القضاة يكتب: التعليم الإلكتروني وهمومه في زمن كورونا

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/27 الساعة 18:46

* بقلم الدكتور علي منعم القضاة 

وضعتنا أزمة وباء كورونا العابر للقارات على محكاتٍ كثيرة، وحقيقية لم يكن بالإمكان تفاديها، وأوجبت على البشرية جمعاء شعوباً وحكومات التعايش معها وفقاً لظروف ومعطيات مختلفة، أو متغايرة، أو لربما معطيات إضافية لم يعهدوها من قبل، ولعل أهمها وأبرزها قضية التعليم الذي يسمونه الآن بالتعليم الإلكتروني، ويسميه البعض تسمية غير دقيقة بالتعلم عن بعد، وهي معانٍ تتمايز فيما بينها، إذ لكل منها طريقته، ومنهجيه ومدخلاته المختلفة، وهي جميعاً لا تحمل المعنى نفسه.

أرى ان التعلم الالكتروني هو نمط من أنماط التعلم عن بعد فالتعلم عن بعد مظلة واسعة والتعلم الإلكتروني يقع تحت هذه المظلة، ولكنه يحقق كل أنواع التفاعل في الاتصال المباشر إذا ما طبق على أصوله.

وفي هذا المقال سأحاول أن أُميط اللثام عن هذا الموضوع المُهم بوضع النقاط على الحروف، - وهي تختلف عن نقاط أبو الأسود الدؤولي-، حول مفهوم بعض أنواع التعليم التي أعرفها ومارست معظمها أثناء تعلمي وتعليمي في العديد من الدول العربية والأوروبية، كما خولتني خبرتي في التعليم لما يزيد عن ثلاثين عاماً أن اجتهد فيها، للتمييز بين أنواع مختلفة من طرق التعلم والتعليم والتي أُجملها في الآتي:

1. تعلم وتعليم تقليدي

2. تعلم وتعليم عن بعد (الانتساب)

3. تعلم وتعليم مفتوح

4. تعلم وتعليم الكتروني مطور

5. تعلم وتعليم الكتروني بشكل كامل

أما التعليم التقليدي؛ وهو الذي تلقينا التعليم من خلاله - معظمنا إنْ لم يكن الكُل -، وكان سائداً في الزمن الماضي – ولازال – باختلاف درجات وجوده، ويتلخص في أنّ المعلم يقف في غرفة الصف أمام تلاميذه، وفي كل المراحل التعليمية يدرسون منهاجاً مقرراً، ضمن خطة موضوعة مسبقاً، وعام دراسي معروفة أيامه، ومواعيده وأيام (وأوقات) الامتحانات، ووقت إعلان النتائج فيه، له من الإيجابيات، وعليه من السلبيات أو النقاط التي تحتاج إلى تطوير، في أركان العملية التعليمية (معلم متعلم ومنهج)، ولا أظن أنني بحاجة إلى كثير تفسير له في هذا المقال، وخاصة أنه إلى وقت قريب كان ينطبق القول فيه على التعليم العام والتعليم الجامعي، وبل التعليم العالي في الدراسات العليا، وهو نظام التعلم والتعليم العام والجامعي الحالي في أغلب الدول العربية ومنها الأردن.

التعليم عن بُعدْ (الانتساب): ينتشر هذا النوع من التعليم في مرحلة الدراسة الجامعية بشكل رئيس، حيث تقوم العديد من الجامعات بتحديد منهج معين للطلبة، وتسمي لهم كتب بعينها، وغالباً ما تكون من تأليف أساتذة تلك الجامعات، يدرس الطلبة المنهاج منفردين في منازلهم ودولهم، بدون الحضور إلى الجامعة أو بلد الدراسة إلا في أوقات محددة لتقديم الامتحان، وهو نظام معروفٌ لدينا وربما نجد الآف الأردنيين تخرجوا من خلال هذا النمط وما خريجي جامعة بيروت العربية التي اشتهرت بهذا النظام ببعيد، وتشهد ساحات كافة القطاعات آلاف الخريجين الأردنيين من هذا النظام وهذه الجامعة.

التعليم المفتوح (التعلم المدمج): نظام التعليم المفتوح، نظام معروف في العديد من دول العالم، وهو نظام يجمع بين التعليم التقليدي، والتعليم الإلكتروني، والتعليم عن بعد، حيث تتواجد أيضا في هذا النظام جميع أركان التعلم والتعليم، ولكنه نظام يعتمد كثيراً على التكنولوجيا، وعلى جهود كل من المعلم والمتعلم في استخدام هذه التكنولوجيا، حيث يحضر الطلبة محاضرة واحدة ساعة من ثلاثة ساعات، للجامعة يتلقون تعليماً وتوضيحاً من أساتذتهم، حول المنهاج ويجدون تلبية لاستشارتهم، إضافة إلى ما يتداولوه من عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكل أنواع التكنولوجيا، وكذلك نظام إدارة النظام التعليم (LMS Learning Management System)، وهو نظام جيد ويتلقى فيه الطلبة تعليماً نوعياً، ويبذلون من خلاله جهوداً كبيرة، ويمكن أن نقول أنه من أنواع التعليم التي يلتحق بها بشكل مكثف أصحاب الهمم العالية، من الموظفين والعاملين، وربات البيوت، وكل الذين لا تسمح ظروفهم الحياتية بالتفرغ بشكل كامل لتلقي تعليمهم الجامعي، أو الذين حالت ظروفهم دون الالتحاق بالجامعات، وقد سنحت الفرصة لهم الآن للالتحاق.

ولعل أشهر الجامعات العربية في هذا المجال هي الجامعة العربية المفتوحة، وهي أقرب الأنظمة التعليمية من التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد، وهي جامعة مقرها الكويت، ولها فرع في الأردن، وكان الأستاذ الدكتور محمد حمدان رحمه الله وزير التعليم العالي الأسبق، من مؤسسيها الأوائل وأول رئيس لها.

التعليم الإلكتروني المطور: وهو نظام تعلم وتعليم الكتروني مطور، يجمع بين التعليم عن بعد (الانتساب)، والتعليم الإلكتروني المنتظم، ولتوضيح ما يجري حول آلية التدريس الإلكتروني المطور الذي يجري عن بعد، بتوفير دعم فني ومساعدة للطلبة في بعض الدول العربية ومنها العديد من الجامعات في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال:

تجري عملية التدريس في نظام التعليم المطور إلكترونياً دون حاجة الطلبة للحضور إلى مبنى الجامعة لغايات المحاضرات.

تتم الدراسة بالكامل في التعليم الإلكتروني المطور من خلال الدخول على أنظمة إدارة التعلم الإلكترونية (LMS)، من مثل: النظام الإلكتروني لإدارة التعلم الشهير (بلاك بوردBlackboard ) و(والمودل)، وإضافة إلى تطبيقات إدارة التواصل الإلكتروني، من مثل: (زووم ZOOM) و(مايكروسوفت Teams)، وغيرها من الأنظمة، التي يجب أن توفرها الجامعة أو المؤسسة التعليمية، من خلال التعاقد مع الشركات التي تصمّم هذه المواقع وتشرف عليها وهذه الطريقة تحتاج إلى إمكانات ماديّة كبيرة.

تُعقد الاختبارات النهائية في مراكز اختبارات تحددها الجامعة في نهاية كل فصل دراسي، أو من خلال أنظمة الامتحانات الإلكترونية التي تتيح المراقبة عن بعد من خلال الكاميرات الرقمية، بمعايير وشروط محددة.

تتيح أنظمة التعليم الإلكتروني المطور للطلبة العديد من الخدمات التعليمية، ومن أبرزها الاطلاع على المادة العلمية للمقرر المعدة خصيصاً لمثل هذا النمط من التعلم إضافة إلى من شرائح عرض، وملفات، ومواد إلكترونية.

وكذلك إمكانية تحميل وسماع محاضرات المقرر المصورة (فيديو) والمسجلة مسبقاً، لهذه الغاية ضمن خصائص ومعايير معينة، التي تضعها الجامعة؛ عبر موقع المقرر في نظام إدارة التعلم الالكتروني، حيث تكون مدة المحاضرة من (20-30) عشرين إلى ثلاثين دقيقة فقط، وعددها (15) خمس عشرة محاضرة يتم تحميلها على الموقع المخصص خلال الفصل، من الأسبوع الأول (1) إلى الأسبوع الخامس عشر (15)، وقد يتم تقسيم مدة المحاضرة إلى عدة مقاطع، مدة كل منها من (5-7) خمسة إلى سبعة دقائق فقط.

يتيح هذا النظام للطلبة إمكانية الاتصال مع المدرس عن طريق موقع الجامعة من خلال الأنظمة الافتراضية والتفاعلية والمنتديات المتوفرة على نظام إدارة التعلم.

وكذلك إمكانية الحوار والنقاش وطرح الأسئلة المباشرة، وتلقي الإجابة المباشرة من خلال الأنظمة الافتراضية التفاعلية

التعليم الإلكتروني(Online): نظام التعلم والتعليم الكتروني بشكل كامل، وهو نظام إلكتروني بكل حيثياته ومراحله، ويعتبر هذا النظام جديد على العديد من الدول العربية، وقد كانت جامعة فلسطين الدولية للتعليم الإلكتروني رائدة في هذا المجال، إذ كانت الجامعة الأولى في العالم العربي منذ عام 2003، في قطاع غزة، ومن بعدها انتشرت فكرة ونظام التعليم الإلكتروني في بعض الجامعات في الدول العربية، ومنها الجامعة السعودية الإلكترونية.

يعتمد نظام التدريس بالطرق الإلكترونية على التكنولوجيا في جميع المراحل، بحيث يحضر الطلبة إلكترونياً، جميع محاضراتهم التي كانوا من الممكن أن يحضروها في التعليم التقليدي باللقاء المباشر مع محاضر في مباني الجامعة، ويقومون بحضورها فعلياً من خلال غرفهم الافتراضية في منازلهم، ومكاتبهم، ومواقع عملهم، وتتم عملية التفقد للحضور والغياب على الشاشة، إذ يتمكن المحاضر أن يرى الجميع وأن يقوم الجميع برؤيته والتواصل معه والتواصل فيما بينهم والحوار كما نرى الآن في اللقاءات المباشرة التي تجري عبر شاشات المحطات الفضائية، كما يتولى الدكتور إدارة الصف، ولا يسمح بالمغادرة أو ترك الكاميرا مفتوحة والهروب أو التهرب، بل بمنتهى الانضباط والتفاعل.

يتميز هذا النظام بأنه يسمح بالنقاش والحوار من خلال جميع وسائل التواصل الأخرى، والاحتفاظ بالمقررات والمحاضرات والواجبات والتمارين، مع إمكانية الرجوع إليها وفقاً لرغبات الطالب واحتياجاته لها في الوقت الذي يريد، ولا يلزم الحضور إلى مقر الجامعة إلا في أوقات الامتحانات النهائية، سواء أكانت في بلد الدراسة التي قد تكون في مقر الجامعة الأم، أو أي مقر يتفق عليه، إذا كانت الجامعة بعيدة عن بلد الطالب، وهو نظام تم اعتماده في المملكة الأردنية الهاشمية حديثاً.

كان التعريف بهذه الأنظمة التعليمية ضرورياً كي يتاح لنا بيان أين تكمن الحيرة في الطريقة الجديدة للتعليم على مجتمعنا، التي فرضتها أزمة كورونا، وقد أسهمت في حيرتنا عدم قناعتنا المسبقة بجودة التدريس بهذه الطريقة، مع أن أكثر الدول المتقدمة اعتمدت طريقة التعليم الإلكتروني منذ زمن بعيد، وهي دول وجامعات تُقدم للمحاضر والطالب هناك كافة الأدوات التقنية الكفيلة بإدامة التواصل فيما بينهم، إضافة إلى كل الأمور المعنوية والمادية التي من شأنها أن تديم عملية التعلم والتعليم الإلكتروني على أصوله.

لهذا؛ وجدنا أنفسنا في هذا الظرف بلا بوصلة توجه المسير، وتضبط الإيقاع، وتحقق الأهداف بتجاوز الجائحة بأقل قدر من الخسائر على أبنائنا الطلبة ومجتمعاتنا، وتحقيق أكبر قدر من الجودة في التعليم والتعلم.

وبالمقابل فإن هذه الطريقة التي فرضت على أطراف التعليم (ثلاثي العملية التعليمية)، المنهج والمحاضر والطالب، وضعت على كلٍ منهم أعباء إضافية لم تكن في الحسبان، وهي دون أدنى شك تقلل من معايير الجودة المطلوبة، سواء على المحاضر، أو الطالب، أو المنهج الذي يدرسانه.

تسبب فرض طريقة التعليم الإلكتروني في بلادنا دون مقدمات في وجود العديد من الصعوبات أو الإشكالات للجميع، وخاصة لأعضاء هيئة التدريس المثقلة كواهلهم بالتزامات عديدة؛ فقد أصبح نهارُ المدرس كليله، وليله كنهاره، خُرقت خصوصيته، وحياته العائلية الطبيعية؛ من كثرة استفسارات وأسئلة الطلبة الحائرة الغائرة في غياهب ظلمات المستقبل التعليمي، وأصبحت الإجابة عن كل هذه الاستفسارات والأسئلة من حق الطالب على الأستاذ على مدار الساعة، وفُتحت مع الطالب جبهات بكل وسائل التواصل الاجتماعي على بعض المعلمين، بل وزاد الأمر عن ذلك بأن يطلع علينا، ومن خلال شاشة التلفاز أحد رؤساء الجامعات الأردنية؛ يقلل من شأن أساتذة الجامعات ومن جهدهم وتعبهم، وكأنهم يعملون على هامش الوطن، كواجب فرض عليهم، وليس لأنهم يؤدون رسالة عظيمة نحو بلدهم، ولم يحسب أن المحاضرين قد سُلب منهم الوقت الكبير في تعليم أبناء والوطن وبناته، مما أدى إلى صرف النظر عن متطلبات بيوتهم الحياتية الطبيعية.

وتستوجب الظروف الراهنة من أصحاب القرار الاستعانة بمن قام بالتدريس فعلاً عبر نظام التعلم الإلكتروني، والتعليم المفتوح (المدمج)، فهم أحق بمن لم يمارس مهنة التدريس عبر هذا النظام، كما تستوجب الظروف بعد انقضاء كورونا أن يُصار إلى تقليل العبء التدريسي للمعلمين، وتفريغ جزء من وقتهم للتدرب على هذا النوع من التعليم لحاجات المستقبل التي يراها أصحاب الرؤى التربوية، إذ إن العالم، كل العالم يتجه نحو التعليم الإلكتروني بشكل كامل شئنا، أم أبينا.

نسوق مثالاً حديث على مدرسي التعليم العام الذين لم يألفوا أي نوع من التعليم إلا التعليم التقليدي، فإذا كانت مدة المحاضرة (45) دقيقة فقط، ونصابه من التدريسي (20-24) محاضرة في الأسبوع، فكم سيبذل من جهد في الإعداد والتقديم والإجابة عن الاستفسارات، علماً بأن بعض الأهالي، يعتقدون - وهذه حقيقة من ثوابت ثقافتنا في العالم العربي – أن الأستاذ سخر لهم، بل وأنه ينبغي أن يتفرغ للإجابة عن الأسئلة، وقت ما شاءوا من ليل أو نهار.

ومن بين التعليقات التي نقرأها هذه الأيام في المواقع الإخبارية الالكترونية عن أساتذة الجامعات أيضاً، وبالتحديد ما يكتبه الطلبة، عن حقوقهم وحقوق الأستاذ الجامعي، كتبوا بطريقة لاذعة جافت الحقيقة والواقع في كثير منها، نحن بطبيعة الحال لا نقدس هنا الأستاذ الجامعي الذي يتخلى عن واجباته أو يتعسف في استخدام السلطة، ولكن الحقيقة التي يعرفها كل الناس، ليس هناك أشد فخراً، على المعلم من أن يرى طلبته متميزين، متفوقين، سواء أكان أستاذاً جامعياً، أم أستاذاً في التعليم العام، ولذا نرجو النظر إلى نظام التعلم الإلكتروني، والتعليم عن بعد بعين الرحمة للأستاذ والطالب، على حدٍ سواء في هذه الأيام.

لم ولن تهدأ أفكار الطلبة وأهليهم، وتضبط تشتتهم وقلقهم وحيرتهم من خلال أداء الواجبات والأبحاث والامتحانات وغيرها من الأعمال الفصلية والنهائية، حتى ينتهي الفصل بقضه وقضيضه، سواء أطال الفصل أم قصر، وتظهر نتائج الطلبة، ويحصلوا على علاماتهم ومعدلاتهم.

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/27 الساعة 18:46