عادل حواتمة يكتب: رأي في ألوان دول الوباء الغامقة والزاهية
كتب: عادل حواتمة
عظيمة تلك الإنجازات التي تحققت بفعل عمل جماعي متسق بشقيه الأمني والمدني، كما هي شجاعة وباسلة تلك الانفس التي صنعتها، والتي اثبتت مدى صلاحية الانسان الأردني في الازمات المّعقّدة، كما برهنت على مركزية دور القيادة الهاشمية في التقييم، والاعداد، والاستشراف.
لقد كان ذلك تمريناً تعبوياً على مستويات قيادية مختلفة لصنع القرار واتخاذه وتسويقه، الى جانب الاجراء التنفيذي له في الميدان، والذي زاوج احياناً كثيرة بين الالتزام بالقوانين، والاستجابة الفورية المستجدة، الامر الذي يعكس مستوى متقدماً من القدرة على التقييم، واتخاذ بعض من القرار التكتيكي دون الاستراتيجي.
بالمحصلة إن "الخبرة المتراكمة" كمنتج لهذه الازمة، وجّهت بوصلة الدولة نحو اكتشاف أوجه القصور، وتعزيز ضعف التنسيق، وأعادت تذكيرها بأهمية الاعتماد على الذات ولو نسبياً على الاقل، وما يستتبعه من خلق واقع جديد قد يقاومه البعض؛ عند اتخاذ قرارات حاسمة.
إلى جانب ذلك، نجدُ ان النموذج الأردني لفت الأنظار الدولية اليه؛ في سياق الحجم والقدرات، مقابل إنسانية القرارات والمنجزات. ولكن على الرغم من ذلك، فهذا لا يعني انه لم تكن هناك هفوات، أو قرارات خاطئة تم اتخاذها وأثرت بشكل مباشر على إعادة تشكيل علاقة المواطن بالدولة ولو جزئياً. هذا قد يحدث، ولكن هنا لا بد من "باروميتر" وطني؛ يضبط العلاقة بين المسؤول والمواطن؛ ويؤكد أن نجاحها مرهون بإدراك المسؤوليات، وتكامل الأدوار، وتفهم ظروف كل من البيئتين المحيطتين بهما.
الغرض من هذا المقال فقط لفت نظر الحكومة لأهمية إدخال بعض التعديلات المُسبقة على خطتها المُعلنة، حول حركة الطيران وإعادة فتح المطارات؛ لان المتغيرات التابعة او التغذية الراجعة تعتمد اساساً على المتغيرات المستقلة والمعايير. لقد اعتمدت الخطة على محورين، يستند الأول على "تحديد الدول" الي يمكن السفر منها واليها، فيما الثاني يرتبط ب “الإجراءات والمتطلبات الصحية، والوقائية، والتنظيمية التي تحكم المسافر". يتسلل للخطة بعض الخلط والمغالطات غير المقصود، ومرد ذلك ربما للعجلة للاستجابة لدعوة جلالة الملك لتسهيل عودة المغتربين ومن تقطعت بهم السُبل.
اولاً: - من حيث استخدام دلالة الألوان باعتبارها انعكاس للوضع الوبائي في البلدان، لم يكن استخدامها دقيقاً؛ لم تستخدم منظمة الصحة العالمية "اللون الأحمر" إلى جانب ألوان أخرى على الاطلاق في المقارنات، حيث كان اللون المُهيمن هو "الأصفر" وكان من نصيب الولايات المتحدة الامريكية، في حين استخدمت اللون الأحمر فقط لجميع الدول، لتبين وضعها الوبائي؛ فصغر حجم الدائرة الحمراء أو كبرها يعكس سوء ذلك الوضع الوبائي او استقراره.
تصنيف الدول في هذه المرحلة يعتبر بحد ذاته موضع تساؤل! سأتناول ذلك لاحقاً، ولكن لنفترض جدلاً انه لا مناص من ذلك، كان بالإمكان استخدام دلالات ورموز أخرى من قبيل الاحرف مثلاً (دول أ، دول ب، دول ج) او غيرها. اعتقد أن فكرة "تلوين" الدول بهذا الشكل غير صائبة؛ لان استخدامنا لألوان معينة لم يكن من باب التمييز او البحث العلمي، بل كان من باب ربط تصورنا الذهني لخطورة الوضع الوبائي بدولة ما بدلالة لون دون آخر، وهذا قد يثير حفيظة بعض تلك الدول وبالتالي يدفعها هذا للتعامل بالمثل وأكثر، وفي ظل سيطرة الفكرة التي تقول بأننا ننتظر "الدول الحمراء" ان تنتج لقاحاً لنشتريه، وبالتالي فإن مطالبتنا حينها بالأولوية قد تكون لها ما ينسفها.
ثانياً: - معيار تصنيف الدول وأثره على مخرجات الخطة الحكومية يفتقد للحُجة المناسبة؛ لأنك وبصرف النظر عن عدد فئات الدول، فانت تتعامل مع شخص إما مصاب بالفايروس وإما لا. بمعنى لك ان تفترض أن القادمين من "الدول الخضراء" جميعهم أو جُلهّم قد تثبت اصابتهم بالفايروس، في حين أن لا احداً او بعضاً قد تثبت اصابتهم بالفايروس من القادمين من "الدول الحمراء" ، وهذا طبقاً لنظرية الاحتمالات والمنطق وارد جداً. لماذا يلازم تفكيرنا - ونحن نتخذ القرار- ان الأردنيين في دول ما، قد يشكلون خطراً على الوضع الوبائي في الأردن فقط لأنهم متواجدون في دولة عدد الإصابات فيها مرتفع؟ اذاً، الفكرة هنا ذات مغزى "كمي" وليس "نوعي"، بمعنى أن الشخص المُصاب من "الدول الحمراء" يحمل الاعراض ذاتها لمصاب من "الدول الخضراء"، ولكن احتمالية ارتفاع اعداد اصابات القادمين من الدول الحمراء قد تكون اعلى، وهذا افتراض من المحتمل ان يصيب قدراً من الصحة ومن المحتمل لا، ولكن ربطه بانحسار الوباء عالمياً وقرب التوصل من انتاج لقاح يقلل من حظوظ تلك الاحتمالية.
الفكرة الثانية هنا، هي تبدل دوافع السفر؛ أي الابتعاد عن فكرة "الدافع الإنساني" لنستبدل به الدافع الترفيهي او الاقتصادي، وهنا لا انوي وضع قيود على حرية الافراد وحركتهم، ولكن التوسع في السفر عمودياً لدول محددة، من الممكن ان يدحض فكرة الأولويات، وبدلاً من ذلك اعتقد ان التوسع في السفر ينبغي ان يكون افقياً؛ أي بين الدول جميعها مدفوعاً بأولوية “العامل الإنساني"؛ لأننا هنا تجاهلنا حاجة المُسّن، والطالب، وأصحاب الأسباب القاهرة من الأردنيين في الدول الحمراء، واعطينا الأولوية في التوسع لدوافع أخرى في الدول الخضراء.
نعم، فكرة تصنيف الدول على أساس وضعها الوبائي غير مناسبة وغير صالحة، لك ان تفترض مثلاً ان دولة "حمراء" لم تسجل ولا اصابة لمدة أسبوع، وفي الأسبوع ذاته سجلت دولة خضراء اعداداً كبيرة من الإصابات، وهذا وارد، كيف لنا ان نتصرف في هذه الحالة؟ وايهما أوجه منطقياً "زئبقية" الحالات النشطة والمتجددة ام اعداد الوفيات منذ شهرين وثلاثة واربعة؟ وهل من العدل والانصاف الحُكم على المغتربين ورهنهم بالوضع الوبائي في البلد الذي يتواجدون فيه؟ لنفترض ان الإجراءات الوقائية المُتبعة في البلدان الحمراء غير مُفعّلة وتتسم شعوبها بعدم الالتزام بذلك، ما ذنب المُقيم الأردني هناك المُلتزم وغير المصاب وهناك حاجة قاهرة لعودته للأردن؟
ثالثا: - استخدام "منها واليها" في ذات السياق غير مدروس؛ إذا كانت الغاية الأساسية من الخطة هي تسهيل عودة الأردنيين، فلا بد من الفصل بين "منها" و"اليها" والتركيز على دول "منها"؛ لان هذا من شأنه ان يخفض حجم التخوف من ازدياد الاعداد والعواقب؛ قد يقول قائلاً بان الطائرة المغادرة لإحضار الاردنيين تأخذ على متنها مغادرين ايضاً، هذا ممكن من الناحية العملية، ولكن نظرياً اذا تم تحديد "الأولوية" او التركيز على دول "منها" وقِصر مُدة إقامة المغادرين ومن ثمة عودتهم مرة أخرى، فان هذا سيكون متعذراً في ظل الهاجس الحكومي، وما اقترحه من فكرة "التجميع" في دولة المركز من دول الأطراف في محاولة لتقديم بعض المقترحات.
رابعاً: - معايير تصنيف الدول بناءً على عوامل مثل عدد الوفيات، مجموع الحالات الكلي... وغيرها، لا يتسق مع نسبة عدد الوفيات الى عدد السكان ولا يعطينا دليلاً قوياً عن مستوى الوضع الوبائي للدول، لنفترض أن دولة (ا) عدد سكانها ٨٠ مليون وعدد الوفيات فيها ٧٠ الف والاصابات ٢٠٠ الف ودولة (ب) عدد سكانها ١٠ مليون وعدد الوفيات فيها ٢٠ الاف والاصابات ٤٠ الف، فبغض النظر عن الاعداد الا ان الوضع الوبائي في الدولة (ا) ذات ال ٧٠ الف وفاة افضل حالاً من الدولة (ب) ذات ال ٢٠ الف وفاة. ومن جهة أخرى لا نستطيع "الحجر" على الدول ومحاكمتها على الماضي، والدليل على ذلك إيطاليا؛ هناك دول عديدة خسرت اعداداً كبيرة في مراحل مبكرة، ولكنها عادت وسيطرت على انتشار الفايروس، وبالتالي خفضّت اعداد الوفيات والاصابات.
الخطة بحد ذاتها جيدة من حيث التوجه، وتعكس الحرص على ترجمة "غلاة" الانسان الأردني، وهذا ليس تهكماً، والدول الراشدة في أوقات الازمات المشابهة، تفكر بمواطنيها في الخارج ضعفي تفكيرها بمواطني الداخل؛ لاعتبارات تباين تعامل الدول مع مواطنيها والمقيمين على أراضيها؛ من حيث الرعاية والاحقية، سيما بوضع غير مسبوق كما شهدنا. وهنا اقترح اولاً، إعادة النظر بالمحور الأول من حيث استبدال عبارة ("تحديد الأسباب" التي يبنى عليها إعطاء الأولوية بالسفر) بالعبارة الواردة بالخطة ("تحديد الدول" التي يمكن السفر منها واليها)، وهذا التغيير من شأنه إعادة توجيه وتحديد الأولويات، وربطها بالحالات الأكثر حاجة لها، واعتماد محددات لها من شأن (مدة الإقامة، وسبب العودة، العمر، ...وغيرها).
ثانياً، من الممكن عملياً اعتماد تسجيل الإصابات اليومية مطروحاً منه حالات الشفاء كمعيار تصنيفي "إذا تم الإصرار على التصنيف"، ولا بد من تحديد فترة زمنية تتم من خلالها عملية تقييم الوضع الوبائي في الدول المُصنّفة؛ فنقل الدولة من فئة "لون" الى فئة "لون" لا بد من ان يستند لمعيار واضح من اجل الشفافية وتفادي ارباك المغتربين وحركة الطيران لان هذا يأخذ وقتاً. ولا اعتقد أن الحكومة تتقصد التأخير حتى تنقضي العطلة الصيفية.
ثالثاً: - إذا ما تم اعتماد محور "تحديد الأسباب" افقياً بدلاً من “تحديد الدول" عمودياً، فان آلية "التجميع" تثبت فاعليتها من حيث تقليص عدد وجهات الناقل الجوي الأردني "الملكية الأردنية" من أربع دول لواحدة؛ مثلاً المغتربين الأردنيين في أربع دول متجاورة يتم التنسيق معهم على ضرورة التواجد في دولة مركزية واحدة ومنها يتم النقل للأردن.
يرتبط العامل الحاسم في الحفاظ على مستوى الوضع الوبائي في الاردن مستقراً او تحت السيطرة بضمان تطبيق المحور الثاني بفاعلية على القادمين والذي يتناول "الإجراءات والمتطلبات الصحية، والوقائية، والتنظيمية التي تحكم المسافر ابتداءً من التحضير للسفر وحتى الوصول للأردن". بفخر نقولها لقد راكم الأردن خبرات واسعة في هذا المجال، وهو قادر على ان يدير هذا الملف بكفاءة واقتدار.
* المملكة المتحدة
aaah507@york.ac.uk