الحنفيات كمنصة للتواصل الاجتماعي!

مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/21 الساعة 01:04
حلمي الاسمر -1-

.. وكان لكل حارة مجموعة حنفيات عامة يستقي منها الناس مجانا، وكان على كل امرأة أن تُؤمِّن احتياجات بيتها من الماء بحمله على رأسها بأوعية من الزنك، (لم تكن أوعية البلاستيك قد انتشرت بعد!) وكانت الحنفيات كما الفرن، مكانا للتجمع وتداول الأخبار والإشاعات وحكايات المخيم، (أو بلغة اليوم: كانت واحدة من أهم منصات التواصل الاجتماعي، أو السوشال ميديا، بلغة الفرنجة!) ففي مجتمع الحنفية، تجتمع النسوة كل صباح تحديدا، ويبدأن بتبادل الأحداث والأخبار، وقد كنت اصطحب أمي أو شقيقتي الكبرى وهي غادية لتملأ وعاء الماء الذي كان يسمى «الكاز» أو «السخان»، (كانت تلك المهمة تقتصر على النساء، ولم أر رجلا يقتحم تلك المنصة!) ولطالما سمعت قصصا وحكايات لم أكن أدرك كنهها على وجه التحديد، إلا إنها كانت عادة ما تدور حول ما يفعله الرجال والنساء ليلا، (أو قل حول علاقة الرجل بالمرأة بشكل عام، وما يجري داخل الأسرة، أو بين الأسر من مصاهرة أو مشاحنة، أو نميمة) وكانت غالب القصص مبتورة أو مضمخة بالحياء أحيانا، ومليئة بالرموز، (ربما احتراما لوجود الأطفال من أمثالي، أو بسبب خجل تقليدي كان يزين خدود الإناث بالحمرة!) إلا أن الواضح أن النساء كن يفهمن مثلا دلالة أن تأتي إحداهن إلى الحنفية مبلولة الشعر، أو حينما كانت تلف «خرقتها» البيضاء على جزء من وجهها، محاولة إخفاءه، هذا يعني ببساطة إنها «أكلتْ قَتْلة» مرتبة من زوجها لسبب ما، وتحاول أن تخفي آثار «الخمساوي» على وجهها، أما الشعر المبلول فقد اكتشفت فيما بعد إنه ناتج عن حمّام مبكر، إما للحاق بصلاة الفجر، أو استثمار نوم الأبناء لتأدية واجب زوجي!

-2-

عندما كبر الفتى، هاله ما كان يرى في جلسات النميمة المتطورة، هي جلسات حنفيات بالفعل، لكن ثمة فروقات كبرى بينها وبين منصة الحنفيات، فهم يسمونها «صالونات سياسية!» وروادها رجال فقط، وغالبا ما يكون هؤلاء من طبقة «النخبة» بالمعيار السائد، وهو معيار يعوزه التقويم العلمي، فعلى الرغم من بذخ الملابس التي يرتديها أحدهم، إلا أن الفتى الكبير كان يتخيل أشياء غريبة يجتهد هذا أو ذاك من رواد الصالون في إخفائه، فمثلا كان الفتى يخيل له أن من يكثر عن الحديث عن الأمانة والاستقامة و»نظافة اليد تحديدا!» كان يخفي تحت بذلته الفاخرة ملابس حرامي محترف في مص دم الناس، أي ناس فهذا غير مهم، وعلى هذا فقس، بل بدا للفتى بعد أن كبر أكثر، وزاد وعيه وتوسعت علاقاته، أن ثمة عصابات على مستوى عال جدا، ينتمي إليها هؤلاء وأولئك من «النخب» مهمتها الرئيسة التحليق على ارتفاعات مختلفة، لمنع المطر من النزول إلى الأرض، وجمعه من «حنفيات» السماء، فقد بدا أن كل واحد من «الأعضاء» يحمل كردلا أو وعاء ما، لجمع ماء المطر، قبل أن يصيب بقية عباد الله، وتختلف هنا أحجام الأوعية حسب حجم النفوذ وقوة الشخصية و»سعة الإطلاع!» وثقافة النهب والسلب، بل بدا أكثر أن ثمة اتفاقات ضمنية متفاهم عليها، لتوزيع مساحات «الحصاد المائي» بين الأعضاء، ونادرا بالطبع ما تفلت قطرة ماء، فتروي عطش واحد على باب الله!

الغريب في أمر منصات الحنفيات الرجالية المتطورة، أن أهم ما كان يتم تداوله في ليالي السهر التي تجمع «النخب إياها» كان تبادل الخبرات في مجال «مقويات الطبيعة الذكورية» فما أن ينتهي القوم سريعا من النم وتبادل الإشاعات وكل ما يتطاير من أفواه المسؤولين والراغبين في تسلم المسؤوليات، حتى «تبدأ» النخب في تبادل حبوب منع «العنة» وما يتعلق بها من زيادة «القوة!» من ثقافة ثرية وساخنة، تستأثر باهتمام الجميع، حتى أولئك الذين ظلوا صامتين من بداية الجلسة!

الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/21 الساعة 01:04