انتشار فيروس الانقلاب الفجائي ومتلازمته

مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/17 الساعة 00:55
منحتني نافذة مكتبي فرصة مراقبة الشارع العام الواصل بين دوار الداخلية ووسط البلد مرورا بالعبدلي، واستطيع من خلال النافذة مراقبة ما يحدث مقابل المستشفى الاسلامي وامام مجلس الامة وما يحدث امام وزارة التربية والتعليم بشكل اقل، لكن افضل زاوية للرؤية والمشاهدة وتسجيل الملاحظة هي المائة متر التي تتجمع فيها اسواق تحمل اسم القدس، بربوعها ومآذنها واسوارها وكل ما يتعلق بالقدس الشريف على شكل اسعار محروقة وتنزيلات دائمة لمواد تموينية، تستجلب ازمة سير شبه دائمة واصطفافت عجيبة وغريبة وقطع شارع مكتظ برتابة، رغم وجود جسر للمشاة عجز عن جذب الجمهور لاستخدامه، ولربما تحتاج امانة عمان ودائرة السير الى استنساخ العروض التي تقدمها المحال التجارية على طرفي الجسر لجذب المُستخدمين .

الاكتشاف الذي يمكن ان اقوم بتسجيله كملكية فكرية لي، هو التحول السريع والعجيب في مزاج الناس خلال اقل من ثانية، حيث تنقلب الرتابة الى مشاجرة او تتنيحة واغلاق الشارع واحيانا تقول الأعين والاشارات الغاضبة ما تعجز الكلمات عن وصفه، فجأة يتحول الشخص المقابل الى كائن غامض مستوحش وكأنك قاتل ابيه، وفجأة تظهر اعراض الانقلاب المفاجئ ومتلازمته الغاضبة دون ادنى اعراض سابقة ودون اي اشارات توحش؛ ما يستوجب التوقف امام هذه الظاهرة ودراستها، بل وتشكيل فريق من الاطباء النفسيين وعلماء الاجتماع لمواجهة هذه المتلازمة المنتشرة دون ادنى مقاومة او توفير امصال ومطعومات للوقاية منها .

والمتلازمة حسب موسوعة ويكيبيديا : مجموعة من الأعراض المرضية والعلامات المتزامنة ذات المصدر الواحد في الطب أوالطب النفسي واستُخدم المصطلح في العقود الأخيرة خارج الطب إشارةً إلى ظواهرَ متآلفةٍ تظهر باتحاد، كما يحدث في شوارعنا، حيث تتحد هذه المتلازمة مع الادوات المستخدمة بٌعيد الانقلاب الفجائي للشخص الذي يقابلك في الشارع لحظة اصطدامك العفوي به او تظهر على السائق الذي امامك او خلفك حال صدور تصرف منك يستفزه دون وجوب ان يكون هذا التصرف من الافعال التي توجب الاستفزاز، فمجرد النظر اليه وهو يغلق احد المسارب تكفي كي تظهر كل اسماء الاشارة وادوات الاستفهام المقرونة بوسائل الايضاح واللوحات المرسومة على الوجه واليدين، وغالبا ما يتطور هذا الشرح الايمائي الى محاولة فتح باب المركبة بطريقة مريعة .

فيروس الانقلاب الفجائي ومتلازمته، ليس مرتبطا بعوامل اقتصادية مثل الفقر او الغنى، فمن السهل ان يتصرف سائق مركبة زهيدة او متوسطة الثمن بالتصرف نفسه الذي يقوم به سائق مركبة فارهة وثمينة، وغير مرتبط بالمستوى الاجتماعي والتحصيل الاكاديمي فسبق ان رأيناها – المتلازمة - تحت قبة البرلمان وفي غرف العمليات وفي غرف المدرسين بل وفي مكاتب الوزراء، ما يؤكد انتشار الفيروس في الهواء الذي نتنفسه او في الواقع الذي نعيشه، ومن الواضح ايضا ان عمر هذه المتلازمة قصير والفيروس سهل الانخماد، فمجرد دقائق معدودة وتختفي الظاهرة اما باعتذار سريع او بهروب اسرع وقليل ما يقوم الشخص الاخر بمحاولة اللحاق بالهارب الذكي، لكن انفجار الفيروس السريع والقصير اودى بحياة كثيرين وجلب الدمار لكثيرين ايضا .

سمعنا عن متلازمات كثيرة وسمعنا عن انقلابات بشرية كذلك، لكن فترة الحضانة لما سمعنا عنه في اقطار بعيدة وقريبة تستغرق تراكما من السنوات ومعادلات طويلة، على عكس الانقلاب الفجائي عندنا الذي يشتعل سريعا ويخمد سريعا وكأننا جميعا ننتمي الى الابراج النارية، بمعنى ان امكانية القضاء على الفيروس او تقليص نشاطه واردة ونحتاج الى فقط الى الرغبة في المعالجة وقبل ذلك الاعتراف بالمشكلة التي ما زلنا ننكرها وهذه هي الازمة .

الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/17 الساعة 00:55