حكاية مغربية: تصفية حساب مع الثمانينيات
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/18 الساعة 00:07
ي روايته الجديدة "حكاية مغربية" الصادرة حديثاً عن "المركز الثقافي العربي"، يواصل الروائي المغربي البشير الدّامون في اختيارات سردية تحمل السمات نفسها؛ عبر استمراره في تتبع قصص ومصائر نساء معذبات في الأحياء الشعبية لمدينة تطوان مسقط رأسه.
أوّل ما يمكن البدء به عندما يتعلق الأمر بخصائص السّرد لدى صاحب "سرير الأسرار" هو عنايته الفائقة بالماضي، وحرصه على تحديد فضاءات قصصه. تطوان مسقط رأسه تصبح حقلا خصبا وملهما لأغلب رواياته، وتصبح الأنثى ساردة وبطلة بعدما قمعها المجتمع وكتم صوتها.
وبالإضافة إلى ظل الأنثى الطاغي على أعماله نجد التاريخ البعيد أيضاً وهو عنصر يمكن أن نرجع إليه الكثير من تفاصيل السرد في أعمال الكاتب، خصوصا في عمليه السابقين "أرض المدامع" و"هديل سيّدة حرّة".
تستمر لعبة السرد على لسان الأنثى، فبعد "سرير الأسرار" (2008) التي رواها الكاتب على لسان فتاة ولدت في بيت دعارة، وامتدت حكايتها في "أرض المدامع" (2012)، استمر حضور المرأة في "هديل سيدة حرّة" عن المرأة التي حكمت شمال المغرب.
وفي "حكاية مغربية" يختار "أسماء" الفتاة التّطوانية لسرد حكاية أخرى، يعود الكاتب عبرها إلى سنوات الثمانينيات في شمال المغرب، هو تاريخ تردّد في "سرير الأسرار" أيضا، سنوات الثورة والاعتقالات، ومن ضمن هذه الأحداث يستلّ قصة أخرى من ماضي المرأة المغربية.
تأخذنا الرواية إلى الاحتجاجات التي شهدتها مدينة تطوان وما صاحبها من فوضى ونهب... في أحد الأزقة سيرغم بعض المحتجّين حسن الأخ الأصغر لأسماء على فتح خزانة حديدية نهبوها من بنك، بعدما علموا أنه يشتغل بالحدادة.
سيذعن حسن حفاظاً على حياته، لكنه لم يكن يعلم أن موافقته على فتح الخزنة كانت تعني رسم مسار معذّب لباقي أفراد أسرته المعوزة، فيدخل السجن بمنطق العقاب الجماعي الذي طاول الناس آنذاك. أسماء الفتاة الفقيرة كانت تريد إنقاذ شقيقها، لكن لم يكن لديها شيء تقدمه غير جسدها، يستغلها قاض فاسد دون أن يفي بوعده في إصدار حكم يبرئ أخاها. وهكذا تتقاذفها الأقدار وتعمل في تهريب المخدرات حتى ينتهي بها الأمر في النهاية داخل مصحة نفسية، ومن هناك تعيد اكتشاف روحها التي فقدتها.
الرواية تعرّج على مغرب الثمانينيات بكل تفاصيله؛ ظلم وفساد وانسداد في الأفق، فترة ما زالت تبعاتها تلقي بظلالها على الناس، هو تاريخ يوَدّ الجميع نسيانه.. لكن ليس قبل التصالح معه! وكما في أعماله السابقة، يقترب الدّامون من هذا التاريخ، بلغة سردية هادئة لا تغرق في الذكريات المرّة، لغة تقع في منطقة وسطى بين الاعتراف وتحرير الضّمير من الذكريات المزعجة.
روايات البشير الدّامون هي حكايات تخضع لعوالم سردية لا تُغرق في التفاصيل، ولا تستغرق في السرد من أجل السرد، بل تقدّم سردا ينشد الحكاية ويستنطق أحداثها؛ ويصير المحكي طريقا مختصرا لجوهر القصة. وتصير الكتابة تصفية حسابات مع الماضي.
العربي الجديد
أوّل ما يمكن البدء به عندما يتعلق الأمر بخصائص السّرد لدى صاحب "سرير الأسرار" هو عنايته الفائقة بالماضي، وحرصه على تحديد فضاءات قصصه. تطوان مسقط رأسه تصبح حقلا خصبا وملهما لأغلب رواياته، وتصبح الأنثى ساردة وبطلة بعدما قمعها المجتمع وكتم صوتها.
وبالإضافة إلى ظل الأنثى الطاغي على أعماله نجد التاريخ البعيد أيضاً وهو عنصر يمكن أن نرجع إليه الكثير من تفاصيل السرد في أعمال الكاتب، خصوصا في عمليه السابقين "أرض المدامع" و"هديل سيّدة حرّة".
تستمر لعبة السرد على لسان الأنثى، فبعد "سرير الأسرار" (2008) التي رواها الكاتب على لسان فتاة ولدت في بيت دعارة، وامتدت حكايتها في "أرض المدامع" (2012)، استمر حضور المرأة في "هديل سيدة حرّة" عن المرأة التي حكمت شمال المغرب.
وفي "حكاية مغربية" يختار "أسماء" الفتاة التّطوانية لسرد حكاية أخرى، يعود الكاتب عبرها إلى سنوات الثمانينيات في شمال المغرب، هو تاريخ تردّد في "سرير الأسرار" أيضا، سنوات الثورة والاعتقالات، ومن ضمن هذه الأحداث يستلّ قصة أخرى من ماضي المرأة المغربية.
تأخذنا الرواية إلى الاحتجاجات التي شهدتها مدينة تطوان وما صاحبها من فوضى ونهب... في أحد الأزقة سيرغم بعض المحتجّين حسن الأخ الأصغر لأسماء على فتح خزانة حديدية نهبوها من بنك، بعدما علموا أنه يشتغل بالحدادة.
سيذعن حسن حفاظاً على حياته، لكنه لم يكن يعلم أن موافقته على فتح الخزنة كانت تعني رسم مسار معذّب لباقي أفراد أسرته المعوزة، فيدخل السجن بمنطق العقاب الجماعي الذي طاول الناس آنذاك. أسماء الفتاة الفقيرة كانت تريد إنقاذ شقيقها، لكن لم يكن لديها شيء تقدمه غير جسدها، يستغلها قاض فاسد دون أن يفي بوعده في إصدار حكم يبرئ أخاها. وهكذا تتقاذفها الأقدار وتعمل في تهريب المخدرات حتى ينتهي بها الأمر في النهاية داخل مصحة نفسية، ومن هناك تعيد اكتشاف روحها التي فقدتها.
الرواية تعرّج على مغرب الثمانينيات بكل تفاصيله؛ ظلم وفساد وانسداد في الأفق، فترة ما زالت تبعاتها تلقي بظلالها على الناس، هو تاريخ يوَدّ الجميع نسيانه.. لكن ليس قبل التصالح معه! وكما في أعماله السابقة، يقترب الدّامون من هذا التاريخ، بلغة سردية هادئة لا تغرق في الذكريات المرّة، لغة تقع في منطقة وسطى بين الاعتراف وتحرير الضّمير من الذكريات المزعجة.
روايات البشير الدّامون هي حكايات تخضع لعوالم سردية لا تُغرق في التفاصيل، ولا تستغرق في السرد من أجل السرد، بل تقدّم سردا ينشد الحكاية ويستنطق أحداثها؛ ويصير المحكي طريقا مختصرا لجوهر القصة. وتصير الكتابة تصفية حسابات مع الماضي.
العربي الجديد
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/18 الساعة 00:07