بلال التل يكتب: الحلم الزائف
تكشف الأخبار والتقارير المصورة والمكتوبة, القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية, حجم التزيف للصورة المرسومة في مخيال الكثيرين عن قيمة الإنسان, وعن حقوقه المصانة في بلاد العم سام, وكم هو حجم الحرص على سلامة حياته, بدليل الحوار الذي استمر طويلاً هناك في بداية أزمة كورونا للمفاضلة بين سلامة الاقتصاد وحياة الناس, مما سبب بتفشي الوباء ووفاة الآف وإصابة مئات الألآف, بسبب التأخر بالإجراءات في ظل النقاش حول الموازنة بين قيمة المال وقيمة الإنسان.
وقبل أن تنتهي جائحة كورونا جاء قتل المواطن الأمريكي "جورج فلويد" بخنقه على قارعة الطريق من قبل رجل شرطة, لمجرد لون بشرته الأسود, وهي واقعة في سلسلة قتل منظم للشباب السود تمارسه الشرطة الأمريكية, كجزء من ممارسات تتكرر كثيراً في بلد قام على التميز بين الناس على أساس لون بشرتهم, وهو التميز الذي أدى إلى إستئصال الملايين من الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين, والمهاجرين السود, الذين مازالوا يُسقون من كأس الذل بسبب لون بشرتهم الذي يحرمهم حتى من استخدام الحمامات في المرافق العامة.
قتل "فلويد" خنقاً بركبة رجل الشرطة, سبب بإندلاع مظاهرات احتجاج وغضب, في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية, لأسباب كثيرة فبالإضافة إلى التميز العنصري, هناك نسب البطالة المرتفعة, وهناك الفقر, حيث تمت مواجهة هذه الاحتجاجات بعنف غير مسبوق, لم تستخدمه أعتى دكتاتوريات العالم, كان أبسط صوره الضرب الشديد بالهروات والعصي الكهربائية وبالأدوات الحادة, وصولاً إلى الدهس بسيارات الشرطة والدعس بحوافر بغالهم, مروراً بالسحل والنهش بالكلاب, التي كان بعضها يقتل إذا حاول الدفاع عن صاحبه, مما يؤشر على حقيقة الرفق بالحيوان, وصولاً إلى رش المواطنين بالمياه المخلوطة بالفلفل وغير الفلفل, بالإضافة إلى أعتقال الألآف, وهو الاعتقال الذي فتح النقاش حول تواطؤ القضاء الأمريكي واعتماده للأدلة المفبركة, كما في قضية "تلاثي انغولا" التي تم حبس ثلاثة من القادة السود المعترضين على التميز العنصري لسنوات طويلة, على أساس أدلة مفبركة, وقد قضى ثلاثتهم سنوات طويلة في زنزانة منفردة استناداً إلى هذه الفبركة لمجرد أنهم سود.
ومثلما فتح اعتقال المحتجين الجدل حول السجون الأمريكية وما يجري فيها من تميز عنصري وغيره, فقد فتح أيضاً العيون, والجدل حول حجم المراقبة, والملاحقة المعلنة والسرية للحركات الاجتماعية والسياسية, وحركات حقوق الإنسان والتجسس عليها, وتشويه صورتها وتلفيق التهم لها ولقادتها, وكلها ممارسات تكشف الزيف الذي تروجه أدوات غسل الأدمغة عن الحلم الأمريكي وديمقراطيته المزعومة, التي هددت بأستخدام الجيش ضد العُزل بعد أن نهشتهم الكلاب وداستهم بالبغال فهو حلم تُكذبه الوقائع على الأرض, أبتداءاً من القتل الممنهج للشباب السود على يد الشرطة الأمريكية وصولاً إلى قتل الشعوب, وتدمير الدول على يد الجيوش الأمريكية.
انكشاف زيف الحلم الأمريكي هو أول طريق سقوط امبرطوريته، وهذه سنة من سنن تدافع الحضارات.
Bilal.tall@yahoo.com