تمارا زريقات تكتب: قراءة في أسباب الخلافات الجوهرية بين نتنياهو وغانتس حول الحكومة الإسرائيلية
بقلم: تمارا احمد زريقات
شهد المجتمع الإسرائيلي اضطراباً سياسياً هو الأول من نوعه أدى لعدم القدرة على تشكيل حكومة إسرائيلية وإطلاق العنان للدعوة لإعلان الانتخابات المبكرة لثلاث مرات متتالية، حيث يُعبر ذلك عن سيادة حالة من عدم الاستقرار في النظام السياسي في إسرائيل.
ويُعد عدم التوافق بين الأحزاب الإسرائيلية على تشكيل الحكومة أحد أبرز التحديات الراهنة التي تواجه المجتمع الإسرائيلي، وتفاقمت تلك التحديات مع انتشار جائحة كورونا و ونشوب خلاف في بعض المسائل السياسية والاقتصادية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء الإسرائيلي البديل ووزير الدفاع بيني غانتس زعيم حزب أبيض أزرق المنافس الأقوى لحزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو.
ورغم النجاح التي حققه نتنياهو بتشكيل حكومة إسرائيلية بالتعاون مع حزب أبيض أزرق بعد إعلان نتائج انتخابات الكنيست الثالثة ، والاتفاق على التناوب على رئاسة الوزراء بين نتنياهو وغانتس ، إلا أن هناك العديد من الخلافات قد تفاقمت بين نتنياهو وغانتس والتي قد تؤدي إلى سقوط الحكومة وإعلان التوجه لانتخابات رابعة للكنيست نهاية العام 2020.
في الوقت الراهن هناك ثلاث نقاط جوهرية للخلاف بين نتنياهو وغانتس وتتمثل تلك النقاط في التالي:
1- مسألة ضم إسرائيل لغور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية.
2- اعتماد الميزانية الحكومية العامة.
3- مسألة التعامل مع حركة حماس التي تدير غزة بعد سيطرتها العسكرية عشية أحداث الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني في يونيو 2007 .
ففي مسألة الضم، فإن الخلاف الرئيسي يكمن في الآليات والإجراءات التي تتخذها إسرائيل في عملية الضم والمساحات والمناطق التي تنوي ضمها، فسياسة نتنياهو تستند إلى الضم وبشكل سريع وعاجل ودفعة واحدة ، أما غانتس فإنه يؤيد الضم وبمساحات محددة لا تؤدي إلى اندلاع العنف مع الفلسطينيين أو تهدد حياة الإسرائيليين للخطر، أو حتى صدور تنديد دولي يُعرض قادة إسرائيل للمحاكمة في المحاكم الدولية لمرتكبي جرائم الحرب .
أما مسألة الميزانية العامة، فموقف نتنياهو يستند إلى اعتماد ميزانية لعام واحد ،أما غانتس فإنه يدعو إلى اعتماد ميزانية لعامين مقبلين، ولتلك المسألة تأثير بالغ على مدى إمكانية نجاح الائتلاف الحكومي بين نتنياهو وغانتس من عدمه، فاعتماد ميزانية لعام واحد تُعطي المزيد من الفرص لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإمكانية عدم اعتماد الميزانية لعام ثاني، والتي تعني فشل الحكومة و الدعوة إلى انتخابات مبكرة وفقدان غانتس لفرصته التاريخية والمتمثلة في رئاسة الوزراء بعد انقضاء عامين من رئاسة نتنياهو للحكومة، وإصرار نتنياهو على اعتماد الميزانية لعام واحد يرجع إلى صعوبة تقدير الإيرادات الحكومية وحجم الإنفاق بفعل التحديات الاقتصادية وأزمة الركود التي مُني بها الاقتصاد الإسرائيلي بفعل تفشي فيروس كورونا منذ شباط 2020 وما سببه من سيادة حالة من الإغلاق الكبير في العالم بأسره ومن ضمنه إسرائيل.
والمسألة الثالثة تتمثل في التعاطي مع حركة حماس وقطاع غزة والذي يُشكل تهديد حقيقي لأمن المستوطنين في غلاف غزة، فموقف نتنياهو هو استمرار التفاهمات مع فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس والتفاوض معها بغية إتمام صفقة لتبادل جنودها الأسرى لدى المقاومة في غزة منذ العام 2014 مع أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية وإصرار حماس على إخراج كبار قادة المقاومة وأصحاب المؤبدات، وحرية إدخال الأموال القطرية لقطاع غزة إضافة لتقديم تسهيلات اقتصادية تمنع تفجر الأوضاع الإنسانية وإمكانية اندلاع تصعيد يهدد أمن المستوطنين ويزعزع الاقتصاد الإسرائيلي، أما غانتس فإن موقفه يُعتبر مغاير لموقف نتنياهو حيث يستند إلى منع إدخال الأموال القطرية لقطاع غزة وتشديد الحصار الاقتصادي والمالي، وإلغاء التفاهمات مع الفصائل الفلسطينية وعدم الحديث مطلقاً على أية وساطات لإبرام صفقة لتبادل الأسرى لدور ذلك في تعزيز قوة فصائل المقاومة وإخضاع إسرائيل لمطالب الفصائل المسلحة والتي لا زالت ترفض الاعتراف بإسرائيل، والبدء بتفعيل عملية الاغتيالات التي تطال النشطاء الفلسطينيين والقادة السياسيين والعسكريين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي كونهما الذراعين الأقوى عسكرياً في قطاع غزة، واللذان يمتلكان آلاف الصواريخ والقذائف والتي يصل عمق بعضها إلى 120 كيلو متر.
إن سعي الحكومة الإسرائيلية لضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية في الأول من تموز 2020 ،وإمكانية تفجر الأوضاع الأمنية في قطاع غزة والضفة الغربية، ومع استمرار المخاوف من تفشي فيروس كورونا في إسرائيل، فإن إمكانية تفاقم الخلافات بين نتنياهو وغانتس واردة، ويمكن أن تتصاعد الخلافات خصوصاً في التعاطي مع مسألة حماية أمن مستوطنات قطاع غزة، وذلك في حال قامت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بقصف المستوطنات والمدن الإسرائيلية كرد طبيعي على الضم الإسرائيلي والتي تعتبرها فصائل المقاومة الفلسطينية بإنه إعلان حرب، فنقاط الخلاف حول التعامل مع غزة لا زالت جوهرية وستؤدي إلى اشتداد الخلاف والذي يتبعه إمكانية فشل الحكومة والدعوة لانتخابات رابعة تُزيد من حدة التعقيد في النظام السياسي الإسرائيلي.