عن بدو الأردن.. هل تبخر الأردنيون ولم يعودوا قادرين على التأقلم مع الدولة
مدار الساعة - كتـب: بلال حسن التل
تظهر بين الحين والآخر كتابات، يزعم أصحابها أن الأردنيين تبخروا، ويزعمون بأن بدو الأردن قد تلاشوا، للتدليل على أن الأردنيين تبخروا، وأن سبب تلاشي بدو الأردن هو عدم قدرتهم على التأقلم مع الدولة، وهو زعم يتناقض مع الكثير من الحقائق، أولاها أن الأردنيين تاريخياً هم مزيج من البدو والفلاحين والحضر، وهذه المكونات الثلاثة ما زالت حاضرة بقوة في تركيبة الأردن السكانيّة، التي تؤكد أن الأردنيين ينتشرون فوق تراب وطنهم، من الهضبة إلى العقبة، ومن الشريعة إلى آخر حبة رمل في صحرائهم الشرقية، لكن الأردنيين غير متعصبين، ولا اقليميين، لذلك يفتحون قلوبهم ووطنهم للجميع، ترجمة لمنظومة القيم التي تربوا عليها كعرب أقحاح، ولكن عندما فريق يحاول التمادي على هويتهم، والتمدد على مساحة أكبر من المساحة التي سمحوا هم بها له، يتحولون إلى كتلة غضب دفاعاً عن وطنهم وهويتهم ودولتهم، والأدلة على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى، وكلها تقول إنه مهما توهم البعض بأن الهوية الوطنيّة الأردنيّة تلاشت فإنها في المواقف المفصلية تبرز بحدَّة.
أما الزعم بأن بدو الأردن قد تلاشوا لأنهم لم يستطيعوا التأقلم مع الدولة، فهو زعم أقرب ما يكون إلى القول بأن الشمس تشرق من المغرب، فمن لا يرى من الغربال أعمى، فبدو الأردن جزء لا يتجزأ من الدولة الأردنية، بل عصب أساسي فيها، ومكون رئيس من مكونات قوتها بشقيها الناعم والخشن، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر أن رئيس مجلس الأمة فيصل الفايز ووزير الداخلية سلامة حماد ووزير الدولة للشؤون القانونيّة مبارك ابو يامين ووزير الأشغال العامة فلاح العموش ووزير الأوقاف محمد الخلايلة ووزير الشباب فارس بريزات هم من بني صخر ومن عباد وبني حسن وبني حميدة وكلها من خيرة القبائل البدوية الاردنيه، وهذه أسماء للاستشهاد فقط، فعلى أرض الواقع لا تخلو مؤسسة مدنية أو عسكرية في السلطات الدستورية الثلاث للدولة الأردنيّة من كفاءات أبناء القبائل والعشائر البدويّة الأردنيّة العريقة، التي لم تتأقلم مع الدولة فقط، بل صارت عموداً أساسيّاً من أعمدتها، وركناً ركيناً من أركانها، وكذلك جزءاً لا يتجزأ من مجتمعها الاهلي في الأحزاب والنقابات والجمعيات، دون أن تفقد هذه القبائل والعشائر خصوصيتها ولحمتها الاجتماعية وتقاليدها وقيمها البدوية الأصيلة، لذلك نقول إن اختزال البداوة بالترحال هو جهل، خاصة في التاريخ العربي، فكثيرة هي القبائل العربية التي استقرت عبر التاريخ وأشادت ممالك، لكنها ظلت محتفظة بقيمتها البدوية، وتاريخ الأردن أكبر دليل على هذه الحقيقة التاريخيّة، فعلى أرض الأردن قامت ودالت دول وظلت قبائل بدوه خالدة فيه خلود تاريخه.