علي القضاة يكتب: شذرات عجلونية (8)

مدار الساعة ـ نشر في 2020/07/25 الساعة 00:18

كتب: الدكتور:علي منعم القضاة *

ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا

تناولنا في شذراتنا السابقة حول ما ترتكبه روسيا من جرائم بحق الإنسانية في مختلف بقاع العالم، وبما يرتكبوا في العالم العربي من انتهاكات ونواصل الحديث عن الموضوع ذاته.

سوريا الحضارات والثقافات والتاريخ العريق

ما زالت شذراتنا تتحدث عن سوريا التي تعاقبت عليها الحضارات، وتنوعت فيها الثقافات، فجعلتها واحة غناء، تتميز بأصالتها، وتمتلك بين جنباتها إرث ثقافي وحضاري كبير، إرث عز نظير. سوريا منارات الأدب والثقافة، ومنطلق الحضارة؛ في أبلا، ومملكة ماري، حيث أكبر المكتبات، وأوغاريت، وتدمر، وشهبا، وأفاميا، وبصرى، ومعلولا، وصيدنايا، وأوربوس، وسرجيلا، والبارة؛ مراكز إشعاع ديني، وثقافي، كانت عبر تاريخ يزيد عن سبعة الآف عام.

عبق من التاريخ تعيث فيه روسيا إيران، فتحولان كثيراً من معالمه أثراً بعد عين، فتاريخ الروس يزكم الأنوف، حيث كانوا؛ وتآمرهم على أراضينا المقدسة، المسيحية منها والإسلامية، ونوجز اليوم، بعضاً مما تفعله روسيا في سوريا التاريخ والثقافة، أفعال يندى لها جبين البشرية.

يقولون بأفواههم وما تخفي صدورهم أعظم

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حذر العالم مما سماه "حكماً سُنياً" في سوريا، وكأنما الإسلام السني، الإصلاح الصحيح هو عدوهم الأول، ولذلك يتحالفون مع الشيطان، ومع إيران في تدمير السنة، وأهل السنة في كل مكان، وخاصة في سوريا التي قال فيها رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الدين حين الفتن في الشام".

ولذلك بارك بطريك الأرثوذكس الروسي، كيريل الأول، أول فوج من قوات بلاده المتوجهة إلى سوريا، لأن حربهم دينية. لكن كثير من المنتسبين للإسلام يجهلون، أن الروس ما وطئوا بأقدامهم أرضاً إلا أحرقوها، لتحقيق أجندة سياسية ضاربة في عمق التاريخ.
سوريا تحت الوصاية الروسية

يعرف الجميع في سوريا أن الكلمة الحاسمة في سوريا منذ التدخل الروسي المباشر، هي للجيش الروسي فقط. وقد اعتبر خبراء سياسيون وإعلاميون أن قرار الرئيس الروسي بوتين بتسمية السفير الروسي الحالي ألكسندر يفيموف، ممثلاً رئاسياً خاصاً للرئيس الروسي في دمشق، نوعاً من الوصاية على سوريا، بل بمثابة إعلان انتداب من قبل روسيا على سوريا؛ ولم يعد ألكسندر يفيموف مضطراً إلى "الرجوع إلى وزير الخارجية سيرغي لافروف، بل أصبح اتصاله مباشراً مع الرئيس بوتين، وبهذا يكون يفيموف هو المندوب السامي الروسي في دمشق، وأنه أصبح يقوم بمهام بوتين في سوريا.

تحولت قاعدة حميميم الجوية الواقعة في ريف اللاذقية، إلى أرض روسية داخل الأراضي السورية، فقد تناولت الأخبار، ووكالات الأنباء العالمية في ديسمبر عام 2107، أن الرئيس الروسي بوتين ووزير دفاعه سيرغي يستقبلان الرئيس السوري في مطار حميميم. كما أصبح مطار القامشلي، أكبر قاعدة عسكرية "للروس" في سوريا.

إنها الوصاية الروسية المطلقة على سوريا، والتي لم تكن فقط على الأراضي السورية عسكرياً، حيث يقوم الضباط والمسؤولون الروس بإعلان الهدنة، ويتولون إبرام المصالحات مع فصائل المعارضة، كما يتحدثون بالنيابة عن حكومة دمشق في المحافل الدولية، بل جعلت روسيا مباحثات أستانة، بديلاً عن مرجعية القرار الدولي (2254) للحل السياسي في سوريا، أجل إنه تدخل عسكري، وهيمنة سياسية.

مكاسب روسية إستراتيجية

من المكاسب الإستراتيجية التي يفاخر بها الرئيس الروسي بوتين، ووزير دفاعه؛ سيرغي شويغو؛ ومن الفرص الثمينة؛ أن بلاده اختبرت "أكثر من 300 نوع من الأسلحة الروسية في سوريا. استخدمت كل أسلحتها المحرمة دولياً، من قنابل عنقودية، وقنابل فراغية، وقنابل ذكية، وصواريخ؛ قذفتها على الشعب السوري في ظروف ميدانية حقيقية، ما كانت توفرها لهم ساحات التدريب الميدانية في أرض روسيا، ولم يكونوا ليجربوها على شعبهم.

إن روسيا بوتين هي المتحكم الرئيس في الساحة السورية، تحرك خيوط اللعبة لمصالحها كيفما تشاء، فقد تمكنت موسكو عام 2015 من توقيع اتفاقية طويلة الأمد مدتها أربعين سنة (40)، تسمح لها بتأسيس "قاعدة حميميم" الجوية على الساحل السوري، اتفاقية تسمح للروس بالسيادة على الأرض السورية وليس القاعدة فقط، بل إن لروسيا خيار تمديد هذه الاتفاقية خمس وعشرين سنة أخرى، روسيا إذاً باقية في سوريا حتى عام 2080.

جرائم روسيا في سوريا

ارتكبت القوات الروسية ما يزيد عن (350) مجزرة وحادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، مثل المدارس، والمساجد، والمنشآت الطبية، والدفاع المدني، ومنازل السكان العزل؛ قتلت فيها عشرات آلاف من المدنيين السوريين العزل، وتسببت في نزوح وتشريد قسري، لما يزيد عن (3.5) مليون نسمة، إلى دول العالم المختلفة. هذه هي حقيقة وجود روسيا البوتينية في سوريا، العربية المسلمة التي لن تكون شيوعية، ولا مجوسية، رغم العبث الشديد بمقدراتها. وهي ما تفتأ أن تستخدم كل حقوقها الدولية في منع إدانة أي توجه دولي، ولو كان توجهاً صورياً ضد الجرائم الإنسانية في سوريا، فقد استخدمت الفيتو (13) مرة ضد مصالح الشعب السوري.

* أستاذ مشارك في الصحافة والنشر الإلكتروني

E-mail:dralialqudah2@gmail.com

 

مدار الساعة ـ نشر في 2020/07/25 الساعة 00:18