مستقبل العولمة

لم يكن العالم مشتتا وانعزاليا كما هو اليوم في مواجهة أزمة كورونا حتى أن البعض رحب مبكرا بأدوار الدول المركزية وسرع من توقعات أفول نجم الديمقراطية وموت العولمة. لو أن العالم وظف نصف ما وظفه من إمكانيات وجهد وتنسيق في محاربة الإرهاب في مواجهة كورونا لتغيرت الصورة تماما، لكن هذا الوباء خالف كل قواعد العولمة، فباغت بضراوة الأغنياء من دول العالم وكان رحيما بالفقراء من الدول النامية والمتخلفة وإن كان لم يفرق بين يمتلك أساطيل تملأ البحار وأسرابا تغطي الأفاق وبين من لا حول له ولا قوة، لكن النتيجة أن كل ما أنفق على التسليح من مليارات بل بليونات الدولارات لم ينفع في وقت الشدة وكأن الدنيا اختصرت بكمامةوجهاز تنفس صناعي. يقال ان العولمة حولت العالم إلى قرية واحـدة، لكن كورونا مزقها إلى أشلاء فلم تبق أجزاء فيها لم تعزل ولي منها من تتمتع بالحصانة ضد الجائحة، الاقتصادات الغنية والفقيرة، الصاعدة والهابطة وحتى اقتصادات الدول الصناعية المتقدمة أنهكتها المعاناة. هل نجحت العولمة في تقريب الشعوب من بعضها البعض عبر وسائل الاتصال الحديثة حولت العالم إلى قرية واحدة وهل نحجت الأمم المتحدة في إرساء نظام عالمي واحد؟ هذه الاسئلة على المحلك بفضل كورونا إذ يتعين على العالم اليوم أن يتوقف ليس ليعيد حساباته فقط بل ليراجع كل ما بني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كل المنظمات الأممية لم تجتز اختبار كورونا، منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وقد آن الأوان لأن تسترجع الدول ما قدمته لهذه المنظمات من تنازلات. قد تكون نهاية العولمة كما نعرفها اليوم وشيكة، لكن أميركا لمن يذكر كانت سعت الى هذا الإتجاه عندما قال ترمب ان مصالح أميركا تأتي أولاً لكنه وجد من يذكره بأن أميركا ليست دولة هامشية لو تجاهلت العالم أو تجاهلها لن يحدث شيء وإن كانت هي من تربع على قيادة العولمة لقرن من الزمن فهي التي يتعين عليها أن تعيد تصحيح مسار العولمة. العولمة مستمرة بفضل الانتصار الساحق لتكنولوجيا المعلومات وثورة الإتصال فهي الرابح الوحيد في هذه المعركة، أما بالنسبة للعالم العربي، فيكفيه قرن من الهزائم الثقافية والعسكرية والاقتصادية والعلمية، وعليه أن يتحرك ليكون له دور في صياغة العولمة الجديدة. الرأي