جمال حداد يكتب: رسالة إلى النواصرة!
كتب: جمال حداد
كان الله في عون الأردن والأردنيين، وفي عون الدولة والقيادة على ما هم فيه من هموم.
معاناة الوطن بدأت منذ ولادته، حيث تحكمه ديكتاتورية الجغرافيا وشح موارده. موقعه الأشد حساسية بين الدول العربية إذ انه يملك أطول واخطر خط مواجهة مع الكيان الصهيوني، وتحمل القسط الأوفر من أعباء القضية الفلسطينية. ناهيك عن مشكلاته الاقتصادية والإنسانية التي دفع فواتيرها الباهظة من لاجئي الدول العربية كافة، الفلسطينيين، اللبنانيين، العراقيين، السوريين....!
هذا البلد الصابر المرابط ما أن يخرج من معركة ضروس حتى يدخل بمعركة اشد ضراوة. هذا قدره ولكن الله شرفه في حمل الأمانة بأمانة فكان لها واستطاع تخطي الأزمات وتذليلها كلها بفضل وعي أبنائه وحنكة القيادة.
اليوم تحديداً،يخوض الوطن أقسى معاركه وأشدها خطورة،في تزامن واحد، وجبهات عديدة ومختلفة منها المنظورة مثل جبهة الكورونا الفتاكة القاتلة، وجبهة العدو الإسرائيلي الذي يسعى بخطى حثيثة لضم الأغوار للدولة العبرية وصولاً للبحر الميت،وما يستتبع ذلك من انعكاسات مؤلمة وثقيلة على الواقع الداخلي سياسيا،واقتصادياً،وديمغرافياً، ثم المعركة الجديدة التي فتحتها الحكومة البارحة مع حيتان التهرب الضريبي المقدر باكثرمن مليار دينار كحد أدنى،ناهيك عن بؤر الفقر،البطالة.
في خضم هذه المعارك الضارية فتح نائب نقيب المعلمين جبهة جديدة، وقام بإطلاق عبارات شديدة اللهجة لتسخين التحضير لمواجهة داخلية وبدء حالة اشتباك مع الدولة والحكومة قوامها آلاف المعلمين وحوالي مليون طالب في ظل مناخ متوتر اصلاً ومأزوم اساساً ووضع مالي صعب وخزينة تعاني ومديونية كبيرة.
كل هذه الهيزعة لأجل علاوة المعلمين التي جرى تأخيرها مؤقتا نتيجة للصعوبات القاهرة.تماماً مثل دعم خبز الفقراء الذي تم إيقافه وليس وقفه، وهم بأمس الحاجة إلى اللقمة ولكنهم لم يخرجوا بمظاهرات عرمرمية ولا احتجاجات صاخبة بل صمتوا لأنهم يعرفون وضع وطنهم وذيول معركة الكورونا ووقفوا إلى صف الدول حتى تنزاح الغمة وتنفرج الحالة.
الفقراء تحملوا بينما النواصرة نائب النقيب اقسم قسماً مغلظاً على مواصلة المطالبة بالعلاوة وتوعد الحكومة بعظائم الأمور إن لم تستجب لمطالبه.
لا احد ينكر حق المعلمين بالعلاوة،ولكن الحق يجب أن لا يزيد الوطن تأزيما فوق أزماته، ويزيد الطين بلة، وصب الزيت على النار المشتعلة،من خلال تعطيل الدراسة والعودة للمربع الأول كتعطل المدارس في العام الماضي وما لحق بالتعليم والطلبة والمعلمين وذوي الطلبة من مضار عديدة.
النواصرة والنقابة هم أكثر الناس وعياً بالظروف الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد،والمعروف بداهة في اوقات الشدة أن يتنادى الجميع للوقوف إلى جانب الدولة وكل فرد أن يتحمل مسؤولياته كاملة.العلاوة لم تنكرها الحكومة وهي كدعم الخبز جرى تأجيلها حتى الخروج من عنق الزجاجة.في هذا الظرف العصيب لا يجوز التلويح بالإضراب ولا المجاهرة بالتحديات وان توتير الجو العام أكثر مما هو عليه الآن سيؤدي إلى انفجارات فظيعة لا يعرف نتائجها سوى الله تعالى...فمن يتحمل المسؤولية انذاك حين لا ينفع ندم ولا أسف ؟!.
واجبنا في هذه الأوقات المفصلية إطفاء الحرائق لا إشعالها وترطيب الأجواء لا تسخينها ولملمة مشكلاتنا كاسرة واحدة حتى تمر الأزمة وتنجلي الغيوم السوداء التي تكدر نفوسنا، نسأل الأستاذ النقابي النواصرة منذ متى لم يدخل الطلاب قاعات المدارس،ولم تقرع أجراسها،ولم نسمع صخب أولادنا المحببة في غرفهم الصفية، بسبب الكورونا. فهل الإضراب سيحل المشكلة أم يزيدها تعقيدا. السؤال الأكثر خطورة لمَ لم تلجأ النقابة للقضاء الأردني المشهود له بالعدالة والنزاهة. المفروض في القضايا الكبيرة مثل هذه القضية المتصلة بكل الأسر الأردنية التعقل والعد للمائة وليس للعشرة.
نشهد أن النواصرة على خلق ودين وعلم ووطنية من الطراز الأول.ما يعني انه بعيد الرؤيا والروية، فتعال إلى كتاب الله الذي لم يترك كبيرة ولا صغيرة،حيث يقول رب العزة جلَّ في عُلاه :ـ " وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة...." فالدولة مديونة وفي ضائقة غير مسبوقة فلماذا الإلحاح والضغط ولماذا لا نعطيها فسحة لتلتقط أنفاسها في اوقات الضيق والشدة. نحن يا أيها النقابي وأنت الادرى أن الأردن في يومنا في مرحلة حرجة و لا يحتمل أزمة جديدة ولا مناكفة.
نقولها بصراحة، في المرة الأولى تعاطف الجميع مع النقابة، لكن الحال اليوم مختلف والظرف اسوأ من سيئ، ولا احد يقبل أن تكون المدرسة والعلم والتعليم أوراق ضغط ومفاوضة.فالناس مأزومة والدولة تحت ضغط جائحة كورونية وضائقة اقتصادية خانقة.فلنتق الله جميعا في وطننا ملاذنا الأخير ومظلتنا من الولادة حتى الشهقة الأخيرة.
وكما قال جلالة الملك شدة وبتزول وحتما ستزول. " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين".. صدق الله العظيم