ماهر أبو طير يكتب: ليس ردا على وزير الخارجية
يصر الأردن على أن ملف الأشقاء السوريين في الأردن، يتطلب المزيد من الدعم الدولي، في ظل وباء كورونا، واذا كان طلب الدعم يبدو مشروعا، إلا أن علينا ألا نبالغ بالمطالبات.
لم تعد الازمة السورية، سورية، وحسب، بل باتت أزمة أردنية في أحد أوجهها، مثلما هي ازمة لبنانية، وأزمة تركية، بسبب تدفق الملايين إلى دول الجوار، وقد قيل مرارا ان اللجوء السوري إلى الأردن سيكون طويل الأمد، وليس قصيرا، وبيننا أجيال سورية عمرها عشر سنوات، ولدت ودرست هنا، بل واكتسبت لهجة أردنية، وصار لها صداقات اردنية، واشتبكت عائلاتها بالحياة الاقتصادية الأردنية، وأغلب هؤلاء من الفقراء او المهنيين او الشغيلة، ويفضلون البقاء في الأردن، او الهجرة إلى الغرب ولا يفضلون العودة إلى سورية، بسبب الوضع الأمني، والمخاوف من الاقتتال، او عمليات الانتقام او الثأر، وعدم الثقة بمستقبل الخريطة السورية، واحتمالات نشوب حرب اكبر، ولكون ظروفهم هنا احسن.
أغلب الذين عادوا إلى سورية، ملاك عقارات، وأراض، أو مزارع، فيما اكثر من مليون وثلاثمائة وثمانين ألف سوري هم من الفقراء ومن بين هذا العدد الكبير، لم يسجل في سجلات الأمم المتحدة سوى ستمائة وخمسين ألف شقيق سوري، وأغلبهم يرفض التسجيل خوفا من انتقام النظام لاحقا، او لعدم رغبتهم بالحصول على دعم دولي للهجرة إلى مكان آخر.
وزير الخارجية يقدم يوم أمس جردة حساب بالأرقام، دون عواطف، إلى مؤتمر بروكسيل 4 المخصص لمستقبل سورية والمنطقة، مشيرا إلى انه لم يعد إلى سورية من الأردن سوى واحد وأربعين الف سوري منذ شهر تشرين الأول العام 2018، مطالبا المجتمع الدولي بمزيد من الدعم، والتجاوب مع طلبات الأردن المقدرة لثلاث سنين بقيمة ستة مليارات وستمائة مليون دولار، مشيرا إلى ان الحل النهائي عودة اللاجئين “الطوعية” إلى بلادهم.
العودة الطوعية للسوريين تعني أن عمان الرسمية لن تجبر شقيقا سوريا واحدا على العودة، وهذا امر متوقع، كون الأردن استقبلهم، وبالتالي لن يكون قادرا على اجبارهم على الخروج من الأردن، ويلجأ بدلا من ذلك إلى طلب الدعم المالي لتقديم الخدمات للسوريين، وطلب الدعم المالي للخزينة لتعويض الأردنيين عبر توفير فرص العمل، وتحسين الخدمات.
لا بد ان يقال هنا ثلاثة توقعات، أولها أن السوريين في الأردن لن يعودوا إلى سورية حتى لو توقفت الحرب، بسبب البيئة الاقتصادية السيئة، وعدم توفر فرص عمل، وحالة الفوضى الأمنية والثأر السياسي والقبلي، وبسبب اندماج “الكتلة السورية” بالحياة في الأردن، التي لا تشكل غربة ثقافية، ولا قومية، ونشوء أجيال جديدة مرتبطة بالأردن، وهذا يعني أن وجودهم ينتقل من حالة المؤقت إلى الدائم، وثانيها أن علينا توقع موجات لجوء جديدة إذا انهارت الأوضاع داخل سورية، أو تم جرها إلى فوضى أوسع، خصوصا، اذا امتدت نيرانها إلى مناطق الجنوب، وقد لا يكون الأردن قادرا على منع تدفقهم مقارنة بتجربة سابقة، وثالثها أن الاعتقاد بسهولة توفر الدعم المالي العالمي، اعتقاد يجب أن يراجع، في ظل التراجعات الاقتصادية العالمية، خصوصا، أن الأردن لم يصله من اكثر من ملياري ونصف مليار دولار متوقعة هذا العام الا مائتي مليون دولار، وهذا يعني أن الملف يتحول من ملف دولي، إلى ملف أردني داخلي.
في بيت رئيس وزراء سابق، وكان في موقعه آنذاك كان الرئيس يتناول بنهم لحم ستيك العجل الياباني ويشكو على مائدة العشاء من كلفة اللجوء السوري، وحين سألناه كيف تتذمر والاشقاء السوريون لم يدخلوا إلى هنا عنوة، حيث اعتبر مراقبون حينها أن إدخالهم كان في سياق عملية تشهير بدمشق الرسمية، وللضغط عليها إنسانيا وأن الأردن تورط في هذه اللعبة وها هو يدفع الثمن، رد الرئيس ليلتها بعصبية على هذا الكلام معتبرا أن الأردن لم يشجع السوريين على الخروج، ولم يساهم بلعبة “تجميل اللجوء” خارج سورية، وان إدخالهم كان مراعاة لظرفهم الإنساني، ولكون الأردن لا يغلق بابه في وجه المستجير؟.
طلب الدعم حق لكل بلد، لكن على عمان الرسمية، أن تستعد لسيناريو آخر، يقول إن هذا الملف بات أردنيا إلى حد كبير، وأن الحدود قد تأتينا بالمزيد، وأن السوريين سيبقون مطولا.
الغد