من عبدالله الأول إلى عبد الله الثاني
بقلم: زيد ابوزيد
لم تكد بذرة السنديان الهاشمية تلقى في تربة الأردن الطيبة المباركة في اوائل العشرينات من القرن الماضي، حتى تجذرت و نمت ،و أينعت رائعة وآرفة ، حتى سارع اليها الكثير من أحرار الثورة العربية الكبرى في بلاد الشام يتفيئون ظلالها ليبنوا دولة عربية تؤمن بكل مباديء الثورة العربية الكبرى التي فجرها الشريف الحسين بن علي، وسرعان ما تشابكت أيديهم بأيدي النشامى الأردنيين ليبنوا دولة عصرية ديمقراطية حرة ومستقلة .
لقد نمت جذور تلك الشجرة، و ضربت عميقًا في الأرض الطيبة و خرجت أغصانها خضراء يانعة. ليكون على قمتها علم الثورة العربية الكبرى. مما جعل الأردنيون يتغنون باسم موطني الجلال و الجمال و البهاء في رباه . لقد كان هم هذا الوليد الجديد و على رأسه الأمير الهاشمي أن يتخلصوا أيضا من سيطرة الاستعمار الانجليزي، وبناء ديمقراطية جديدة، و توفير الغذاء و كل ما يحتاجه الأردني في ظل هذه الدولة.
و اذا كانت تلك المرحلة قد توالت فيها الأحداث بين أخذ و رد. فقد استطاع الأردنيون و بعد كفاح عنيف مع السلطة الانجليزية المسيطرة أن يوقعوا على معاهدة 1928 ، والتي ساهمت في تطور الحياة السياسية ورسمت معالم الإستقلال فيما بعد ، وإن كانت تلك المعاهدة لم تعجب كثير من الأردنيين وأميرهم عبدالله، فقد عاد الأردنيون يكافحون لتعديلها أكثر من مرة. ثم انطلقت المسيرة الأردنية تؤسس و تبني حتى حصلت على استقلالها في 25/آيار/1945. و ليبايع الأمير عبد الله ملكًا على الأردن.
لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من تسمية الوزارات و بناء القوات المسلحة و الإصلاح الزراعي، و توثيق علاقة الأردن مع الدول العربية و الأجنبية بحيث أصبحت الأردن عضوًا مؤسسًا في جامعة الدول العربية. ثم قامت الحرب العربية الإسرائيلية في فلسطين.
فكان للجيش الأردني قصب السبق في الإشتراك بهذه الحرب. حيث سطر الجيش الأردني بطولات رائعة في باب الواد و معارك اللطرون و أسوار القدس. و انتهت الحرب. حيث قامت دولة اسرائيل بمؤامرة كبرى و انفصلت الضفة الغربية عن أرض فلسطين قبل الإحتلال ليسارع رجالات فلسطين الى القدوم إلى عمان ومبايعة الملك عبد الله الأول ملكًا على الضفتين، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من البدأ في الاصلاح و تعمير المسجد الاقصى و قبة الصخرة و إنشاء المدارس و المستشفيات، و ما يتعلق بها من تأمين المعاش و الصحة للأردنيين في ضفتيهم، لتقع بعد ذلك مأساة تمثلت في إغتيال المغفور له الملك عبدالله الأول طيب الله ثراه على بوابات المسجد الاقصى ، و ينادى بالأمير طلال ابن عبدالله ملكًا على الأردن بضفتيه. الذي سارع بنظرته الثاقبة الى صنع أردن متطور و ديمقراطي . فقام بإنشاء الدستور، و لكن المرض لم يمكنه من مواصلة المسيرة فنودي بالأمير الحسين بن طلال ملكًا دستوريًا للمملكة الأردنية الهاشمية . ليبدأ بعد أن بلغ السن القانونية بمسيرة البناء و التعمير الذي شمل كل مناحي الحياة الأردنية وصولًا إلى تعريب الجيش العربي حامل لواء الثورة العربية الكبرى في الوحدة و التحرر و تحقيق الحياة المزدهرة للعرب في كافة انحاء العالم العربي.
لقد كان جلالة المغفور له الحسين بن طلال بنظرته الثاقبة برغم ما تعرض له من صعوبات ومؤآمرات عالمًا بأن التقدم و الأزدهار لن يكون إلا بالعلم . فأنشأت المدارس و توسعت في كافة المدن و القرى و البوادي و تبعتها معاهد تدريب المعلمين و تأهيلهم حتى أصبحوا نموذجًا يحتذى به في كافة المنطقة العربية، ثم يتوج ذلك بتأسيس الجامعة الأردنية حتى يستغني الأردن عن التعليم الجامعي في البلاد الأخرى.
و إذا رجعنا إلى مسيرة الملك الباني فإننا نرى مقدار التقدم الذي حققه الأردن عبر خمسون سنة من قيادة الملك الباني فأصبح الأردن دولة المؤسسات و الديمقراطية، و لعلَ ما يميز هذه الفترة من تبوأ الأردن مكانته على الساحة الدولية، ثم يدخل الأردن في عصر جديد فقد عاجل الموت جلالة المغفور له الحسين بن طلال، لينادى بالملك عبد الله الثاني ملكًا للقلوب، و ليطلق الأردنيون عليه الملك المعزز، الذي تبنى أول شعارات والده المغفور له "الإنسان أغلى ما نملك"، ثم و "لنبني هذا الوطن و لنخدم هذه الأمة" . ثم شعار "الأردن أولًا" قائلًا : "أرفع رأسك فأنت أردني".
ليبدأ إنجازات جديدة في كل مناحي الحياة. من تطوير النظام التربوي التعليمي التعلمي عن قرب و عن بعد، والتوسع في إنشاء المدارس، ورياض الاطفال التي تهدف الدولة شمولها كل أبناء الوطن من الفئة العمرية المستهدفة ، و تطويرالمناهج المدرسية، ومعايير اختيار وتعيين المعلمين وترقيتهم وتدريبهم، و تطوير الدراسة الجامعية ، و تقوية الجيش العربي المصطفوي، و إمداده بأحدث الأسلحة والمعدات، ودعم الأجهزة الأمنية بالتدريب والتأهيل والتمكين، ومن حيث البنية التحتية والتكنولوجية وثورة الإتصالات والمعلومات في كل أرجاء الوطن، ووالتوسع في فتح الطرق الزراعية، وتأهيل الطرق الرئيسة الرابطة بين المحافظات، ودعم الصناعة وتقديم التسهيلات الضريبية لها ، و تطوير النظام الصحي و الإجتماعي، عن طريق التكافل و التضامن والجمعيات الخيرية ، والإعلام و الصحافة، والوسطية في الدين من خلال رسالة عمان التي اعتبرت إنموذجًا يحتذى في التفاهم والحوار بين الأديان و نبذ العنف و التطرف و التكفير.
وإن نظرة بسيطة الى القطاع الصحي في بلدنا الحبيب ليرى التطور الهائل في المستشفيات الحكومية و الخاصة سواء في المدينة الطبية و المستشفيات الجامعية، او مستشفى البشير او المستشفيات الخاصة التي تعتبر محجًا لكثير من رعايا جيراننا العرب الذين يأتون الى الأردن للعلاج.
كما أن الاهتمام بالمراكز السياحية و الآثار قد جعلت الأردن منارة يأتي اليها الناس من كافة بقاع العالم ليتأملوا مسيرة وطن و قائد. و لا بد أن نشير في نهاية مقالنا إلى نجاح الدولة الاردنية بقائدها ،و رئيس وزرائه ، ووزرائه ،و الجيش العربي المصطفوي، و الاجهزة الأمنية التي سهرت القيادة الاردنية على إعدادها عبر مسيرتها الطويلة بالإضافة للأجهزة الطبية التي كان لجهود الدولة في إعدادها و تأهيلها في إدارة ازمة وباء كورونا التي أثبتت نجاحًا منقطع النظير في القضاء على هذا الوباء الذي تعاونت به الدولة مع الشعب فتجلت عظمة القائد و شعبه بحيث تصرف كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا. بحيث أصبح الأردن إنموذجاً يحتذى به عالميًا. لذلك يحق للأردنيين أن يتغنوا بشجرتهم الأردنية و قيادتهم الحكيمة الملهمة عبر مسيرة قرن من الزمان كافح الاردنيون فيه كثيرًا و تحملوا من الصعاب و الظروف السيئة الكثير الكثير. و لكنهم تغلبوا عليها بفعل إرادتهم . على الرغم من شح مقدراتهم المادية. لذلك فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم . حيا الله الأردن. و كل عام وانتم بخير .