الجبور يكتب: الكورونا.. هل من فوائد
مدار الساعة ـ نشر في 2020/05/11 الساعة 15:15
بقلم الدكتور المهندس غازي الجبور
فايروس كورونا بلا شك وباء غيّر حياتنا وشكّل أزمة يومية على غير المعتاد، ومهما كانت الأزمة مأساوية فإن لها جوانب ايجابية كثيرة؛ فلا نستغرب أن الجانب البيئي قد تحسن على مستوى العالم أجمع، حيث كشفت دراسة لجامعة لوند السويدية أن انبعاثات الكربون الناجمة عن قطاع النقل قد انخفضت بنسبة 23% من مجموع الانبعاثات في العالم وذلك نتيجة لقلة أو توقف استخدام السيارات والطائرات اللذان يشكلان ما نسبته 72% و11% على الترتيب من الانبعاثات الناتجة عن قطاع النقل.
وفي ولاية نيويورك الأمريكية انخفض استخدام السيارات بنسبة 35% وبالتالي انبعاث مونوكسايد الكربون بنسبة 50% وذلك حسب ما جاء في دراسة جامعة كولومبيا في الربع الأول من هذا العام، أما في الصين فقد انخفض انبعاث الغازات بنسبة 25% منذ بداية هذا العام ولغاية الآن، وفيما يتعلق بالفحم الحجري فقد تقلص استخدامه بنسبة 40% في أضخم ست محطات لتوليد الطاقة، وكنتيجة لذلك زادت نسبة الهواء النقي بنسبة 11.4% في 337 مدينة صينية وفقاً لوزارة البيئة الصينية، كما أظهرت الأقمار الصناعية تلاشياً كبيرا لأكسيد النتروجين فوق كل من بريطانيا وإسبانيا وشمال إيطاليا.
أما بالنسبة للحكومات ومؤسسات الأعمال والجامعات والأكاديميات العلمية التي ما كانت لتستخدم التكنولوجيا وتعتمد عليها بهذا الكم لإنجاز أعمالها عن بعد لولا الجائحة، فالعمل المرن عن بُعد والتعليم عن بُعد وإجراء المقابلات والاجتماعات عن بُعد وإدارة الأعمال بإستخدام التطبيقات والدفع الإلكتروني أصبح واقعاً، واقتنع الكثيرون بأن استخدام وسائل الدفع الإلكتروني أصبح حاجة ملحّة لوجود الكثير من الأراء التي تفيد بأن النقد ينقل العدوى، حيث قامت بعض الدول بمعالجة النقد وتطهيره وحجزه لمدة أسبوعين قبل اعادة استخدامه مثل كوريا الجنوبية.
كما أن الكورونا ضربت البيروقراطية فالقرارات التي كانت تستغرق وقتاً اصبحت تتخذ بطرفة عين، فعلى سبيل المثال أعلنت الحكومة الأمريكية لشركات الأدوية المُهتمة بتصنيع اللقاح بأن هيئة الدواء والغذاء الامريكية (FDA) سترد على طلباتهم فوراً مع أن هكذا قرار كان سيأخذ عشرة أعوام من الروتين والإجراءات للموافقة على الأدوية واللقاحات.
ومع استمرار الجائحة فقد اعتادت الجامعات والمؤسسات والشركات والحكومات والاجتماعات العليا للدول مجلس الوزراء على استخدام تطبيقات الانترنت مثل (زووم) و(ميكروسوفت تيمز) و (سكايب) وغيرها لعقد اجتماعاتها الطارئة والمعتادة وتسيير أعمالها، وإذا طالت مدة وباء كورونا فإن هذه الممارسات سوف تتأصل وتصبح ثقافة وطنية وعالمية، ومن المتوقع أن يغير الكورونا المستقبل حيث ستتحول الاجتماعات والمؤتمرات إلى لقاءات افتراضية كما سيتم مثلاً معاينة المرضى عن بعد من خلال شبكات الاتصالات وسوف تزدهر العديد من القطاعات كالتجارة الإلكترونية والصناعات الدوائية وتطوير التطبيقات الالكترونية.
وإذا أردنا الحديث عن الفوائد على مستوى الأشخاص وكما جاء في موقع (Forbers) فقد وفر انتشار الوباء الوقت، حيث أن الذهاب للعمل وأماكن اللهو والمطاعم والمقاهي قد تعطلت ما أتاح الفرصة للاطلاع على الأشغال الأخرى الشخصية، كما أجلّت الجائحة كذلك ازدحام الأجندات ووفرت الوقت اللازم للتفكير في كيفية توزيع استخدام الوقت، كذلك منحت الأشخاص فرصة المراجعة الذاتية ومراجعة العادات والنشاطات التي يجب أن تستمر بعد انحسار الكورونا، وكذلك زادت فرصة الترابط الاجتماعي (social bonding) ولكن بطريقة مختلفة وذلك من خلال الشعور الإيجابي بأننا جميعاً في قارب واحد، حيث قام الايطاليين بفتح شبابيك بيوتهم والبدء بالغناء الجماعي كما قامت الشرطة الاسبانية بعزف الموسيقى في الشوارع.
وجاء في دراسة الخبير التربوي والاجتماعي الدكتور جاسم المطوع في سؤال طُرح على شبكات التواصل الاجتماعي "ماذا استفدت وتعلمت من أزمة كورونا وأنت حابس نفسك في البيت"، فأجاب البعض أن الحياة متقلبة ولا يوجد فيها استمرارية وقد فقد وظيفته وتغير جدول حياته اليومية، وقال آخر "لقد تعلمت أن لا اؤجل هدف عندي من غير سبب فالتغيير يأتي الإنسان بلحظة"، وهنالك من أجاب "تعلمت أن أواجه المجهول بثبات وقوة وإيمان"، أما صحياً فقد قال أحدهم أنه "أول مرة أفكر بأن أكون حريصاً على صحة الآخرين وخاصة عند العطاس والسعال وارتفاع الحرارة"، و قال آخر "أنا صرت أعطي للصحة أولوية في حياتي وصرت اقرأ كثيرا عن الصحة وأهتم بالغذاء الذي يقوي المناعة".
وأما في المجال الاقتصادي قال أحدهم "تعلمت من الأزمة أن الحرب ليست دائما بالسلاح" وقال شخص آخر "إزداد عندي الإحساس بالوطنية وخدمة مجتمعي وتعلم البعض أهمية الإكتفاء الذاتي"، وعلى المستوى الاجتماعي فقال أحدهم "تعرفت أكثر على أولادي وعائلتي بسبب وجودنا مع بعض، كما قويت علاقتي مع الجيران وتعلمت العمل الاجتماعي وأهميته".
خلاصة القول أن الأزمات والحروب والأوبئة وعلى الرغم من تأثيراتها السلبية إلا أنها تحفز القدرات الإبداعية عند الإنسان، ففي الحروب أنتج الطائرات والرادارات والأنظمة المتطورة، وعند انتشار الأوبئة تتسابق الأمم في إيجاد اللقاحات والعلاجات المضادة والصناعات الطبية، وأما على المستوى الوطني فنتمنى أن تكون ثقافتنا قد تغيرت للأفضل، وأن نبدأ بالتركيز بشكل أكبر على ضرورة استغلال البنية التحتية للاتصالات في جميع مناحي الحياة وتشجيع التحول الرقمي والاقتصاد الرقمي بحيث نحول تحديات مواجهة فيروس كورونا إلى فرص نجاح قائمة على التغيرات التي عصفت بأنماط الحياه المختلفة للمجتمعات ليس محليا فقط بل وعالميا.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/05/11 الساعة 15:15