أردوغان يكسب من جديد.. دلالات وتداعيات
إذا كانت هناك من دلالة تستوقف المرء بعيدا عن التحليلات التقليدية حول استفتاء تركيا، فهي تأكيد المعركة على أن أردوغان مقاتل عنيد، لا يتردد في خوض معاركه على حد السكين. تبدا ذلك يوم الانقلاب، كما تبدا بقراره إجراء استفتاء لم يتردد أحد في وصفه بالمغامرة.
أسابيع وأردوغان يطوف البلاد طولا وعرضا، يخطب بالساعات من أجل إقناع المترددين، بمن فيهم أناس من داخل حزبه بالتصويت بنعم لصالح التعديلات، وفي النهاية ينجح في تجاوز المعركة، وإن بنسبة بسيطة، وليغدو رصيده خلال 15 عاما؛ الفوز في 10 انتخابات و3 استفتاءات.
مؤكد أن الأرقام ذات دلالة على وجود انقسام في المجتمع، ولكن من قال إن قرارات من هذا اللون يمكن أن تمر بسهولة، ولماذا كان على العالم أن ينظر باحترام لاستفتاء بريطانيا بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، مع أن نتيجته لم تتجاوز نتيجة انتخابات تركيا سوى بنصف في المئة؟!
الحديث عن وجود انقسام في المجتمع التركي ليس جديدا بحال، ولو كان النجاح وحده هو ما يحدد مواقف الناس، لكان على حزب العدالة والتنمية أن يحصل في جولات الانتخابات الماضية على نسبة أعلى بكثير مما حصل عليه، وحيث لم يصل في أي مرة خمسين في المئة (الأخيرة 49.5%).
الحساسيات العرقية والمذهبية لا يلجمها شيء، فضلا عن الحساسيات الحزبية والأيديولوجية، وقد لاحظ كثيرون مثلا أن موقف رئيس حزب الحركة القومية المؤيد للتعديلات الدستورية، لم ينسحب على عناصر الحزب، وبالطبع نظرا لأن الانتصار هو بالنسبة إليهم انتصار لحزب منافس، بصرف النظر عن الموقف من التعديلات.
أيا يكن الأمر، فقد مرّ الاستفتاء، وخرج أردوغان بنصر جديد، وصلاحيات واسعة، لكن البلد لم يتجاوز أزماته بعد، ليس فقط بسبب تراجع الاقتصاد، خلافا لمسيرة الحزب قبل الأعوام القليلة الأخيرة إثر تداعيات الأزمة السورية، والأهم الانقلاب، بل أيضا في ظل أزمات الإقليم التي تعصف بكل دوله، وتلقي بظلالها على تركيا، وكذلك في ظل الانقسام الداخلي.
ليست تركيا وحدها التي تعاني من انقسامات، لكن تركيا هي أكثر من يواجه المؤامرات، والهجوم الغربي على أردوغان دليل على ذلك، والدعم الذي يحظى به الأكراد دليل آخر. أضف إلى ذلك المشكلة مع أحلام المحافظين في إيران، وقبل ذلك وبعده المشاكل الكبرى في الجوار السوري والعراقي، وإن جاءت تبعا للمعضلة مع إيران.
على أن تركيا ليست وحدها التي تعاني من الأزمات، فأزمة إيران أكبر بكثير في ظل نزيفها السوري واليمني والعراقي، فضلا عن انقسامات الداخل التي قد تتعزز بعد انتخابات الشهر المقبل. وروسيا في أزمة كبرى في سوريا؛ ومع ترامب والوضع الاقتصادي. وأوروبا في أزمة بعد خروج بريطانيا، والأزمات الداخلية المختلفة. وأمريكا في أزمة أيضا مع رئيس متهور لا أحد يمكنه التنبؤ بما يفعل. والصين وروسيا في أزمة أيضا مع الرئيس الأمريكي ذاته، والنتيجة أننا إزاء فوضى في المشهد الدولي، وأخرى في المشهد الإقليمي، ولا شك أن قوة أردوغان في ظل نظام رئاسي ستمنحه فرصة التفاوض مع الجميع بقوة، لا سيما أنه بات أكثر قوة أصلا بعد الانقلاب عبر سيطرة أفضل على الجيش والأمن، ما لم تحدث مفاجآت جديدة في ظل تآمر لا يتوقف، لكنه سيحتاج إلى كثير من الحكمة، وقليل من الخطابة، كي يتجاوز الأزمات الراهنة.
من تابع ردود فعل الأوروبيين على نتيجة الاستفتاء، وكذلك ردة الفعل الإيرانية المحبطة أيضا، يدرك أن النتيجة تعني قوة للرجل، وقوة لتركيا، أكثر من أي شيء آخر، ولا قيمة هنا لمواعظ الديمقراطية والدكتاتورية، اللهم إلا إذا صدقنا أن محافظي إيران معنيون بها، أو أن قادة أوروبا الذين يعانقون قادة دول لا تعرف الصناديق أصلا، يعيشون هواجس “دمقرطة” العالم الإسلامي.
الدستور