رسالة إلى حابس المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/21 الساعة 22:14
كتب: محمد عبدالكريم الزيود
السلام عليك أبا سطام، أعتذر أنّي أيقظتكَ، فما زال الليل ثقيلاً يجثم على صدورنا، والفجر قد طال، لكن أعرف أن قهوتك عامرة في دلالها على النار التي ما خبت يوما، ولم يغادر الفرسان ديوانك، والخيل الأصايل أرخت عنانها.
إنهض وإصلح الشماغ على رأسك، واملأ غليونك فالحديث طويل مملوء بالوجع والعتب.
إنهض فالدروب إلى القدس ما زالت وعرة، وتذكرها ذات مساء وأنت تقود الكتيبة الرابعة في باب الواد، والجنود الأردنيون يقنصون العدو، وتنادي فيهم "أبوي المنيّة ولا الدنيّة " فيذوقونه طعم الهزيمة، كان يوما من أيام الأردنيين معتقاً بروح الشهادة والدم والبارود.
أبا سطّام
الجيش العربي الذي قدته مرتين في ١٩٥٨ وفي ١٩٧٠ ما زال هو الجيش، درّة التاج ورمز الهوية الوطنية وحامي الحمى، وآخر حصن الأردنيين، هو ليس جيشا وسلاحا وفوتيك، وإنما هو وجدان الأردنيين وسندهم وملاذهم وقصائدهم ودم شهدائهم، وروح الدولة التي لا يقبل الأردنيين أن يمسّ أو أن يشوّه أو تشوبه شائبة.
كان عدوك وعدونا واضحا أمام بنادقنا، اليوم الأعداء يحيطون بحدودنا، والأخوة أراحوا عدونا ويقاتلوننا نيابة عنه، مرة باسم الدين ومرة باسم القومية، ومرة باسم الأخوة وهم يقاسموننا الخبز والماء.
تذكرك الأردنيات أنت ورفيق دربك وصفي، وقد ضاق الوطن وأنت الفارس الذي لّوحته شمس الجنوب ألقاً وحبّاً للترابِ الأردني، ولم تزدك الرتب ولا الأوسمة شجاعة، فقد كنت سيفاً عربياً وأنت تعبر دروب الجنوب نحو " المقر"، تحفّك زغاريد الكركيات وتراويد الأردنيات في سهول حوران وبيادر العالوك :" ع العود اليابس ع العود اليابس الله ينصر جيشك يا حابس "...
وظلّ نبضك أردنياً محافظاً على قامتك العالية وشماغك المهدّب، صورة زاهيّة للأردني المُهاب المنذور لأمته، ورافضاً مصافحة أسيرك السابق شارون.. فالقادة لا يتغيّرون ولا يتبدلون، وإن ْتغيرتْ الدنيا وتبدّلتْ الرّيح وتلّونت وجوه الرجال،
لم تصنع لنفسك منصبا أو تورّث لأبنائك عضوية في مجلس إدارة شركة، ولم تقايض الوطن بحقيبة وزارة، أو بأسهم بورصة لا تنفع للصيد، أو ثمن بخس مهما علا، ولم تجعل الولاء مربوطا بمغنم أو مغرم، لذا بقيتَ نظيفا طاهرا، بعيدا عن البزنس وشركاء الكميسون، وظل الوطن في عينيك قصة حب وهوية وزيتونا لا يتغير لونه شتاء ولا صيفا.
أكتبُ إليك ومن القلبِ الذي ما كانتْ بوصلته إلا الوطن، ونحن نعبرُ هذا الزمان الصّعب ونذهبُ إلى الصورِ الناصعة من تاريخنا الأردني، وقد مرّوا عليه أنت يا حابس ورفيقك وصفي، عندما تحالفَ البعض على البلد، وظنّوا أنهم قادرين على ليّ ذراعهِ فعاهدتم الوطن " على المصحف والدم "، وكان لكم موقفاً لن ينساه الأردنيين عندما تقاعسَ الآخرين واختبؤا وانحسرتْ الرجال وعبروا به نحوَ الأُلى والأمان.
اليوم أبا سطام يوزن رجال الدولة والحكومات مواقفهم بما يكسبون، فالذي يحمل جنسيتان يلعب على الحبل الذي يراه أكثر كسبا... وهناك من بإسم الوطنية ذبحونا، وزاد من وجعنا وفقرنا وضاعف من مديونية البلد، وفوق ذلك يتمنن علينا، وما زال الفساد ديدنه....شحّ الوطن من رجاله.. لذا فالرجال لا تولد من رحمِ الأمّهات ولكن هي المواقف من تصنعهم، وعندما بكاك الأردنيين فقد بكوا رجل بحجم الوطن.. لا ألوم حبيب الزيودي عندما سمعَ بنعيك عبر الإذاعة ركن سيارته على جانب الطريق وبكاك حتى بللّ الدمع وجه وأنشد مرثاته :"إلك كانتْ يا عذب الطول طلّات علامك غبت ْ والدنيا تشارين... والك كانتْ يا ابو الشومات شومات عليها زغردتْ مريوشة العين.. وإلك كانتْ على الفرسان صيحاتْ ترجّ بعصفها أركان الميادين".
السلام عليك في ذكرى رحيلك وسنظل نقرأ شعرك على "رديين الحيل" ونقول إن "كراسي الوطن ورجالها ورماح القنا " قد غابوا.
فرحمك الله يا حابس، ورحم الله الرجال الكبار والشهداء الذين ما بخلوا على الوطن بدمهم حتى ولو غابوا تحت التراب فالأحياء من هم أحياء الذكر.. والسلام على صاحب الذكرى وعلى الوطن الأغلى الذي لن يغيب.
السلام عليك أبا سطام، أعتذر أنّي أيقظتكَ، فما زال الليل ثقيلاً يجثم على صدورنا، والفجر قد طال، لكن أعرف أن قهوتك عامرة في دلالها على النار التي ما خبت يوما، ولم يغادر الفرسان ديوانك، والخيل الأصايل أرخت عنانها.
إنهض وإصلح الشماغ على رأسك، واملأ غليونك فالحديث طويل مملوء بالوجع والعتب.
إنهض فالدروب إلى القدس ما زالت وعرة، وتذكرها ذات مساء وأنت تقود الكتيبة الرابعة في باب الواد، والجنود الأردنيون يقنصون العدو، وتنادي فيهم "أبوي المنيّة ولا الدنيّة " فيذوقونه طعم الهزيمة، كان يوما من أيام الأردنيين معتقاً بروح الشهادة والدم والبارود.
أبا سطّام
الجيش العربي الذي قدته مرتين في ١٩٥٨ وفي ١٩٧٠ ما زال هو الجيش، درّة التاج ورمز الهوية الوطنية وحامي الحمى، وآخر حصن الأردنيين، هو ليس جيشا وسلاحا وفوتيك، وإنما هو وجدان الأردنيين وسندهم وملاذهم وقصائدهم ودم شهدائهم، وروح الدولة التي لا يقبل الأردنيين أن يمسّ أو أن يشوّه أو تشوبه شائبة.
كان عدوك وعدونا واضحا أمام بنادقنا، اليوم الأعداء يحيطون بحدودنا، والأخوة أراحوا عدونا ويقاتلوننا نيابة عنه، مرة باسم الدين ومرة باسم القومية، ومرة باسم الأخوة وهم يقاسموننا الخبز والماء.
تذكرك الأردنيات أنت ورفيق دربك وصفي، وقد ضاق الوطن وأنت الفارس الذي لّوحته شمس الجنوب ألقاً وحبّاً للترابِ الأردني، ولم تزدك الرتب ولا الأوسمة شجاعة، فقد كنت سيفاً عربياً وأنت تعبر دروب الجنوب نحو " المقر"، تحفّك زغاريد الكركيات وتراويد الأردنيات في سهول حوران وبيادر العالوك :" ع العود اليابس ع العود اليابس الله ينصر جيشك يا حابس "...
وظلّ نبضك أردنياً محافظاً على قامتك العالية وشماغك المهدّب، صورة زاهيّة للأردني المُهاب المنذور لأمته، ورافضاً مصافحة أسيرك السابق شارون.. فالقادة لا يتغيّرون ولا يتبدلون، وإن ْتغيرتْ الدنيا وتبدّلتْ الرّيح وتلّونت وجوه الرجال،
لم تصنع لنفسك منصبا أو تورّث لأبنائك عضوية في مجلس إدارة شركة، ولم تقايض الوطن بحقيبة وزارة، أو بأسهم بورصة لا تنفع للصيد، أو ثمن بخس مهما علا، ولم تجعل الولاء مربوطا بمغنم أو مغرم، لذا بقيتَ نظيفا طاهرا، بعيدا عن البزنس وشركاء الكميسون، وظل الوطن في عينيك قصة حب وهوية وزيتونا لا يتغير لونه شتاء ولا صيفا.
أكتبُ إليك ومن القلبِ الذي ما كانتْ بوصلته إلا الوطن، ونحن نعبرُ هذا الزمان الصّعب ونذهبُ إلى الصورِ الناصعة من تاريخنا الأردني، وقد مرّوا عليه أنت يا حابس ورفيقك وصفي، عندما تحالفَ البعض على البلد، وظنّوا أنهم قادرين على ليّ ذراعهِ فعاهدتم الوطن " على المصحف والدم "، وكان لكم موقفاً لن ينساه الأردنيين عندما تقاعسَ الآخرين واختبؤا وانحسرتْ الرجال وعبروا به نحوَ الأُلى والأمان.
اليوم أبا سطام يوزن رجال الدولة والحكومات مواقفهم بما يكسبون، فالذي يحمل جنسيتان يلعب على الحبل الذي يراه أكثر كسبا... وهناك من بإسم الوطنية ذبحونا، وزاد من وجعنا وفقرنا وضاعف من مديونية البلد، وفوق ذلك يتمنن علينا، وما زال الفساد ديدنه....شحّ الوطن من رجاله.. لذا فالرجال لا تولد من رحمِ الأمّهات ولكن هي المواقف من تصنعهم، وعندما بكاك الأردنيين فقد بكوا رجل بحجم الوطن.. لا ألوم حبيب الزيودي عندما سمعَ بنعيك عبر الإذاعة ركن سيارته على جانب الطريق وبكاك حتى بللّ الدمع وجه وأنشد مرثاته :"إلك كانتْ يا عذب الطول طلّات علامك غبت ْ والدنيا تشارين... والك كانتْ يا ابو الشومات شومات عليها زغردتْ مريوشة العين.. وإلك كانتْ على الفرسان صيحاتْ ترجّ بعصفها أركان الميادين".
السلام عليك في ذكرى رحيلك وسنظل نقرأ شعرك على "رديين الحيل" ونقول إن "كراسي الوطن ورجالها ورماح القنا " قد غابوا.
فرحمك الله يا حابس، ورحم الله الرجال الكبار والشهداء الذين ما بخلوا على الوطن بدمهم حتى ولو غابوا تحت التراب فالأحياء من هم أحياء الذكر.. والسلام على صاحب الذكرى وعلى الوطن الأغلى الذي لن يغيب.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/21 الساعة 22:14