د. أنور العتوم يكتب: سيناريو الضم الاسرائيلي وخيارات المواجهة الأردنية والفلسطينية
كتب: الدكتور انور العتوم *
تقديم :
يواجه الصراع العربي الاسرائيلي بشكل عام والصراع الاردني / الفلسطيني - الاسرائيلي بشكل خاص اليوم سيناريو من اخطر السيناريوهات التي مر بها هذا الصراع منذ نشأة دولة الكيان الصهيوني عام 1948، وهو سيناريو ضم الاغوار ومناطق اخرى حول القدس الشرقية، وبالتالي، فإن هذا السيناريو سيتم مواجهته بالعديد من الخيارات على الجانبين الاردني والفلسطيني، ناهيك عن المواقف العربية، ومواقف الدول الصديقة للاردن وفلسطين، وموقف الاتحاد الاوروبي والمنظمات الدولية المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني.
سنقف في هذه الورقة التي - تمثل رأي الكاتب - على هذه السيناريوهات والخيارات:
اولا : السيناريو والخيارات الاسرائيلية :
تتفق الاحزاب الصهيونية تقريبا على ضم الاغوار، الا انها تختلف في آليات تنفيذ عملية الضم. ففي الوقت الذي يعمل فيه حزب الليكود بزعامة نتنياهو للبدء بعملية التنفيذ من خلال التحضيرات العسكرية ، فإن حزب ازرق ابيض ، شريك الليكود في الائتلاف الحكومي، والذي يتزعمه وزير الدفاع بيني غانتس يفضل ان تكون عملية الضم من خلال خطة السلام الامريكية للشرق الاوسط (صفقة القرن).
ويرى المعارضون الاسرائيليون لعملية الضم بصيغتها الليكودية ان هناك العديد من المحاذير تشوب عملية الضم ، منها :
- معارضة الاتحاد الاوروبي والعديد من المنظمات الدولية للضم.
- قيام الاردن بإلغاء معاهدة وادي عربة والسلطة الفلسطينية بإلغاء اتفاقية اوسلو، وما ينتج عن ذلك من عودة علاقات اسرائيل مع الاردن والسلطة الفلسطينية الى المربع الاول.
- التكلفة العسكرية والامنية الاسرائيلية الباهظة لعملية الضم.
- تأليب الشارع الفلسطيني والعربي والعالمي على دولة الكيان الصهيوني نتيجة عملية الضم .
- تداعيات توجه الاردن والسلطة الفلسطينية لمجلس الامن، والجمعية العامة للامم المتحدة وللمحاكم الدولية. فهناك 14 دولة من ضمن 15 في مجلس الامن تعارض عملية الضم.
- ردود الافعال الاردنية والفلسطينية والدولية المعارضة لعملية الضم.
من هنا يرى الكاتب أن هذه المحاذير قد تؤدي الى تأجيل هذه العملية ، رغم البيئة الخصبة والفرصة المناسبة لاسرائيل لتنفيذ مخططاتها ، بسبب الانقسام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية وتراجع الاهتمام بالقضية نتيجة ما تشهده المنطقة من احداث مأساوية ، ناهيك عن موقف دول الخليج الذي غدا يرى في القضية الفلسطينية عبئا على هذه الدول .
- التحدي المتعلق بالموقف الاردني الذي يرى بعملية الضم تهديدا مباشرا للأمن الوطني والقومي الاردني ، اذا ما تم ضم 30-40% من مساحة الضفة الغربية ، وما يترتب على ذلك من قطع خطوط الاتصال والتواصل على الارض مع مناطق الضفة الغربية.
يندرج تحت سيناريو الضم الاسرائيلي العديد من الخيارات الاسرائيلية، ابرزها:
- خيار تأجيل الضم بسبب الضغوطات الخارجية والداخلية التي تواجهها اسرائيل ، وقد يكون هذا الخيار واردا .
- تطبيق القانون الاسرائيلي على مناطق الاغوار ومناطق في القدس تمثل المشروع الاستيطاني في الضفة ، مثل معاليه ادوميم وغوش عتصيون ومستوطنة ارئيل .
- الضم المتدرج من خلال ضم جزء من الكتل الاستيطانية في الضفة نسبتها 30% من مساحة الضفة الغربية ، ومن ثم ضم الاغوار .
- القيام بعدوان كبير على غزة او على مقرات السلطة الفلسطينية واستغلال هذا العدوان لضم المناطق المطلوب ضمها .
ثانيا : الخيارات الفلسطينية:
هناك العديد من الخيارات المتاحة امام السلطة الفلسطينية لمواجهة قرار الضم ، ابرزها واكثرها قبولا للتطبيق ما يلي :
- الغاء اتفاقية اوسلو الموقعة عام 1994بين الفلسطينيين والاسرائيليين . وهذا الخيار غير قابل للتطبيق في ضوء انقسام الفصائل الفلسطينية وعدم اتفاقها ، وفي ضوء غياب العمل العربي المشترك الداعم للسلطة الفلسطينية .
- استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه من خلال رفض السلطة الفلسطينية لكافة الاجراءات الاسرائيلية على الارض ، والرد عليها بالطرق الدبلوماسية والقانونية، او من خلال تشجيع انتفاضة عارمة في الضفة الغربية واللجوء الى المقاومة المسلحة .
- المواجهة من خلال تشجيع قيام انتفاضة عارمة في الضفة الغربية ، واللجوء الى المقاومة المسلحة، وهذا يعتمد على قوة الصف الفلسطيني ، ومدى دعمه من الدول العربية والدول الصديقة المتعاطفة معه.
- مع كل ذلك ، ستبقى السلطة الفلسطينية متمسكة بخيار السلام مهما كان شكله ، كونه الخيار الاقل تكلفة في اطار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، خاصة اذا ما وصل الامر الى تجريد الالاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية من جنسيتهم الفلسطينية ورفض منحهم الجنسية الاسرائيلية.
تحديات السلطة الفلسطينية:
تواجه السلطة الفلسطينية العديد من التحديات في اطار سعيها لمواجهة عملية الضم ، ابرزها ما يلي :
• الوضع العربي (المتهالك)، خاصة في ضوء تراجع دعم الدول العربية ودول الخليج العربي للسلطة الفلسطينية .
• انقسام الفصائل الفلسطينية على بعضها، وحالة الجفاء ما بين الفصائل الفلسطينية في الضفة وبين حركة حماس في غزة .
• الوضع الاقتصادي المتردي في الضفة والقطاع، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة في كلا الجانبين.
• خشية السلطة الفلسطينية من قيام اسرائيل بعمل لا يحمد عقباه لإرضاخ الفلسطينيين للأمر الواقع.
ثالثا: الخيارات الاردنية:
تعتبر عملية الضم بمثابة حرب اسرائيلية على الاردن بكل ما في الكلمة من معنى، لأنها ستفضي في نهاية المطاف الى جعل الاردن وطنا بديلا للفلسطينيين، وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة لا تعود على الاردن والاردنيين الا بالمزيد من الويلات، ناهيك عن سحب الوصاية الهاشمية عن المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وبالتالي تحييد دور الهاشميين ومحاولة هز أركان الدولة الاردنية.
يرى الكاتب بأن امام الاردن العديد من الخيارات للتعامل مع عملية الضم اذا ما حدثت، ابرزها ما يلي:
- مقاومة القرار من اجل تأجيله او منع تنفيذه.
- تنفيذ تهديدات جلالة الملك التي ورد فيها بأن عملية الضم ستؤدي الى صدام مع دولة الكيان الكيان الصهيوني . وهنا قد يذهب الاردن الى سحب السفير الاردني من تل ابيب واعتبار السفير الاسرائيلي في عمان غير مرغوب فيه، كما قد يلجأ الاردن الى وقف العمل باتفاقية الغاز الاردنية الاسرائيلية، والتهديد بإلغاء اتفاقية وادي عربة.
- اللجوء الى الدول الشقيقة والصديقة والى المنظمات الدولية والهيئات والمنابر الدولية لتحشيدها ضد قرار الضم، علما بأن الملك يعمل على هذا الخيار منذ زمن، وقد نجحت جهوده الى حد ما في تريث الجانب الاسرائيلي بتنفيذ قرار الضم، والذي كان من المفروض البدء فيه في الاول من تموز الجاري 2020.
- لن تكون جهود الاردن الهادفة لمقاومة قرار الضم ناجحة الا بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية بهذا الشأن.
- على صاحب القرار الاردني اتخاذ خطوات عملية داخلية سريعة من شأنها المساعدة في مقاومة قرار الضم ، منها :
• تقوية الجبهة الداخلية ورص الصفوف وتقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة .
• الافراج عن المعتقلين الاردنيين في السجون الاردنية .
• حل قضايا المتعثرين، خاصة المطلوبين للتنفيذ القضائي على قضايا مالية.
• فتح حوار بين الحكومة وكافة مؤسسات المجتمع المدني، وتوجيه هذه المؤسسات والجامعات والمعاهد ومراكز الابحاث للقيام بنشاطات مناوئة لعملية الضم.
• تعبئة وتحشيد الشارع الاردني ضد عملية الضم ، وتوجيه الاعلام للقيام بدوره الصحيح تجاه هذا الحدث.
التحديات الاردنية في إطار مقاومة الاردن لعملية الضم :
- يواجه الاردن العديد من التحديات في ضوء سعيه لإفشال مخطط الضم او تأجيله ، ابرزها ما يلي:
- الانقسام الكبير في الصف الفلسطيني والذي يجعل من الموقف الاردني الساعي لإفشال عملية الضم غير مكتمل.
- الوضع العربي المتردي، واهتمام كل دولة بنفسها بعيدا عن العمل العربي المشترك.
- الاوضاع الاقتصادية الصعبة، وحالة عدم الرضا التي يشعر بها المواطن الاردني جراء حالات الفقر والبطالة، وعدم وجود ثقة بين المواطنين والحكومة.
تأثير عودة لاجئي مناطق الضم على الاردن:
• احتضن الاردن اكثر من مليوني لاجئ فلسطيني على اراضيه منذ نكبة عام 1948 ، مرورا بنكسة حزيران 1967 ، ولغاية اليوم .
• يهدد مشروع الضم اكثر من 60 الف فلسطيني يقطنون في تجمعات ريفية رعوية بسحب حقوق المواطنة منهم عبر ما يسمى بمصطلح (التهجير الناعم)، اي غير الناتج عن الحرب.
• يخشى الاردن من تهجير ال 60 الف فلسطيني المنوه عنهم باعلاه، بالاضافة الى اكثر من 50 الف لاجئي آخرين الى اراضيه كدفعة اولى، وفق ما يسمى بـ (صفقة القرن) التي فرضتها ادارة ترامب على المنطقة كحل للقضية الفلسطينية ، والتي لم تتطرق لملف اللاجئين، وتجاهلت حق الفلسطينيين بالعودة او التعويض، علما بأن ملف اللاجئين هو من القضايا الرئيسية في الصراع العربي الاسرائيلي.
• الاردن هي الدولة المرشحة لاحتضان لاجئي مشروع الضم لعام 2020، والتي ستعتبر الموجة الثالثة من موجات اللاجئين بعد موجتي النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967، مما يؤدي الى تهديد الامن الوطني الاردني بالصميم، اذ سيترتب على ذلك مخاطر غير مسبوقة على الدولة الاردنية، ابرزها ما يلي:
- تحويل الاردن الى وطن بديل للفلسطينيين، وما يترتب على ذلك من مخاطر ذوبان الهوية الاردنية، خاصة وان هؤلاء اللاجئين سيتم التعامل معهم على انهم اردنيون يتمتعون بحقوق المواطن الاردني الاصيل.
- زعزعة الاستقرار في الاردن من خلال الاختلاط الديمغرافي بين الاردنيين واللاجئين الجدد، علما بأن الاردن غير قادر على استيعاب الاعداد الضخمة من اللاجئين الفلسطينيين، والتي لا تتوقف عند حد الـ 100 الف لاجئ في المرحلة الاولى، انما على منح الجنسية الاردنية لكافة الفلسطينيين الراغبين بالعودة من الخارج للاردن، على اساس انه وطن بديل للفلسطينيين، ناهيك عن اللاجئين السوريين والعراقيين الموجودين اصلا على الاراضي الاردنية.
- المخاطر الاقتصادية المتمثلة في سوء الاوضاع الاقتصادية، وعدم قدرة الاقتصاد الاردني على استيعاب هذه الاعداد الهائلة من اللاجئين، والذين يحتاجون الى بنى تحتية ووظائف ومدارس وجامعات اضافية، والى كل متطلبات المواطنة ، خاصة وان الاردن يتعرض الى هزة اقتصادية كبيرة، ادت الى تراجع الناتج المحلي الاجمالي عما كان عليه عام 2019 ، والى زيادة نسب البطالة لتصل الى 23% مقابل 19% لعام 2019 ، وكذلك ارتفاع نسبة الفقر الى حوالي 20% بعدما كانت 15 % عام 2019 .
- حاجة الاردن الماسة الى المياه، والتي تعتبر قضية بحد ذاتها، اذ ان هؤلاء اللاجئين يحتاجون الى كميات هائلة من المياه في الوقت الذي يشكو فيه الاردن اصلا من شح المياه.
الخلاصة:
• سيبقى سيناريو الضم قائما حتى لو تم تأجيله ، لأن التوسع هو الهدف الاسمى للصهاينة وديدنهم المستمر.
• تعتبر عملية الضم حربا مباشرة على الاردن وتحديا غير مسبوق في تاريخ الدولية الاردنية، يهدد مستقبله، مما يحتم عليه استخدام كافة عناصر قوته لمواجهة هذه العملية.
• من الصعوبة بمكان نجاح المساعي الاردنية الفلسطينية لإيقاف الضم او تأجيله بمعزل عن الدعم الدولي والعربي، خاصة الدعم الخليجي.
• تقوية الجبهة الداخلية وتوحيد الصف الاردني، وإعادة تأهيل العلاقة بينه وبين الحكومة، والتفاف الشعب حول القيادة، هي عناوين ضرورية بارزة يجب تحقيق معانيها العميقة لنتمكن معا من مواجهة كافة الاخطار التي تهدد اردننا الغالي العزيز.
التوصيات:
اوصي صاحب القرار الاردني بما يلي :
- مواصلة التحرك البناء والهادف على الصعيدين الداخلي والخارجي. داخليا: من خلال تقوية الجبهة الداخلية لتكون خطوات صاحب القرار مستندة على صخرة الشعب، وخارجيا: لخلق قوى ضاغطة معارضة لعملية الضم .
- خلق مظلة عربية واسلامية ودولية لدعم الموقف الاردني وحماية القرارات الاردنية التي ستتخذ بهذا الشأن .
- ضرورة اتخاذ قرارات جادة مبدئيا لإشعار الجانب الاسرائيلي بجدية الموقف الاردني المعارض بقوة للضم، منها على سبيل المثال: عقد قمة تنسيقية سريعة لزعماء الدول العربية الموقعة على اتفاقيات سلام مع دولة الكيان الصهيوني ، وهي : الاردن ومصر والسلطة الفلسطينية، وسحب السفير الاردني من تل ابيب، واعادة السفير الاسرائيلي الى بلاده، ثم التهديد بعدها بإلغاء اتفاقية الغاز بين الطرفين.
* مستشار سابق بوزارة الخارجية، وموجه سابق بكلية الدفاع الوطني