الصمادي يكتب: وقت الركود ... المستثمر يترقب مزيد من العناية في العقبة
بقلم عمر الصمادي
قلما حظيت مدينة أردنية باهتمام الأسرة الهاشمية المالكة كما هي مدينة العقبة ، فمنذ فجر التاريخ الهاشمي كانت العقبة محطة إستراتيجية في مسيرة بني هاشم وكانت أولى بوابات الفجر لثورة العرب الكبرى وموئل جيوشها نحو تحرير الأمة وبناء مجدها.
أردت أن اسرد نبذة للتاريخ فمع انطلاقة التأسيس شكلت المدينة أهم محاور الاقتصاد الأردني وقد أدت هذا الدور بحرفية كبيرة في عهد المغفور له بإذن الله تعالى جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، ولا زلت اذكر وقتها رغم صغر سني محاولات جلالته إطلاق العقبة منطقة حرة أو إيجاد صيغة تمكنها من تعظيم دورها واستثمار إمكاناتها ومقدراتها لتعظيم تسارع عجلة التنمية الوطنية والاقتصادية على المستوى الإقليمي والعالمي وجعل المدينة بوابة يطل منها الأردن على الدنيا.
ولكن حلم الحسين رحمه الله ومع بالغ الأسف لم يتحقق في وقته لأسباب عديدة منها المحلي ومنها الوضع الإقليمي ومنه مقاومة من البعض مع أن الرؤية كانت بعيدة المدى وكانت قاب قوسين أو ادني من ترجمة الحلم الوطني إلى حقيقة واقعة على الأرض، ولكن مشيئة الله ارتقى الحسين العظيم إلى جوار ربه دون أن يرى حلمه في العقبة كما كان يخطط؟
ولأني رويت ظمأ جسدي وروحي من نبع العقبة وخيراتها فكنت مرافقا لمسيرتها منذ أن كانت فكرة وحبرا على الورق، ووقفت على بوابتها في شهر شباط 2001 مع أول رئيس لسلطة المنطقة الاقتصادية الخاصة ( المهندس محمد الكلالدة) لأسجل مع زملائي الإعلاميين توثيقا لدخول أول شاحنة إلى ارض المشروع من مركز وادي اليتم الجمركي.
ولآني واكبت احد عشرة رئيسا لمجلس المفوضين ( المهندس محمد الكلالدة، السيد عقل بلتاجي، المهندس نادر الذهبي، المهندس حسني أبو غيدا، المهندس محمد صقر، المهندس ناصر المدادحة، المهندس عيسى أيوب ، الدكتور كامل محادين، المهندس نادر الذهبي ، السيد ناصر الشريدة ، المهندس نايف بخيت الرئيس الحالي) وتابعت عن قرب وثيق أدق مفاصل هذا المشروع الاستراتيجي وإرهاصاته ووقفاته وتقدمة وتأخره .
فإنني أجد نفسي بعد أن ولجت العقبة الخاصة ( كمشروع) مدعوا بهذا الحس لسبر بعض الأعماق لقصة (ملك ومدينة) أرى فيها أحلاما كثيرة تحققت وأحلاما أجهضت بفعل فاعل بقصد أو دون قصد وان العقبة كما قال لأهلها سيد البلاد رعاه الله ( انتم تعيشون فوق كنز) ولكن هذا الكنز الثمين يحتاج لمن يفك الرصد عنه لتنطلق العقبة بأجنحتها المتينة نحو الأفاق البعيد التي ما زال سيدنا يحلم بها إلى اليوم رغم أن مشروع العقبة الخاصة ولج عامه العشرون وهو العمر الافتراضي له !!! فماذا بعد؟.
ولان مشروع منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة هو أول بواكير العهد الهاشمي الجديد بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين فقد شدد جلالته خلال جميع زياراته العديدة إلى العقبة الاقتصادية الخاصة ولقائه مع جميع رؤساء وأعضاء مجالس مفوضيها على اختلاف الحقب، على محاور رئيسية وجعلها اضاءات تنير درب كافة من تسلموا دفة القيادة إذا كان أهم محور سمعته من فم أكثر من رئيس أن سيدنا قال لي ( أريد أن يلمس المواطن ثمار التنمية بيديه وأريدها أن تنعكس على مستوى معيشته، أريد أن تقدموا للمستثمر الرعاية التي يستحقها من اجل نمو الأعمال وتوطينها مما يخلق فرص عمل لأبناء الجنوب تحديدا والوطن عموما ، أريد مستوى عال من التعاون والتنسيق بين جميع الأطراف الحكومية والقطاع الخاص، أريد تعزيز مكانة العقبة كبيئة استثمارية عالمية جاذبة).
هذا الملك الذي دخل العقبة شابا بشعر رأس اسود في عام 2001 ودخلها في عام 2020 وقد غزى المشيب رأسه الكريم قبل أشهر قليلة ملتقيا بالمواطنين والمسئولين والمستثمرين وجدته ما زال باحثا عن شيء مفقود في هذا المشروع وعن السر الذي ترتفع فيه الدعوات من المواطن قبل المستثمر نحو مزيد من تبسيط الإجراءات.
فما هو السر الذي يحول دون الانطلاقة المأمولة للعقبة ويجعلها مقيدة عن استثمار مقدراتها الغنية وموقعها الاستراتيجي وبعدها الاقتصادي كمدينة تقع في قلب العالم.
كان الإعلان عن إعجاب سيدنا وتقديره للجهود التي بذلت على مدى السنوات محفزا وباعثا لرفع الهمم وشحذ الأرواح لدى المسئولين وإطلاق مكامنهم وقدراتهم المشفوعة بإرادة وطموح مليك شاب استطاع بحنكته وبعد نظره أن يرى ما لم يراه غيره في هذه المدينة القابعة على قوة عجيبة وقدرات لم تتواجد في غيرها.
مليك يريد الكثير ويمتلك طموحا جعله يحمل العقبة أينما حل وارتحل وعمل بنفسه رغم أعباء الملك على الترويج لبيئة الاستثمار في أرجاء الأرض ( اصطحبهم بجولات إلى أوربا والصين واليابان وتركيا ... الخ) ولكن التقصير في تعظيم انجاز الملك واستثماره بشكل صحيح كان جليا وما زال جليا رغم أن سيدنا سبق الجميع ولم أرى إلى اليوم مسؤولا واحدا تمكن من مجاراته لا فكرا ولا عملا.
ما الذي ينقص هذا المشروع ؟ أما حان الوقت لتقييم التجربة بمجملها؟ الم تكمن أهمية العقبة بأنها جزء رئيسي من منظومة التكامل الاقتصادي العربيّ؟ أليست العقبة هي الميناء الوحيد وبوابة خط الغاز العربي؟ الم تكن العقبة رئة العراق ودول الخليج والإقليم؟.
دعوة جلالته الأخيرة والموصولة إلى استثمار محنة كورونا التي وضعت الأردن كأنموذج عالمي للإبداع وتصدر الأخبار في أهم المحطات الإعلامية العالمية التي جعلت الأردن معيارا لدول كبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وايطاليا وغيرها .
فكان الأجدى بالمسؤوليتين المعنيين بالترويج والتسويق واستقطاب الاستثمار أن يلتقطوا رسالة الملك ويبدأوا العمل على محورين الأول يتمثل في رعاية المستثمر الموجود والوقوف عونا له والمحور الثاني الوقوف على السبل والمحفزات الكفيلة بمواصلة عجلة الصناعة على الأقل والعمل على تعظيم وتحسين بيئة الاستثمار والتخلي عن موقف الحكومة كجابي للرسوم والضرائب وخلافها من التعقيدات لا بل قد أكون مغرورا أكثر لأقول بان الحكومة مدعوة لتقديم تسهيلات تصل إلى درجة الصفر أيضا من الإعفاءات للمستثمر الحالي والمستثمر المتوقع ... فقد تواصل معي بعض رجال الأعمال من خارج الأردن ممن يتوقون إلى عودة الحياة للعالم كي يتجهوا إلى الأردن باعتباره اثبت انه البقعة الأكثر أمانا واستقرارا في العالم وفي ضوء ما يوفره من فرص ومزايا تنافسية، وإعادة النظر في الإجراءات المحفزة للقطاع الخاص، لكي يكون قادرا على تجاوز المعيقات والتحديات التي تؤثر قسمت ظهره.
قد يأتيني قصف من هنا أو هناك لاعتبارات عديدة وقيود مباعثها شخصي غالبا حول ما اكتب ولكني على ثقة بان فكر سيدنا وطموحه المنفتح وقناعته وكثير من أبناء الشعب بان العقبة ما زالت بكرا وأنها تحتاج إلى مبضع جراح ماهر يصوب مسيرتها ويقوي عزيمتها ويبث فيها الروح من جديد لا سيما بعد محنة كورنا التي أرى أنها شكلت فرصة ذهبية لتضع عربة العقبة الخاصة فوق السكة من جديد وان يعود الحصان أمام العربة .
همة الملك كبيرة جدا وعلينا أن نضيف مداميك الانجاز ونعلي البنيان فوق الأرض بتفكير حصيف وإدارة تنموية تعتمد الأهمية والمردود النفعي فقط على الناس وعلى بيئة الاستثمار ولنبتعد كثيرا عن تنفيذ مشاريع لا قيمة لها شكلت إنفاق جائر في غير محلة واغلبه اليوم متجمد.
لا بد لي من الإشارة إلى محاولات هنا وهناك لدعم قطاعات استثمارية بالسماح لها بالعمل جزئيا إلا أن هذا غير كاف على الإطلاق، وهي دعوة مفتوحة للاهتمام بالمستثمر المتحفز والسؤال عن احتياجاته ومتابعته وتلبيتها فورا وتقديم حوافز قد تصل إلى حد الإعفاء الكلي كما أسلفت من رسوم وضرائب في مقابل إدامة العمل وتشغيل أبناء البلد، هذا مع ضرورة إعادة النظر في سلة الحوافز المقدمة للمستثمرين في كافة القطاعات لا بل علينا اليوم وليس غدا أن ننحني احتراما وتقديرا لكل مستثمر على ارض العقبة التي يتطلع إليها اليوم رأس المال العربي والعالمي والمستثمرين كواحة آمنة مستقرة بعد النجاح المبهر الذي حققته المملكة في مواجهة كورونا.