الشباب والنخبة والعرس عند الجيران ..
نؤرخ حتى الورقة الملكية النقاشية الخامسة كان الوضع حولها مقبولا، فالحوارات تنطلق راشدة وعاصفة مع كل ورقة نقاشية آنذاك، وعلى الرغم من الاهتمام الاعلامي الوطني الذي تبديه وسائل الإعلام الوطنية المعروفة، إلا أن الاهتمام يخبو، وليس مرد هذا تقصيرا من جهة شعبية، على العكس تماما؛ فالناس أكثر ما يهتمون به في مثل هذه الظروف وقبلها، هو ما يصدر عن جلالة الملك من موقف أو فعل أو تصريح، فهو محل ثقتهم وهو ملهمهم في توضيح السياسة الأردنية وأهدافها البعيدة والقريبة، وخصوصا على صعيد الأوراق النقاشية الملكية، التي جاءت لإثارة وتوجيه الحوار العام، وليس فيها أية صفة دستورية أو إلزام.. لكن ثقة الناس بالملك هي التي تجعلهم يهتمون بهذه الأوراق النقاشية..
لكن الناس العاديين ليسوا بمختصين ولا نخب ولا مطلوب منهم التنوير وقيادة الرأي العام !
أعني أن التقصير من النخبة ومن بعض القوى الفاعلة في المجتمع، وهناك تقصير يعبر عن خلل في منظومة العمل الشبابي، وهو أهم رافد وساحة للحوار العام، بل إن الدولة الأردنية وصاحب القرار فيها جلالة الملك، يخاطبان الشباب بالدرجة الأولى بشأن التغيير والمستقبل، ولا أعتقد بأن التوجيهات الملكية العامة تخلو من إشارة إلى دور الشباب وأهميته، لكن ما الذي يجري؟ ولماذا لا تقوم هذه الجهات بدورها؟
النخبة تعيش حالة من حذر، قد لا يبدو مفهوما للعامة ولبعض المسؤولين، وسبب الحذر كما أفهمه وأتلقى فيه معلومات وألتقط إشارات، هي الحالة التي نعرفها في الصراعات النخبوية وصراع الأجندات، التي قد تكون حالة صحية ان رشدت ورغبت مصلحة الوطن، لكنها ذميمة حين يصدق شعور بعض الجهات بالإقصاء والتهميش بل وشعورهم بأنهم مستهدفون في هذه المرحلة !، لذلك فهم لم يظهروا بتلك الحماسة التي نعرفها عنهم حين قرأنا الورقة النقاشية السادسة، وها نحن نلحظ هذه الحالة بشأن الورقة السابعة !
الشباب؛ منظومة تعرضت لما يشبه التغييب المتعمد، الذي يقع في باب القرصنة، ولا أتحدث هنا عن المواقع القيادية ولا الحكومية، بل أتحدث عن جذر قانون هذه المنظومة ومظلة عملها المؤسسي، أعني المجلس الأعلى للشباب؛ الذي غاب غيابا مؤسفا في مرحلة حساسة للغاية، ومعه غاب الفعل والنشاط والتأثير والانتشار، وقد سبق لنا أن كتبنا في هذه الزاوية عن هذا الغياب، ونكتب الآن كذلك، لكننا لا نخوض بتفاصيل لأنها تحتاج مساحة للكتابة وللآراء المتناقضة حول هذا الغياب الذي يراه بعضهم بأنه تغييبا قسريا!
في موضوع الأوراق النقاشية الملكية، كان الدور الأبرز للشباب، وممثلياتهم التي تحتك بالمجلس الأعلى للشباب القديم وأذرعة الكثيرة في المملكة، وثمة إحصائية لا أريد الكتابة عنها تفصيلا، لكنها توضح حجم النشاطات التي كان المجلس يقوم بها حول كل ورقة نقاشية ملكية، وهي أرقام كما قلنا وليست استنتاجات وتحليلات، بل إنها تعبر عن حجم العمل المؤسسي المختص الذي كان يقوم به المجلس المغيّب في السنوات الأخيرة وأصبح بيت خبرة، ولعل هذا هو أهم سؤال يجب الإجابة عليه من النخبة ومن القطاعات الشبابية، حول استبعاد أو تغييب أو غياب الفعل الشبابي، فهو الفعل الحصري الأكثر تأثيرا ويمكن اعتباره نقطة ارتكاز الرأي العام، وهذه قصة أخرى، لا يلحظ غيابها سوى المستفيد منها أو المختص الذي تم إقصاؤه عن مثل هذه النشاطات الشبابية، ومن باب الإلهام للمتعطلين عن العمل الفكري النخبوي: «خذولكوا هالفكرة» الغائبة عن الاهتمام ( إن العمل الشبابي كان نقطة ارتكاز الرأي العام قبل أن تختفي نشاطات المجلس الأعلى ويختفي معه العمل الشبابي).. دققوا النظر تفهموا ما أعني.
آلاف من ورش العمل والفعاليات السياسية والثقافية والعملية التطوعية تنطلق بمؤسسية وبرامج واضحة، على خلفية كل ورقة نقاشية، وكانت الفرصة سانحة وربما يتيمة، لتوسيع القاعدة الشبابية الفاعلة لو تم مثل هذا العمل او استمر، حين تم طرح الورقة النقاشية السادسة التي تتيح المجال لكل الناس أن يشاركوا، فهي حسب رأيي أكثر ورقة مثيرة وفاتحة لشهية الحوار والتشارك والعصف الذهني.. كانت فرصة واضاعوها «رجالة الله».
لدينا اليوم ورقة نقاشية سابعة على درجة من الأهمية وهي وعاء مناسب لحوار شبابي بالدرجة الأولى، فهي تتعلق بهم أكثر من غيرهم، وهم من يجب أن يبادروا إلى حمل مضامينها الوطنية الكبيرة، وتوصيلها إلى جميع الناس، ثم الخروج بتلك القناعة التي عبر عنها جلالة الملك بضرورة إجراء التغيير على نظامنا التعليمي..قلنا نظامنا التعليمي وليس منهاج العربي والدين كما يطيب للعقول القاصرة الفهم والتنظير، فالنظام التعليمي العصري،هو مطلب أردني استراتيجي على درجة من الاستحقاق، علاوة على أنه حتمية إنسانية حضارية ووجودية لدى كل الشعوب التي تهتم بمستقبلها وتبنيه بسواعد وأفكار أبنائها..
قد يقول قائل بأنه تقييم مبكر لقياس اهتمام النخبة والشباب، ربما نعم، لكن ثمة بوادر واضحة، تعبر عن الانكفاء أو توجيه الحديث وقيادة الرأي العام إلى غير مقاصد جلالته في ورقته النقاشية السابعة.
هي فرصة ونوايا أكيدة لتوجهات الدولة القوية للتغيير والإصلاح، فلا تقتلوها او تقودوها إلى غير مراميها الوطنية الكبيرة، وأكرموا الشباب وأعيدوهم من هذا الغياب.
الدستور