صبري ربيحات يكتب: حتى ينصاع الجميع
مدار الساعة ـ نشر في 2020/07/17 الساعة 09:13
العلاقة بين الناس والقانون في بلادنا تبدو ملتبسة، الكثير منا يطالبون الدولة بإنفاذ القوانين وملاحقة كل من يخرج عليها. المشكلة التي تحدث عندما تحاول الدولة تنفيذ القوانين تتمثل في الاعتراض والتظلم الشعبي الذي يظهر على أسس عشائرية وجهوية ومهنية والاستقطاب والتعاطف الذي يحصل عليه المتهم. في حالات كثيرة يشعر المراقب وكأن الدولة خصم ينبغي على الناس التعاون لدحره ودفع الظلم الذي قد توقعه على الافراد.
التعاطف الكبير مع كل من يدخل في خصومة مع النظام العام ومؤسسات الدولة مشهد يتكرر دائما ويعبر عنه في صور واشكال مختلفة. خلال الاعوام القليلة الماضية جرى اتهام ومحاكمة بعض المسؤولين السابقين ورجال الاعمال في قضايا فساد مالي واداري واستثمار للوظيفة. في معظم الحالات التي اعلن عنها تحولت العشائر والاقارب والاصدقاء الى حاضنات اجتماعية ومنصات للدفاع عن المتهمين والترويج لبراءتهم . في كثير من الحالات نظم الأتباع والمريدون للمتهمين حملات مضادة للتشكيك بالاتهام ودوافعه وإلصاق تهم الثأر والتآمر والتخريب بأشخاص ومؤسسات وجهات اعتبروها مسؤولة عن التهم الموجهة لمن تصدوا للدفاع عنه. البعض ذهب ابعد من ذلك لاعتبار المتهم بطلا شعبيا تجري ملاحقته واتهامه للاعمال الخارقة والخدمات المميزة التي قدمها للوطن والمواطن.
في اطلالة لمدير ضريبة الدخل على شاشة محلية مساء الاربعاء تحدث عن وجود خطة وبرنامج لملاحقة التهرب الضريبي في الاردن. اللجان والفرق التفتيشية تعاملت مع اكثر من 600 حالة تهرب ضريبي خلال النصف الاول من هذا العام بموجب منهجية واستراتيجية جديدة حسب حديث المسؤول الضريبي. حتى اليوم لم تصدر وزارة المالية ولا ضريبة الدخل ارقاما وبيانات عن الاموال التي جرى تحصيلها ونجاعة الاسلوب الجديد الذي تتبعه الدوائر الرقابية في الملاحقة والتسوية والتدقيق.
الواضح تماما ان الجهات التي تنفذ هذه الخطة لا تحبذ اطلاع الاعلام عليها فالإجراءات تنفذ بتكتم شديد، الامر الذي يفتح المجال للتخمينات واختلاق القصص. البعض يتساءل عن الاسباب التي دفعت الى تسريب اسماء بعض الاشخاص والشركات والتستر على الاسماء الاخرى. ما لم يخضع الجميع لمعاملة متساوية ضمن شروط ومعايير واضحة وعادلة فإن الخطط والبرامج ستستمر في مواجهة عقبات وعوائق وتتعرض صورتها وصورة القائمين عليها الى تشويه مقصود ومبرمج قد يقلل من فعاليتها وكفاءة تنفيذها.
في الاردن اليوم لا يوجد من يمانع في تطبيق القانون وتحصيل الاموال المستحقة على المخالفين وقطع ظهر الفساد. في مختلف الاوساط يسود اعتقاد بان هذه السياسات ضرورية لبناء أردن قوي مستقل يعتمد على ذاته ويعيش اهله في بيئة يسودها العدل وتلتزم بالمساواة والوفاء بالحقوق.
المشكلة فيما يجري ان الناس تفاجؤوا بالحملة فقد سمعوا سابقا عن عشرات الحالات التي تعدى فيها البعض على المال العام وفروا من وجه العدالة او مثلوا امام المحاكم وأفرج عنهم دون معرفة ما آلت اليه قضاياهم، بعض الذين حوكموا وسجنوا عادوا ليصبحوا اعضاء في مجلس الاعيان وآخرون اتهموا منذ اشهر دون ان يمثلوا امام المحاكم. الحملة التي تقوم بها الدولة ضرورية وينبغي ان تستمر لكنها تحتاج الى برنامج توعوي يوضح القواعد والاسس للملاحقة ويجيب على اسئلة الناس حول بعض الاشخاص ممن يؤشر عليهم ولا تشملهم المداهمات ويضع المواطن في صورة الاجراءات ويبرهن للجميع ان الدولة جادة في اجراء اصلاحات لا تتوقف عند جباية الاموال من المتهربين بل في بيان حجم هذه الاموال والمسارات التي تذهب إليها وأثر ذلك على الخزينة والعجز والمديونية. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2020/07/17 الساعة 09:13