زواج من أجل الطلاق والمهر !.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/20 الساعة 00:46

سألت صديقي عن والده الفاضل المحترم؛ زمان ما شفته، شو أخباره بالله؟
قال لي بأنه بخير، وأصبح عريسا، فأجبته بأن سبق لكم وأن زوجتموه، فأجابني : طلعت بنت حرام، الحمدلله انا خلصنا.
فهمت ما يقوله الصديق المحترم، وقلت له بأنه ليس سهلا أن تستقر علاقة زواج جديد لرجل مسن يعيش وحيدا، نادرا ما تستقر مثل هذه العلاقات، أيدني الصديق، وقال : حتى الشباب الصغار، أصبحوا يعانون من عدم الاستقرار، وأصبح الطلاق موضة، وعدد الذين يتطلقون أكثر من الذين يتزوجون!.
هل حقا وصلت الحال ببعض البؤساء وقليلي الضمير بأن يزوجوا بناتهم من أجل تطليقهن وأخذ مهرهن، باعتباره رزقا حلالا ومكسبا مشروعا؟!
بعضهم وبعضهن يفعلون ولا تهتز في أجسادهم شعرة، او يشعرون بوخزة ضمير أو يكترثون لشرف او كرامة..المهم الصحة !
كم انهارت منظومة قيم مجتمعاتنا المحافظة، التي تعتبر رصيدها من الحياة والآخرة هي كرامتها وسمعتها الطيبة؟ تفيد الأحداث بأن المنظومة اختفت او كادت في بعض المجتمعات المحلية، فتجارة الشرف أصبحت رائجة في أسواق اجتماعية تخففت من القيم الفضلى والمعاني الإنسانية الراقية التي عرفتها الشعوب المستقرة حول العالم، والتي حثت عليها الأديان والعقائد والشرائع، لتنظيم حياة الانسان على هذا الكوكب .
تتعاظم آهات الناس تحت وطأة الفقر والحاجة، وتتمرد ثقافاتهم الاستهلاكية إلى الدرجة التي تجعل من المادة هي القيمة الأولى المعبرة عن وجودهم في المجتمع ! ماذا تراهم يفعلون وقد تناهشتهم السلع الغزيرة الجبارة، وتضائلت اهتماماتهم ببيوتهم، بعد أن عقدوا العزم على تحصيل رقم أولا ثم الالتفات إلى حاجات ومتطلبات عائلاتهم؟..
ندرك بكل حواسنا أن الوضع الاقتصادي حين يتفاقم بالسوء فإن أول التحديات هو الأمن والاستقرار في العائلات قبل المجتمعات، وندرك أن الجهل في مثل هذه الحال هو الطريق الأقصر للتحلل من كثير من الأعباء، وحين يكون رب الأسرة جاهلا بائسا فقيرا ولا يجد ما يعينه على القيام بأعباء الحياة تجاه عائلته، فإنه يسهل عليه التنازل عن كثير من قيمه وأخلاقه من أجل المال، لكن أن تصل إلى درجة أن يبيع ابنته إلى أي عريس طمعا في ماله، ثم يتاجر بهذه العلاقة، التي لا يرى فيها سوى فرصة للحصول على كمشة دنانير يعتبرها ثمنا لشرفه ومستقبل ابنته.. ماذا نقول عن الناس حين يصبحون على هذه الدرجة من الضآلة الإنسانية والضحالة الأخلاقية والفكرية؟ هل يصلح وصف الغابة والأدغال وكائناتها للتعبير عن مثل هؤلاء؟!. ان هذا عجب العجاب حقا!
أنا لا أفهم سر غياب التوجيه الفكري والشرعي للناس، وأتساءل دوما عن غياب المسجد والكنيسة عن مثل هذه الانتكاسات! فالناس يتزودون من العقائد لدعم القيم المثلى، وحين تتوقف منابر التوجيه الشرعي والفكري عن التوجيه فمن الطبيعي أن يتوه البسطاء والبؤساء، ويحيدوا عن السوية والتوازن عند كل أزمة اجتماعية او اقتصادية او أمنية..
قبل أيام حضرت خطبة عن الحفاظ على البيئة، واستهجنت الموضوع بصراحة، وتأسفت على تضييع ساعة من نهاري للاستماع إلى شخص لا يعرف شيئا عن البيئة والعلوم ويقدم لنا تصوره عن الحفاظ على البيئة، بينما كان وما زال سبب ذهابنا إلى المسجد وحضور الخطبة هو تذكيرنا بشيء ينفعنا في يومياتنا الصعبة، التي هي ربما تكون أصعب على غيرنا حتى وإن حازوا المال ومظاهر الثراء الأخرى.. نحن نحتاج إلى تغذية عقولنا وأرواحنا بجديد مفيد او بتذكير لنا ولأبنائنا بالمثل الانسانية العليا التي دعت اليها كل الأديان والحضارات الإنسانية المعروفة، ولعل من أهم ما نتمنى سماعه في المساجد يتعلق بحياتنا الاجتماعية، فالناس كلهم يذهبون للمسجد، ومن المفيد والمؤثر ان يتحدث المتحدث عن أمر يعرفونه جميعا ويتفاعلون معه يوميا، ولهم فيه وجهة نظر ومبادىء يحاولون تربية أطفالهم عليها، فيقودونهم إلى المسجد في ساعة من روحانية واستقرار.
أقترح على وزارة الأوقاف أن تفرد أكبر مساحة من خطب الجمعة للناحية الاجتماعية والتعامل بين الناس، وعلى رأس تلك المواضيع الزواج والطلاق وبناء الأسرة وتوجيه الأبناء والبنات إلى القيم الاجتماعية النبيلة، وتوجيه المجتمع كله إلى التخلي عن كثير من الممارسات الفائضة عن الحاجة والوقت، كالجاهات في الخطبة والزواج وغيرها الكثير، الذي لا يتناسب مع حجم السكان والمعارف والأصدقاء والأقارب، فلم يعد بوسع الرجل ان يحضر 5 جاهات خطوبة في اليوم وعددا من المناسبات الأخرى، ويكلف نفسه وقتا وجهدا في يوم عطلة.. نظامنا الاجتماعي يتعرض للانهيار المتسارع وكذلك قيمه النبيلة ..
اتركوا السياسة قليلا وتحدثوا عن المجتمع الطيب النظيف وذلك ان كنتم تنتمون له وتشعرون بواجب تجاهه وتلمسون أهمية تأثير دور العبادة على مرتاديها.

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/20 الساعة 00:46