عماد عودات يكتب: سياسة البرغي

عماد قاسم عودات - كندا قرأنا في كتب تاريخ الاكتشافات بأن الدولاب المسنن يعتبر من أهم الاختراعات في تاريخ البشرية. وقد يكون ذلك مرده الى أن الدولاب المسنن يدخل في تصميم أغلب الصناعات المعروفة ما صغر منها أو كبر. ولو تأملنا المثل الذي يقول (في العجلة الندامة وفي التأني السلامة) لوجدنا بأن العجلة في كلتا الحالتين هي مرادفة لكلمة تحمل معنيين يقودان بالنتيجة لمغزى واحد مشترك وهو السرعة. فالعجلة بالحالة الأولى قد تدور بسرعة وقد تدور ببطئ. ولو امتثلنا للمثل المذكور سابقا فإن حياتنا يمكن أن تستقيم تماما. إن إدارة تسارع الأمور ومعرفة متى يمكن أن نبطئها ومتى نسرعها هو -برأيي- من أهم المهارات التي قد تميز المحترف عن الهاوي. ومن أهم أدوات ضبط الأمور في الكثير من الأشياء حولنا هو البرغي . يتوفر للبرغي أحجام متعددة وله حوالي ألف نوع. ولو تأملنا مبدأ عمل البرغي لوجدناه بسيطا جدا . فهو يحوي التواءات أو (اسنان لولبية) تعمل على تثبيت الشئ المراد تثبيته عن طريق الدوران لعدة دورات. وللتثبيت فإن البرغي يجب أن يدور باتجاه عقارب الساعة وللفك يجب أن يدور عكسها. ولا يعمل البرغي على تثبيت الاشياء الا عن طريق الدوران بالاتجاه الصحيح. فمستحيل أن "تكرب" شئيا الا عن طريف الدوران بالاتجاه الصحيح. ولا يجوز أن "يدق" البرغي فالدوران هو أساس عمل البرغي ومستحيل أن يعمل باي طريقه أخرى. هذا البرغي الصغير الحجم له استعمالات لا تعد ولا تحصى. وأزعم أن أي شيء حولنا لا بد وأن يكون البرغي داخلا فيه. ابتداءا من جهاز "الموبايل" أو "الكمبيوتر" الذي تقرأ عن طريقه هذا المقال، الى الطاولة والكرسي والسرير الى الساعة التي تلبسها في يدك والتلفاز والسيارة والطيارة الخ. هذا البرغي يدخل في كل نواحي حياتنا ووجوده شئ أساسي لتثبيت الاشياء ويستحيل الاستغناء عنه. ومسنناته أو التوائته هي سر قوته. والعجيب أنه يجب لف البرغي بطريقة بحيث تكفي فقط لتثبيت الشئ المراد تثبيته ويجب أن لا يشد الى الاخر لكي لا "يعصلج" و "يبطل" ينفك معك. والله يذكر بالخير صديقي الميكانيكي الذي أمضى أكثر من ساعة في فك أحد براغي سيارتي لان أحدهم لفه بالطريقة الخاطئة.

في هذا البرغي العجيب الكثير من الدروس التي يمكن أن تفيدنا في حياتنا نحن بني البشر. فمثلا يمكن أن يفيدنا مبدأ عمل هذا البرغي في زيادة اللُّحْمَة في علاقاتنا مع أنفسنا ومع بعضنا البعض. فكل شخص يحتاج الى "شنتة" براغي وفي متناول يديه دائما. فعندما تتعامل مع أي أحد يجب عليك أن تعرف متى تشد البرغي ومتى ترخيه. فمبدأ عمل البرغي يساعدك في التعامل مع مديرك بالعمل واصدقائك و اطفالك وأهلك وحماتك و جيرانك وزملائك بالعمل غيرهم. فمثلا عندما تتعامل مع اطفالك، يجب عليك أن ترخي براغي أعصابك وتكون حليما وحكيما وتعرف متى تشد معهم ومتى ترخي وكيف تشد بالاتجاهات الصحيحة. لان اللف بالاتجاهات المعاكسة قد تنتج عنه آثارا جانبية أنت في غنى عنها. وتعاملك مع حكومتك يجب أن يكون يمتازا بالحكمة والرصانة ويجب عليك ارخاء براغيك للاخر حتى لا تجد نفسك في قائمة المفلسين بسبب الغرامات والضرائب التي لا تعد ولا تحصى. أما عندما تتعامل مع زوجتك فيجب عليك أن "تكرب" كل براغي اعصابك لكي لا تجن و يجب أن تكون كل مسنناتك سليمه ولازم تكون جاهز لتحمل كل التوائات ومسننات هذا الكائن العجيب اللي بلف وبدور؛ أقصد البرغي. ملاحظة) وانت ذاهب الى محل أدوات البناء لشراء البراغي ومفكاتها لا تنسى أن تلبس "خرقة بالية" من دولابك القديم لتجنب مخالفات الحكومة الرشيدة؛ فأنت تحتاج النقود لشراء أدوية ومهدئات لتجنب آثار الضغوط ولتحمل أساليب اللف والدوران من كل البشر حولك. (للحديث بقية)