مهند مبيضين يكتب: نحن وأمريكا من دلس إلى شولتز 1-2
ما انفكت الولايات المتحدة منذ النصف الأول للقرن العشرين تريد شرقاً أوسطا طوع اليد، لذلك جاءت بكثير من المبادرات السياسية، والأحلاف التي أرادت من خلالها إحلال أنظمة تابعة لها، وشجعت على الحرب والسلام في آن واحد، وكان هذا الحضور يتخذ من الظروف السياسية مدخلا له، مرة جاءت بداعي الخطر السوفياتي ومكافحة الحضور الشيوعي، وأخرى بحجة الاستقرار في المنطقة، بعد أن ساهمت بإغراء الرئيس صدام حسين لمواجهة الخطر الإيراني غير أنها أغوته باحتلال الكويت، وبين الحربين كانت تمنح إسرائيل مبررا لاجتياح بيروت في كذبة بررها أحد أبرز وزراء خارجية الإمبراطورية إلكسندر هيج (1981 ــ 1982)، الذي تواطأ مع أرئيل شارون لغزو لبنان، فإطلاق النار على السفير الإسرائيلي أمام الدور شستر في لندن لم يكن الذريعة الحقيقية لغزو لبنان.
ومرة ثالثة جاءت الولايات المتحدة بدايات التسعينيات من القرن الماضي على قارب السلام العادل المنشود للشرق الأوسط، ولما استنفد السلام أنفاسه بوعود لم تنته إلى نتيجة، حضرت الولايات المتحدة بالدعوة إلى الديمقراطية والإصلاح، وهو حضور تناوب عليه رئيسان: بوش صاحب الفوضى الخلاقة والديمقراطية بالعنف، والنتيجة الشاخصة لتلك السياسة العراق المنقسم، وأوباما الذي أرادها ديمقراطية ناعمة تأتي بالثمار ذاتها وتجني المصالح ذاتها، وكان خطابه في القاهرة يوم زارها بالدعوة للتغيير أولى الرسائل المبشرة بما يجري اليوم، لكنها رسالة سريعة مرت دونما تدبر عربي، وأخيرا جاء ترامب بمقولة «صفقة القرن» وهي اقبح ما انتهت إليه الولايات المتحدة في نهاية مشوار السلام الموعود.
19 وزير خارجية أمريكي ( غير الورزاء الذين شغلوا املنصب بالوكالة) مروا على المنطقة منذ جاء فوستر دالس عام 1952 بمشروع إيزنهاور المشابه لمشروع بوش الابن، وصولا إلى مايك بومبيو في زمن ترامب وفرضية صفقة القرن المشؤومة.
من بين الوزراء الاكثر حضوراً وتأثيراً في مسار السياسة الشرق اوسطية، برز هنري كسينجر(1973- 1977) الذي أكد مرارا أن لا فلسطين خارج إسرائيل، مسابقا بذلك جولدا مائير المرأة التي أعجب بها أكثر من أي سياسي آخر، ثم هناك وارن كريستوفر الذي زار المنطقة 26 مرة، ليلملم بقايا مسارات السلام التي كان ألكسندر هيج أول من حاول دفعها.
ولم تشهد الدبلوماسية الأمريكية أكثر من مادلين أولبرايت العجوز المتخففة من حقدها اليهودي القديم، رغبة في تحقيق إنجاز أمريكي في المنطقة، لكن كوندليزا رايس هي الأكثر حضورا في جولات إحلال الديمقراطية، لكنها لم تترك أثرا وقورا مثل جميس بيكر الذي تحول بعد إنهاء مهمته إلى مبعوث سلام أمريكي في مسألة الصحراء المغربية.
أما دين رسك فقد أقام مطولاً في الخارجية الأمريكية وكان حاضراً في التفاصيل الأكثر حرجاً في تاريخ المنطقة في حقبة ما قبل النكسة وما بعدها (1961 ــ 1969) وهو الأكثر إقامة في مكتب وزارة الخارجية بعد كورديل هيل.
أما ليام روجرز فقد كثف حضوره في المنطقة بين عامي (1969 ــ 1973) وقدم مبادرة روجرز لحل الصراع العربي ــ الإسرائيلي، لكن إنجازه لم يصل إلى ما وصل إليه هنري كيسنجر مهندس «كامب ديفيد» عام 1978. وفي المقالة القادمة سوف نكتب عن حقبة ما بعد جورج شولتز وحل الدولتين.
الدستور