عامر جلول يكتب: الثورة تأكل ابناءها

مدار الساعة ـ نشر في 2020/05/30 الساعة 20:36
كتب: عامر جلول - لبنان

في سنة 1794 أُعدم دانتون الزعيم الثوري الفرنسي وهو محامٍ وخطيب بارع من زعماء الثورة الفرنسية, وهو على المقصلة قال كلمته الشهيرة " الثورة تأكل ابناءها", و لقد تنبأ لأحد أصدقائه الذين أعدموه أن يتم إعدامه وهذا ما حصل فعلاً بعد 4 أشهر تقريباً, فلقد تم إعدام دانتون لاتهامه بالخيانة وهو من الثوار الفرنسيين الأوائل الذين دعوا الى الثورة, وطبعاً هناك الكثير من الأمثلة التي تدل على أن الثورات تؤدي صاحبها إلى القتل والتهلكة إن لم تكن الثورة قائمة على مبادئ وقيم جوهرية, فعلى سبيل المثال أيضاً أبو مسلم الخرساني والذي يعتبر الرجل الأول في الثورة العباسية على دولة الأمويين بعد إبراهيم الإمام مؤسس الدولة, إلا أنه عندما وصل أبو جعفر المنصور إلى الخلافة أمر باعدامه طبعا هناك عدة أسباب لاعدامه منها تشكيل خطر على إمامة بني العباس وشتمه لأبي جعفر المنصور عدة مرات وعدم اكتراثه لتوليه منصب الخلافة ولكن هذا ليس موضوعنا الان. أصدقاء في السياسة اعداء في الرئاسة لقد أشتهر أحمد شوقي الشاعر في مقولاته الشهيرة وقصائده, ولكن الأكثر تعبيراً في الحياة السياسية هي جملته التي قال فيها (أصدقاء في السياسة اعداء في الرئاسة) وهذه المقولة موجهة إلى من يعمل في الشأن العام أو في السياسة تحديداً, ففي البداية يكونون أصدقاء ولكن ما يلبثون أن يصبحوا اعداء عندما تقترب قضية المناصب وتولي الحقائب وكذلك الحال في الثورات والانتفاضات الشعبية. منذ اندلاع الثور في 17 تشرين والوضع السياسي في لبنان من تعقيدٍ إلى آخر, طبعاً إن التعقيد السياسي مرتبط تماماً بالتدهور الإقتصادي والوضع المالي والنقدي ووصول الدولار إلى ٤,٢٥٠ تقريباً, ولكن الأكثر تعقيداً هو الحالة الثورية والمجموعات التي نشأت بعد إندلاع الثورة وهي بالمئات, البعض منها متفق على عناوين عريضة دون الدخول في التفاصيل وآليات التنفيذ والبعض الآخر الذي له توجهاته الخاصة التي لا ترتبط بأهداف الثورة وهي أقرب إلى أن تكون توجهات حزبية وهي جزء من السلطة الحالية. إن أولى عمليات الإصلاح تبدأ بالنقد الذاتي, واليوم على الثوار أن يبدأوا بالنقد الذاتي حتى يستطيعوا الخروج من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه وهو التشتت الحاصل وعدم النضج الفكري والتنظيمي واستعمال التكتيك نفسه منذ بداية الثورة يقول الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل أن الإنسان أسير مجتمعه وتاريخه, من هذه المقولة علينا أن نعي أن أحد اخطاء الثوار القاتلة في كل الثورات مثل الفرنسية والجزائرية والسورية هي إتهام بعضهم البعض بالخيانة والتسلق وهذا يعود لعدم إدراك طبيعة الإنسان الاجتماعية التي تحتم عليه عدم انسلاخه عن ارتباطه السياسي والفكري في لحظة واحدة وهي عملية تراكم واجتهاد فكري للتخلص من الموروثات المترسخة في عقله و تحتاج إلى وقت ليس بقصير, ففي لبنان إن معظم الذين نزلوا إلى الساحات كانوا أما مناصرين أو متحزبين والخطوة التي أقدموا عليها في النزول ومواجهة أحزابهم هي خطوة جبارة وتحتاج إلى الدعم وتفهم مواقفهم لا اتهامهم بالتخوين وإطلاق الشائعات من هنا وهناك,وعلى المقلب الأخر فإن الثورة بدأت بشكل عفوي غير منظم مثل حركة الشتاء, فإن الأمطار تتهاطل على الأرض وبعد فترة تشكل في الأرض مسار للمياه وهذا يكون بداية تشكيل النهر, كذلك الثورة فهي بعد فترة لا بد من تشكيل قيادة ورؤية واضحة من أجل طرح البديل الفعلي وهذا ما لم يحصل حتى الآن. الثورة دون مبادئ جسد دون روح يقول محمد إقبال " إني لا اخاف من اعداء الإسلام بقدر ما اخاف على المسلمين من أنفسهم" , إن نظرنا وقرأنا التاريخ بشكل فعلي وقمنا بإسقاط مقولة محمد إقبال على الحالة الثورية, فيصبح أنه الخوف ليس من اعداء الثورة بقدر ما يكون الخوف من الثوار أنفسهم, فإن الثورات التي لا تقوم على مبادئ وقيم انسانية وأخلاقية فهي زائلة ولو بعد حين لا بل سوف يتقاتل أصحابها وتعيد السلطة الفاسدة إنتاج نفسها بنفسها, فإن الثورة هي حركة أخلاقية وقيم في المقام الأول, وعلى أصحابها والذين قاموا بها أن يضعوا قيم جامعة بحيث تتحول إلى حركة فكرية لا تنتهي بل هي متجددة في كل زمان ومكان يكثر فيه الفساد, فتكون الثورة بهذه الطريقة متجددة تلقائياً وتختار الأخيار لقيادتها وأصحاب الرؤية لا المتسلقين, فإن الثورة في لبنان حتى تكمل مسارها الصحيح لا بد لها أن تضع معايير معينة تقوم على المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية التي تؤدي في نهاية المطاف الى إنتاج مجتمع يعيشه فيه الجميع في عدالة إجتماعية وإنسانية وتتجهز إلى أول امتحان حقيقي وهو إنتخابات 2022 حيث يكون ثمار ما جنته تلك الثورة.
  • قائمة
  • مال
  • عناوين
  • نعي
  • لحظة
  • لب
  • إسلام
مدار الساعة ـ نشر في 2020/05/30 الساعة 20:36