عامر جلول يكتب: جائحة الكورونا.. من النكسة إلى النهضة العربية
مدار الساعة ـ نشر في 2020/07/14 الساعة 02:23
كتب: عامر جلول
مر العالم الإنساني في التاريخ الحديث وفي العصور القديمة في عدة أزمات صحية حيث أدت إلى هلاك الملايين من البشر وتغيير وجه العالم حضارياً و ديمغرافيا ومن الطبيعي اقتصادياً, فلقد كانت نوع الكوارث نوع من أنواع الصدمة التي أحدثتها على المستوى الإنساني, ففي 1918 أدى إنفلونزا الإسباني الأميركي المنشأ إلى مقتل حوالي 50 مليون إنسان على وجه الأرض وهناك أمثلة غيرها مثل الطاعون الاسود وطاعون جستنيان, واليوم تطور فيروس كورونا حيث إستطاع بسبب العولمة الإقتصادية والتجارية أن يصل إلى كل ارجاء الأرض وأن يحدث زلزالاً كارثيا ً حيث يهدد اليوم بعض الأنظمة الدولية مثل الإتحاد الأوروبي والفلسفة الغربية النيوليبرالية, فإن الإتحاد الأوروبي بسبب الجائحة أصبح مهدداً وقابلاً للتفكك وذلك بسبب عدم قدرته على مواجهة الجائحة التي أظهرت هشاشة النظام الصحي في كل من كبار الدول الأساسية والأقوى في أوروبا مثل إيطاليا وإسبانيا حيث الأعداد الكبيرة من الوفيات والاصابات.
أما في أميركياً صاحبة الفضل في الفلسفة الغربية والراسمالية المتوحشة, أظهرت الجائحة مدى ضعف النيوليبرالية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأميركية في عهد رونالد ريغان واليوم كانت الضربة القاضية حيث وقفت متفرجة أمام عدد الإصابات المهولة غير قادرة على مواجهتها كما أنها ساهمت في ضرب الإقتصاد الاميركي بشكل غير مسبوق وهناك تخوف كبير من تحول الركود العالمي الحاصل اليوم الى كساد عالمي يشبه الذي حصل في 1929 وقد يكون أكثر قوة وتأثيراً, ناهيك عن قضية النفط الصخري الذي هبط من سعره بسبب الحرب النفطية بين روسيا والسعودية بعد زوال اتفاقية أوبك بلس.
أما على المقلب الاخر من العالم حيث مسقط رأس الجائحة, إستطاعت الصين أن تسيطر على إنتشار الفيروس وهذا مؤشر خطير حيث أن من إحدى دلالات تفوق الدول هي التفوق التنظيمي والتطور الصحي, واليوم الصين أصبحت الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية في سلم التفوق العالمي وتسابق الولايات المتحدة الاميركية في الغاء الأحادية القطبية وتحويلها أما إلى ثنائية قطبية أو ممكن إلى أحادية صينية أشك في ذلك لعدة اعتبارات منها تفوق الأميركي على الصين في المجمل الناتج المحلي وغيرها من أمور تثبت أن أميركا لازالت الأقوى ولكن وبالفعل نستطيع أن نقول أننا دخلنا فعلياً في حرب باردة بين الطرفين ولكن لا تشبه الحرب الباردة بين القطبيين السابقين السوفياتي الشيوعي والغربي الرأسمالي الأميركي,كما أن الحرب الباردة اليوم هي إقتصادية إلكترونية تجارية لن تتحول في المنظور القريب إلى حرب وكالات كما حصل في السابق مثل مصر وإسرائيل و حرب الكوريتين. ولكن أيضاً لقد توقف مصنع العالم وهي الصين عن العمل وتوقفت المصانع بسبب توقف الطيران وعمليات الاستيراد والتصدير مما أثر على عملية العرض والطلب.
أما بالنسبة للشرق الأوسط, فإن للجائحة تأثيراً كبيراً على الإقتصاد حيث أن العاصفة لم تقف عند حدود الشرق والغرب وبما أن العالم أصبح قرية صغير متصلة, فلقد تأثر شرق الأوسط بشكل كبير, على الصعيد الصحي فإن أعداد المصابين في تزايد في كل من قطر والسعودية والإمارات ما أدى إلى سياسة التعبئة العامة والحظر في الكثير من الأحيان, وطبعاً هذ الإجراءات كانت لها نتائجها الإقتصادية, فإن السعودية على سبيل المثال أنفقت من مخزونها والاحتياطي قرابة ال51 مليار دولار وطبعاً هذا الرقم في تزايد لمساعدة القطاع الخاص والقطاع المصرفي, وكما هبوط سعر النفط عالميا بعد توقف مصنع العالم عن العمل أي الصين وغيرها من الدول بسبب عدم طلب النفط بالإضافة إلى الصراع المحتدم بين روسيا والسعودية الذي أدى إلى زيادة الإنتاج وهبوط السعر الى 24 دولاراً تقريباً, شكلت هذه العوامل خسائر ضخمة للدول النفطية الشرق أوسطية, ناهيك عن الاضطرابات والحروب في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن, ولكن هذه الأزمة والصدمة قادرة على تنتج ثورة فكرية تساهم في تغيير وجه المنطقة إذا إستطاع حكام المنطقة من الاستفادة منها, ولكن كيف ذلك؟ اليوم هناك مشروع واضح قائم على تقزيم الدولار ومحاربة هيمنته من قبل الصين وروسيا والبرازيل وغيرها, فهذه فرصة لدول الخليج للعمل والخروج من اتفاقية البترودولار, أما على المقلب الآخر فإن النهضة الأوروبية لم تقم إلا بعد الصدمة الحضارية التي حصلت في الشرق الأوروبي والغربي, اليوم الجائحة أحدثت صدمة إنسانية أثبتت هشاشة الدول الصناعية والرأسمالية الغربية, بمعنى أننا لسنا ببعيدين عنهم كثيراً للحاق بهم في الركب الحضاري المادي والصناعي, ما نحتاجه هو الإرادة وتوحيد الجهود وترك الأنا والخروج من الإعتماد على النفط كاقتصاد ريعي والتحول إلى إقتصاد صناعي وزراعي وتحويل الخليج مع باقي الدول العربية الى الولايات المتحدة العربية, نعم هو حلم ولكنه تحقق في السابق,هذا يعني أنها وليست نظرية غير قابلة للتطبيق كونها تحققت سابقاً فهي تستطيع أن تتحق اليوم طبعاً بصعوبة شديدة, إن لم تكن دولة واحدة فلتكن إتحاداً عربياً على نسق الإتحاد الأوروبي من باب التسهيل والتنقل وإنشاء قطارات ومعابر مفتوحة وتوحيد العملة كاليورو, هكذا نكون قد أنشأنا كيان كونفيدرالي يبقي كل كيان على ما هو عليه ولكن بقوائم مشتركة, فإن بلادنا يتواجد فيها كل أنواع الموارد البشرية من أدمغة وايدٍ عاملة و موارد طبيعية مثل النفط والغاز والمعادن, فإن السودان هو السلة الغذائية للدول العربية إذا لم يكن للعالم كله,والعراق بلاد النفط والمياه, والسعودية وغيرها من دول مليئة بالثروات الضخمة,هذه الوفرة تحقق الأمن الغذائي والإقتصادي والأمن الذاتي حيث تزدهر الصناعات الثقيلة ولن نعود بحاجة إلى الدول الغربية, هكذا نستطيع في بضع سنين أن ننافس الدول الغربية وبكل بساطة من خلال اندماج المادة والروح الموجودة في بلادنا أصلاً وهي متفوقة على الغرب في هذا المجال طبعاً مع بعض التحديث والإصلاح المطلوب.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/07/14 الساعة 02:23