فهد الخيطان يكتب: آيا صوفيا.. الكراهية تنتصر

مدار الساعة ـ نشر في 2020/07/13 الساعة 23:26

أستغرب من شعور الكثيرين بيننا بالصدمة من مستوى النقاش الذي دار عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول القرار التركي تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد.

القرار دون شك من الصنف الذي يجعل الماضي بكل صراعاته وانقساماته حاضرا بيننا اليوم، ويحيي مشاعر دينية فاتنة وعميقة في النفوس، ارتبطت بزمن حروب الإمبراطوريات.

المتحف، المسجد والكنيسة من قبل، ولكل من زاره يشي بكل زاوية فيه بذاك الصراع عبر التاريخ، ويختصر في جنباته، دولا سادت وبادت وأزمنة شديدة الوطأة على البشرية، ولهذا السبب ربما صار متحفا يؤرخ لتلك المراحل من تاريخ المنطقة والعالم.

ولأن النقاش المشتعل حاليا، يستند لقيم الماضي لا الحاضر، فإن احدا من المنخرطين في حرب “فيسبوك” لم يسأل نفسه، هل كان مقبولا تحويل الكنيسة إلى متحف طيلة العقود الطويلة الماضية؟ وسؤال في المقابل، هل تحويل المتحف إلى مسجد، يعني انتفاء ماضي الموقع بكل مكانته التاريخية والعالمية كإرث حضاري؟

لكن عودة إلى النقاش، فقد اكتسى اهمية وخطورة تفوق القرار ذاته. إنها الـ”سوشل ميديا” ببساطة. أعطوني قضية واحدة استضافت وسائل التواصل الاجتماعي النقاش حولها ولم تتحول إلى عنوان للانقسام والكراهية والمجابهة.

العالم الافتراضي هذا مفتوح وبدون قواعد تنظم الحوار وتؤطره كما الحال في أدوات الديمقراطية والمشاركة التي نشأت وتطورت مع تأسيس هذا النظام.

كانت الأحزاب السياسية والأطر المدنية التقليدية ووسائل الإعلام من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون، هي ميادين الجدل، وساحات الحوار.

ودائما كانت هناك قوى اجتماعية رائدة تدير الحوارات الوطنية بمعايير أخلاقية متفق عليها، تمنح الجمهور فرصة التعرف على مختلف الآراء، والانحياز وفق القناعات، ثم تأتي صناديق الاقتراع لتحسم القرار النهائي.

شبكة الانترنت حطمت تماما هذه المؤسسات، ولم تترك للنخب فرصة التحكم بمسار النقاش العام، وإدارته. هذا تغيير ثوري بكل المعايير، لكنه ما يزال يفتقر للتنظيم الذي يصنع منه قوة خير، والنتيجة أن الجماهير عندما أخذت على عاتقها مهمة الحوار منفردة، وقعت في شرك الشعبوية، والغرائزية، والعاطفة، وتحولت مع مرور الوقت إلى قطعان إلكترونية، تلهث خلف الموجة العامة التي يشكلها بعض المؤثرين، تتحكم بهم مصالح وأهداف غامضة.

والملفت حقا أن التلاعب بمزاج الرأي العام وخياراته، صار أكثر سهولة عبر التواصل الاجتماعي مما كان عليه أيام الديمقراطية القائمة على التواصل المباشر.

بمعنى آخر تزوير الانتخابات على سبيل المثال بات أكثر سهولة في زمن الـ”سوشل ميديا” عبر ضخ الرسائل المضللة في ما بات يعرف اليوم بعالم ما بعد الحقيقة، وهو في الحقيقة عالم الأكاذيب والأخبار المزيفة، التي تسمح لفريق صغير من القراصنة التلاعب بعقول الملايين حول العالم.

وفي قصة المتحف والمسجد”آيا صوفيا” مثال على تحول جوهري وخطير في ثقافة منصات التواصل، إذ لم يعد مهما للكثيرين التعبير عن رأيهم في القضية محل النقاش، بل التعبير عن اختلافهم مع الآخر، أيا يكن.

المهم أن اختلف معك لا أن أخوض في نقاش موضوعي وأخلاقي، لأن الاختلاف هو مصدر التميز والنجومية، في زمن التسطيح الثقافي السائد، والنتيجة الوحيدة والمضمونة لمثل هذا الجدل المزيد من مشاعر الكراهية.الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2020/07/13 الساعة 23:26