الأزمة الخليجية.. حسابات الربح والخسارة بعد ثلاث سنوات
مدار الساعة ـ نشر في 2020/06/05 الساعة 10:49
مدار الساعة - مرت ثلاث سنوات على بداية "الأزمة الخليجية" ولا بوادر تلوح في الأفق لحل قريب لها، فماذا خلفت هذه الأزمة من تداعيات على الدول ذات العلاقة؟ وهل هناك أفق حل في المستقبل القريب؟
ثلاث سنوات مرت حتى الآن على الخلاف بين قطر وجاراتها: السعودية والإمارات والبحرين بين قطر ، وهو الخلاف الذي بات يعرف بـالأزمة الخليجية". ثلاث سنوات من الشد والجذب ولا بوادر لحل قريب للأزمة التي يعود تاريخها إلى الخامس من حزيران/يونيو عام2017، حينما قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر واتهمت الأخيرة بدعم جماعات إسلامية متطرفة والتقرب من إيران، الأمر الذي نفته الدوحة.
بدأت الأزمة بعد وقت قصير على تعرّض موقع وكالة الأنباء الرسمية القطرية الإلكتروني "لعملية اختراق في أيار/مايو 2017 من جهة غير معروفة"، بحسب ما قالت السلطات القطرية. وتم نشر تصريحات عليها نُسبت لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد. وتطرقت هذه التصريحات التي نفت الدوحة أن تكون صادرة عن أمير البلاد، إلى مواضيع تتعلق بايران وحزب الله وحركة حماس. وقامت وسائل إعلام خليجية بنشرها رغم نفي الدوحة علاقتها بها وقالت إنها فتحت تحقيقا فيها. وبدأ وسم "#قطع_العلاقات_ مع_قطر" ينتشر على "تويتر".
بعد ذلك بشهر، قامت السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية وحركة النقل مع قطر. وتقدّمت الدول الأربع في حزيران/يونيو 2017 بلائحة من13 مطلبا كشرط لإعادة العلاقات مع الدوحة، وتضمّنت هذه المطالب ـ حسب وسائل إعلام ـ إغلاق القاعدة العسكرية التركية الموجودة على الأراضي القطرية، وخفض العلاقات مع إيران، وإغلاق قناة "الجزيرة". من جهتها رفضت قطر الانصياع لشروط الدول الأربع واعتبرت هذه المطالب تمس سيادتها.
في أواخر العام الماضي تعثرت محادثات رامية إلى وضع حد للخلاف عقب جهود دبلوماسية أظهرت بواد انفراجة تمثلت في مشاركة السعودية والإمارات والبحرين في بطولة كأس الخليج لكرة القدم التي استضافتها قطر، لكن بقيت الأمور عند هذا الحد.
خسارة "كتلة إقليمية"
خلال السنوات الماضية تكبدت قطر خسائر اقتصادية كبيرة تمثلت في انخفاض أسعار العقارات وخسائر طالت شركة طيرانها الوطنية، كما فقدت مصادر هامة للغذاء والمواد الأولية، كانت تحصل عليها من الدول التي قامت بمقاطعتها. ولم تقف الأزمة عند حد قطع الدول الأربع لعلاقاتها السياسية مع قطر، حيث نتجت أيضاً تأثيرات اجتماعية واقتصادية أخرى عن الأزمة السياسية. إذ أدى الانشقاق الإقليمي لتشتت العديد من الأسر وارتفاع تكلفة الأعمال التجارية بعدما فرضت السعودية والدول الحليفة لها مقاطعة اقتصادية على قطر منعت طائراتها من عبور أجوائها.
وكالة بلومبيرغ الأمريكية ومجلة "إيكونومست" البريطانية تحدثتا في تقارير سابقة لهما عن خسائر مالية جسيمة أيضا طالت كلا من الإمارات والسعودية جراء المقاطعة، فبحسب ما نشرته الوكالة والمجلة فإن القطريين كانوا من كبار المستثمرين في العقارات بالإمارات، كما أن السعودية فقدت السوق القطري كمركز لبيع منتجاتها كالأغذية ومنتجات الألبان بخلاف سوق الإعمار والبناء.
وعلى مستوى العلاقات الدبلوماسية، غاب أمير قطرعن مؤتمرات قمة دول مجلس التعاون الخليجي منذ فرض الحصار الاقتصادي في حزيران/يونيو 2017، على الرغم من تلقيه دعوات للحضور آخرها كانت من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. كما سرت مؤخراً شائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول نيّة الدوحة الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، وهو ما نفته وزارة الخارجية القطرية
وبعيدا عن الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، يرى دكتور علاء الحمارنة، الخبير المختص في شؤون العالم العربي في حواره معDW عربية أن الخسارة التي تكبدتها دول الخليج هي "خسارة معنوية" بالدرجة الأولى والمتمثلة في "خسارة الشعور بالوحدة وانطباع المصير المشترك الذي كان يمنحه مجلس التعاون الخليجي للدول المنضوية تحت سقفه. وعلى سبيل المثال فقد كان الحديث قبل الأزمة عن عملة مشتركة وبنك مركزي موحد لهذه الدول رغم اعتراضات البعض لكن النقاشات كانت تدور نحو اندماج أكبر لهذه الدول الست ضمن منضومة إقليمية مشتركة (..). الخسارة الأساسية لهذه الدول هي خسارتها كتلة إقليمية كانت تجمعها في إطار علاقتها الدولية والإقليمية كانت تدعى مجلس التعاون الخليجي".
التداعيات أبعد من حسابات الربح والخسارة
ويعتقد الحمارنة أن التقارب التاريخي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين دول الخليج لم يكن كافيا وأن الأزمة الخليجية أظهرت أن الكلمة الأخيرة تبقى للمصالح السياسية بغض النظر عن الربح والخسارة: “أظن أن حسابات الربح والخسارة في القضايا السياسية على مستوى الدول ليس مطروحا بهذا الشكل البسيط بالتأكيد هناك خسارة وربح لكل دولة في هذه الأزمة... لكن الخسارة الأكبر يتكبدها الناس في هذه الدول".
اقتصاد قطر أكثر مرونة
على الرغم من الصدمة الأولى بعد اندلاع الأزمة، أثبت اقتصاد قطر أنه أكثر مرونة من منافسيه الخليجيين مع توقع صندوق النقد الدولي أن تكون الإمارة الخليجية واحدة من الدول القليلة في العالم التي ستحقق فائضا في الميزانية في عام 2020. وبحسب صندوق النقد الدولي ، استمر اقتصاد قطر في النمو. وفي كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، قامت وكالة التصنيف العالمية S&P بتصحيح التوقعات لقطر من سلبية إلى مستقرة. وبسبب المقاطعة أخذت قطر تولي القطاع الزراعي أهمية كبيرة. وحسب تقرير سابق للموقع الإلكتروني المعني بالسياسة في الشرق الأوسط "المونيتور" نجحت قطر في احتواء تداعيات المقاطعة على اقتصادها على عكس السعودية والإمارات. وهذه الأخيرة تعاني من ركود حاد في سوق العقارات وارتفاع مديونيتها وتراجع أسعار النفط، وهو نفس التحدي الذي تواجهه الرياض.
جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط
في مقال له نشر على موقع صحيفة "الإندبندنت" البريطالنية بتاريخ 6 أيار/ مايو 2020، تناول أحمد أبو دوح التغيير الذي قد تخلفه جائحة فيروس كورونا على السياسة في الخليج ودفعها بالعلاقات بين كل من السعودية وقطر إلى تقارب محتمل. وكتب:"على الرغم من أن العقبات الرئيسية لا تزال في طريق ذوبان الجليد الحقيقي، إلا أن فشل المقاطعة في إركاع قطر، والحاجة الملحة لإعادة تشكيل دور الملوك الخليجيين في المستقبل لاعتماد الاتجاهات الاقتصادية والجيوسياسية الجديدة، على الأرجح ستنهي العداء".
من جانبه قال دانيال غيرلاخ، رئيس تحرير مجلة "زينيت" (zenith) الألمانية حول الشرق الأوسط في حواره مع DW أن هناك ضغطاً اقتصادياً يمارسه انخفاض أسعار النفط وأزمة وباء كورونا على المنطقة. لا يمكن تحمل المنافسات بعد الآن. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، سيتم انتخاب الرئيس الأمريكي المقبل في غضون ستة أشهر. وستتغير سياسة ترامب الودية تجاه السعودية، وقد يتغير معها هذا كله من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. غير أن الحمارنة يستبعد أن تغير أزمة كورونا الحالية والأزمة الاقتصادية من موقف دول الخليج.
إيمان ملوك/كريستن كنيب
مدار الساعة ـ نشر في 2020/06/05 الساعة 10:49