د. أجمل الطويقات يكتب: عناوين الوطن
بقلم: الدكتور أجمل الطويقات
الاستقلال، والجلوس الملكي، ويوم الجيش عناصر تنتسب إلى فضاء مرجعي مشترك، وهي عناصر منسجمة داخليًّا في نفس الثقافة والانتماء الفكري المكون للشعب الأردنيّ الذي يعيش حياة منسجمة العناصر ، وهو امتداد لهذا الانسجام الطبيعي.
ونظر الأردنيّ باهتمام بالغ إلى معالجة العلاقة بين هذه المكونات وعلاقتها بالتراب الأردنيّ، حيث أخذت هذه العلاقة أشكالاً متعددة تدرّجت من الحيادية إلى التلاحم إلى أن وصلت إلى الانسجام مع ترابه المبارك وقيادته الهاشمية.
وتعمّق الانتماء الأردنيّ والإحساس به انطلاقًا من الفكر الذي بنيت عليه الدولة الأردنية الحديثة التي تشكّلت نُواتُها مع الثورة العربية الكبرى وقدوم الملك عبدالله الأول، واستقبال الأردنيين له بحفاوة بالغة، ثم أخذت هذه العلاقة بالتنامي شيئًا فشيئًا، فكانت أفكار الوحدة والتضامن العربي هي حقيقة راسخة لا شعارات متهاوية.
ولم يجد الأردني غضاضة أن يجتمع على ثرى الأردنّ الطهور مع شقيقه العربي سواء أكان شاميّا أم نجديّا أم يمانيّا، وما زال هذ النهج العروبّي مستمرًا مع شحة الإمكانات وقلة الموارد، وتراجع التضامن العربي بصورة غير معهودة منذ تحرر دول الوطن العربي من قيد الاستعمار، مع عودة الأخير إلى المنطقة بصور مختلفة.
وفي ظل التغيرات التي حدثت في منطقتنا والعالم ظهرت اتجاهات ومفاهيم فكرية غير مألوفة في بعض الدول العربية خارج دول المواجهة مع إسرائيل لدى بعض الأفراد أو المؤسسات جنحت عن ما كان من المحرمات سابقًا كالاعتراف باسرائيل، والدعوة إلى التطبيع الكامل معها، والضغط على الأردن وفلسطين من أجل التنازل عن حقوقهما لصالح إسرائيل في ظل تهديد بعض سياسي الكيان الإسرائيلي للأردن في مناسبات عدة، والتراجع عن الاتفاقات الدولية، وتقويض حلّ الدّولتين، ومحاولة زعزعة الوصاية الهاشمية على المقدسات.
ولم يأت استقلال الأردن من دون ثمن باهظ دفعته الأجيال تلو الأجيال في مواجهة آثار الغزو الاستعماري والاحتلال الإسرائلي للأراضي العربية، وانتهاج الأردن وبعض أشقائه العرب نضال سياسي قوي ومستمر نضال اصطدم بأنانيات الاستعمار الغاشم والتعنّت الإسرائيليّ الذي رد على مطالب أُمتنا بمحاولة التجهيل والتبعيّة.
والاستقلال سيادة وطنية مستمرة تستوجب منّا التوجه بالتحية ومشاعر المحبة والتقدير إلى كل ذلك الجيل الذي نهض مع الملك عبدالله الأول، ثمّ الملك طلال وحسيننا الباني- طيّب الله ثراهم- ومساهمتهم الجادة من أجل بناء الوطن وإعماره.
إن هذا المسار المتواصل لصمود أسلافنا ونضالهم في بناء الأردن، وفي ذات اللحظة تحتم عليهم الوقوف في وجه طغيان المستعمر واستغلاله ودعمه اللامحدود للكيان الصهويني الذي جثم على ثرى فلسطين، وقام بتهجير الملايين من أهالينا فيها، ودمّر كثيرًا من قراها ومدنها، واستولى عليها، وامتدّ عضاله الخبيث ليدنّس أرض الأردن الطهور في عام 1967م، فكان على البانين أن يُمسكوا بندقية بيد وبالثانية فأسًا في ذات الوقت، وهذا لا يطيقه إلا الأفذاذ.
إن صمود الأردن المظفر ضمن أقليم عربي لم يكتب له الاستقرار إلا في مدد زمنية محدودة ليشير إلى رحمة الله بنا أن وهبنا قيادة هاشمية حَصيفة، وشعبًا عُرف بصَوَابِهِ وَرَشَادِهِ وَتَعقُّلِهِ وَاسْتِقَامَتِه. تلكم هي الملحمة الفريدة في عصرها التي نحتفل بتتويجها للمرة الرابعة والسبعين، وهي عيد استقلال المملكة الأردنية والهاشمية في ظل تنسّم مناسبات العز والفخار: الجلوس الملكي، ويوم الجيش، وذكرى انطلاق الثورة العربية الكبرى.
ومخطئ من يعتقد أن عيد الاستقلال هو يوم وطني فحسب، فالشعب الأردني انطلق في وقت مبكرا جدا نحو حركة التحرير والبناء، ولم تكن الثورة االعربية الكبرى بمقدماتها ونتائجها إلا فصل الخطاب، ونتيجة لذلك بات الشعب الأردني في خانة أبرز الشعوب العربية التي قدمت للفكر القومي العربي حقيقة لا شعارات منذ قدوم الملك عبدالله الأول وتسلمه مقاليد الحكم وحتى اليوم.
وشتان بين حال المَقِيلِ وحال الفعل، وحال المدّعي زورًا وحال المُتمسّك بالحقّ، فلك وطني كُلّ التحايا في يوم عيدك الذي هو عيدنا عيد جيشنا الباسل جيش العروبة والوطن، و مبارك لك ماحققّته من انجازات وتضحيات، ومبارك لنا بك وبقائدك قائد الجيش والوطن، وكل معاني العرفان لكل منتسبيه وأجهزته الأمنيّة؛ فلمثلكم تطوع المعالي، وتنثني العاصيات؛ فهممكم كالجبال قامة وكالنسور اتخذت بيوتها عاليًا عن كل الزواحف، ترفعّتم عن الدنايا، ورافقتم المعالي، ولبستم من الكرامة عباءة، وتوشّحتم بالرجولة زينة، فكنتم زينة الرجال أدبًا وحشمة، قوامكم مخافة الله، وأنعم به وأكرم من مقام، وزدتم على ذلك جنا الأخلاق وروحها وهبوبها، حتى إذا نثر رحيقه على من تجالسوه اغتنى عن كل طيب. وأي مقام يسابق مقام الأخلاق قرباً وأنساً لمعلم الأخلاق سيد البشر محمد عليه من ربه سابغ الصلوات وعظيم المباركات؟
وكنّا دائماً وما زلنا وسنبقى نستند بعد الله على جيشنا المصطفوي وكل أجهزتنا الأمنية الباسلة التي تذود عن حياض الأردن ومصالحه، وتحمي ديارنا، فليس مستغربًا أن يكون العشق للجيش هو عشق للوطن؛ فنواة هذا الجيش زرعت في مهد الثورة العربية الكبرى فكرًا ونهجًا، وطرحت بذورها مع الملك المؤسس عبدالله الأول، وأطلق عليه الجيش العربيّ الذي شارك في حرب الانقاذ 1948 م، وقدّم التضحيات الجسام عام 1967م ، وأعاد كرامة الأمة في العام الذي يليه في معركة الكرامة الخالدة، وأسهم ببطولة في حرب استنزاف طويلة كلّلها مع أشقائه في حرب 1973م، فهو ينتصر للحق أمام وجوه الظلام المتعددة، و واجه بقوة كل ظروف التبعية والعدوان والإرهاب في حالك ظلماتها .
وكان الأردن بقيادته المظفرة وأبناء جيشه منذ نشأته وحتى اليوم ملاذ الخائفين وسند اللاَجِئين، فكنتم أبناء هذا الجيش كبارًا عندما نهضتم بعزم تنعمون بدفء الوطن وكدّ قائده ودعمه، وها هي الصورة تتكلّل نجاحًا خلف نجاح، ولعلّ آخرها ما أدركه الأردنيّ من دور تنموي مشهود ومتميز في القطاعات الصحية والتعليمية في هذه الظروف الاستثنائية نتيجة جائحة كورونا، فضلاً عن حماية حدود الوطن والذود عن حياضه وسلامة أراضيه، وردع كل من تسوّل له نفسه العبث بأمنه واستقراه.
الاستقلال حقيقة مستمرة تدفعنا إلى مزيد من العطاء والعمل الدؤوب نحو التمسّك به والتفاني بالحفاظ على مقدراته، ونبذ كل أشكال الفرقة ودعاة الفتنة، سائلاً الله أن يحفظ الأردنّ وقيادته المُلهمة. فنحن معك ملكنا المفدى ومع جيشك جيشنا طالما أننا نمتلك الحياة.