سلامة الدرعاوي يكتب: أولويات الإصلاح الاقتصادي
لا شك ان مكافحة التهرب الضريبي إحدى ركائز الإصلاح المالي للخزينة، وعنصر أساسي في تطوير بيئة الأعمال المحلية، وبالتالي تعزيز حقيقي للإصلاح الاقتصادي، ولكنها ليست كُل شيء.
الدولة من خلال الحكومة مطالبة بتعزيز الإصلاح الاقتصادي بشكل متوازن حتى تكون أكثر إقناعا لجمهورها الذي لا يثق بالسياسات والخطابات الحكومية، نتيجة التراكمات على مدى السنين الماضية والتي بالمحصلة أدت إلى انعدام الثقة بالقرار الاقتصادي.
الإصلاح الجمركي الذي بدأ العمل به قبل أشهر قليلة لا يقل عن عمليات مكافحة التهرب الضريبي، فاليوم العمل الجمركي في تطور سريع وفاعل في عملية تبسيط الإجراءات ومكافحة التهرب الجمركي، لكن ما يزال رجال الأعمال ينظرون إلى العقبة كأحد نوافذ التهريب الرئيسي في الأسواق المالية في مختلف المحافظات، وبذل الجهود الجبارة لضبط هذه الظاهرة في الأشهر الماضية، إلا أن مستويات التهريب لبعض المواد الغذائية والملابس والدخان ما تزال تقتل بيئة الأعمال وتعصف بأسس التنافسية السليمة في الأسواق، فالكل اليوم ينظر إلى المواد المهربة في الأسواق المحلية دون ردع حقيقي، من خلال إلقاء القبض على كبار المتهربين جمركيا كما هو الحال في المتهربين ضريبيا، فهل تشهد الأيام المقبلة القبض على حيتان التهرب الجمركي، كما حصل في قضية عوني مطيع الشهيرة؟.
دمج المؤسسات والهيئات المستقلة، والانتقال إلى تحقيق الرشاقة للقطاع العام وتقليل عدد الوزارات بشكل يتناسب مع حجم الأردن واقتصاده أولوية إصلاحية قبل وباء كورونا، وفي هذا الاطار فان الاستمرار في موضوع إعادة هيكلة القطاع العام وفق أسس من العدالة الاقتصادية المبنية على الكفاءة والإنتاجية وليس على سنوات الخبرة العملية التي في غالبيتها لا تعني شيئا لشريحة كبيرة من العاملين في القطاع العام، لانهم في الحقيقة لا يعملون بالشكل الذي وظفوا من أجله، فالترهل الإداري والبيروقراطية السلبية باتت مظاهر مقلقة في آليات عمل القطاع العام.
الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص والانتقال من مرحلة التنظير والخطابات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فاليوم الدولة بأمس الحاجة إلى قطاع خاص قوي وفاعل وقائد للعملية الاقتصادية التنموية، ولا يكون هذا إلا من خلال الابتعاد عن التدخل في إدارة شؤونه بأشكال مختلفة وضغوطات متعددة، فالقطاع الخاص هو ادرى بكيفية إدارة مصالحه ونشاطه من الحكومة، وللأسف كانت السنوات السابقة مليئة بالتدخلات الحكومية في كبريات الشركات والتي باتت اليوم تعاني الأمرين من القوى العاملة الكبيرة الفائضة عن حاجاتها، وباتت تشكل عقبة كبيرة في استمرارية العدد من هذه الشركات التي باتت هي الأخرى شبيهة بحجم القوى العاملة الزائدة في القطاع العام أيضا، وهذا يتطلب دعم القطاع الخاص بالتشريعات المرنة، التي تحمي أنشطته من أي تدخلات، مع توفير حزمة تسهيلات وإعفاءات لمستثمري القطاع الخاص، وتكون مشروطة بالقيمة المضافة المتحققة للاقتصاد الوطني.
فالأساس اليوم في السياسة الاقتصادية وفي ظل تداعيات “كورونا” هو تعزيز المحافظة على المستثمر المحلي والأجنبي القائم، ودعم وجوده واستمراره في الاستثمار ومساعدته على التوسع وخلق فرص عمل للأردنيين، وهذا يجب ان يبقى ويظل أولوية سياسات الاستثمار والتشغيل في المملكة.
أولويات الإصلاح الاقتصادي يجب ان تكون متوازنة مع بعضها البعض وفي كل الاتجاهات دون توقف أو دون التركيز على جهة دون أخرى، فالاقتصاد الوطني قبل “كورونا” غير بعد “كورونا”، وما يتطلب هو تعزيز بيئة الأعمال الداخلية لتكون موطنا حقيقيا للاستثمار وجذب رؤوس الأموال من خلال تحقيق العدالة الضريبية والجمركية والمالية وسيادة القانون مع جهاز إداري ذي كفاءة عالية قادر على تلبية احتياجات بيئة الأعمال المختلفة.
الغد