دخل فيه كما يبررونه.
ما يحدث أمام أعيننا يوميا من حوادث سير مفجعة حصدت آلاف الضحايا من وفيات وجرحى وإصابات معيقة وخسائر بالملايين لا يمكن الصمت عليها والسكوت عنها رسميا وشعبيا، إلا إذا كنا راضين عنها،وهذا ليس صحيحا طبعا، ولكن التراخي والتعود على هذه التراجيديا الروائية عن حوادث السير بات مستفزاً لكل عاقل، فلا يمكن تخيل هذا الكم الهائل من أعداد السيارات التي إمتلأت بها شوارعنا، كما لو أنها أسراب طيور تعرف طريقها في فضاء واسع، بل إن النمل على الأرض يسير بهندسة طرق يعجز الإنسان عن فهمها دون تصادم، ولكن البشر يقتلون بعضهم عمدا عندما لا يلتزمون بأدب القيادة.
إن قطع الإشارة الحمراء يعتبر في بعض الدول المتقدمة شروعا بالقتل،وهذا التوصيف الحقيقي للمخالفات الخطرة، كالقيادة عكس السير أيضا، واستخدام الهاتف أو القيادة تحت تأثير المؤثرات العقلية والسرعة الجنونية، ومع هذا لا أحد يريد أن يحل المشكلة و يوقع العقوبة على أولئك القتلّة، بل إن الإجراء الرسمي بالمخالفات المالية والتهاون القضائي والجاهات الشعبية هو من يعطي الشرعية لأولئك الجناة، فغالبية الشباب تملكوّا سيارات دون تعب، وحصلوا على رخص القيادة دون تدريب كاف،وتراهم كأنهم يقودون طائرات مقاتلة،ولم يعد هناك فرق بين سيارات الفورمولا وباصات الكيا وحافلات الركاب أو ناقلات الطلاب أو القلابات والشاحنات الكبيرة، فالكل في سباق.
من هنا يتوجب التدخل القوي من سلطة قوية لفرض قيود مشددة على منح رخص القيادة، ومراقبة مراكز تدريب السواقين ، ومراقبة خريجيها ممن يتسببون بالحوادث،وإغلاق المكاتب الفاشلة،وإيقاع أقسى العقوبات على السائق المستهتر وحجز المركبة،وليس الإكتفاء بالغرامات المالية والمخالفات للسيارات المتوقفة في الشوارع الخلفية، فالإنسان محكوم برادعين طبيعيين في حياة البشر، إما الخجل واستخدام العقل أو الخوف وتحاشي الذنب، فإذا تعطل الأول كما نرى ، فلا بد من العقوبة التي تؤدب الإنسان وتردعه عن الذنب،وهذا لم يعد للأسف موجوداً في عقلية المشرعين في النواب والحكومة رغم قتال الشوارع اليومي.
Royal430@hotmail.com المصدر: الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/11 الساعة 01:52