الناعوري يكتب: نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء الأردن اقتصادياً بعد «كورونا»
كتب ابراهيم الناعوري
نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء الأردن إقتصادياً بشكل مختلف عما هو عليه، لأنه ثبت عدم جدوى الطريقة الحالية منذ عام 1988، والتي لم تؤدِ الا الى تراكم أزيم الديون والاستمرار في الاستجداء من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرهما.
فلماذا لا يستفيد الأردن من أزمة متغيرات كورونا؟ ولماذا لا نجهز من الآن الدراسات والاستراتيجيات اللازمة لتعزيز جاهزيتنا ونكون متأهبين فور العبور من نفق هذه الازمة وحتى لا نهدر فرصة إدراك قيمة ما لدينا، وعلينا أن نتبنى سياسات وإجراءات وعادات حديثة تتعلق بنمط العمل والحياة الاجتماعية والتكيف مع المستجدات للانتصار والاستمرار.
المستقبل يكمن في الاعتماد على الذات والتركيز على الأولويات وإعادة تشكيل عالم اقتصادي مختلف يمكِّن القطاع الخاص من الخروج من عنق الزجاجة وزحمة الأنظمة والقوانين التي تعطل مسيرته، ويكون مشاركا فاعلا وله شأن في القرارات الاقتصادية.
أنا أستطيع أن أرى الأردن أقوى من مبدأ أن (الضربة التي لا تقتلني تزيدني قوة)، وسيستعيد الأردن عزمه وسيضىء القمر في سمائنا قريباً بإذن الله.
اثبتت العقول الأردنية أنها قادرة على خلق مستقبل أفضل، كما أننا وفي خضم هذه الأزمة، لا نحتاج الى هؤلاء المتشائمين الذين ينعقون في المواقع المختلفة بابتسامة صفراء ليس هدفها الا تدمير المعنويات وبث الرعب وإختلاق هلع اقتصادي غير مبرر!
سيكون هنالك توازن اقتصادي كما ذكر معالي الدكتور إبراهيم سيف في مقاله ( قراءة المحافظ المطمئنة) والذي كان واقعياً ومتوازناً وبعيدا عن بث الذعر في نفوس الناس وبشكل خاص الاقتصاديون ورجال الأعمال، وما يرتب ذلك من تداعيات سلبية على الوضع الاقتصادي. بالتالي إقتصاد البلد.
دعوني أتحدث كيف أرى الأردن أفضل وكيف يمكن أن نغير واقعنا لما هو أفضل..
من خلال تجربتي وعملي في القطاع الخاص لمدة أربعين عاماً؛ أقدم مقترحات تمهد لنقاش عملي وتستهدف تحسين البيئة التنافسية والاستثمارية ويمكن تحقيقها على ارض الواقع:
أولا :- الأردن، منطقة اقتصادية حرة:
أن تجرية سنغافوره ودبي لا تبارح خيالي وهي اكثر الحلول واقعية لمنح الأردن دفعة اقتصادية قوية للأمام، لا سيما وأن الأردن هو الوحيد في المنطقة والذي يتمتع بقيادة فذه، وأمن وإستقرار، وقوانين جاءت بخبرات غنية عبر المائة عام المنصرم.
كما أن لدينا إمتداداً جغرافياً رائعاً وحدوداً مع دول مختلفة يؤهلنا أن نتبوأ المركز الأول في المنطقة.
ولدينا الخبرة في إدارة مناطق حرة عده ومناطق تنموية، ومنطقة العقبة الإقتصادية الخاصة، ومصانع مؤهله، وأصبحنا بذلك مؤهلين وجاهزين للتحول الكامل، ويمكن اتباع نهج ضريبي مبسط على سبيل المثال يفرض عمل ضريبة موحدة على كافة القطاعات وبنسب للجميع معقولة برقم وتطبق بصرامة وبما هو منطقي (لا يتجاوز7%) ولنرى كيف ستهبط الاستثمارات من كل بقاع الأرض.
وأنا أعتقد أن هنالك بعض المتحفظين على مبدأ الضريبة، لأنهم لا يعلمون أن حصيلة ضريبة الـ 7% وعائدها على الخزينة سيكون أكثر بكثير من ضريبة الـ 20% .
وأرى أن هذا يمكن حدوثه في خمس سنوات على الأغلب ونبدأ تدريجيا بالتوسع في عمل امتداد منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة جغرافيا لتصل الى القويره، حيث يوجد منطقة حرة خاصة على مساحة 2200 دونم، وبعد ذلك يأتي الامتداد ضمن خطة محكمة ليصبح الأردن موطناً وجاذباً للاستثمارات من كافة الأقطار.
وكي لا أختلف مع وزراء المال والاقتصاديين ومديري ضريبة الدخل، إرتأيت أن نقوم بعملية التحول تدريجياً حتى لا يؤثر ذلك على إيرادات الدولة.
أنا أعتقد جازماً أن هذا سيعيد تجارة الدول المجاوره والمستثمرين الأردنيين من خارج وداخل الأردن، وستبدأ البلاد في الإزدهار تدريجياً، ويكون الأردن هو البلد الأكثر تأهيلا ليكون مركزاً لوجستياً إقليمياً مزدهراً بتجارة الترانزيت، ولم لا ، وقد كان الأردن دوماً هكذا منذ آلاف السنين ويجدر بنا أن نتذكر بأن الأردن كان مسماه عبر الأردن (Trans Jordan) لما لموقعه الجغرافي من أهمية استراتيجية عظمى.
• قوانين الاستثمار:
لا شك أن قوانين الاستثمار في الأردن تطورت كثيراً عما كانت عليه، ولكنني أجزم أن هناك مغالطات جاءت من مفاهيم مغلوطة لاجتذاب المستثمر الأجنبي، وذلك لعدم إدراك المشرع والمسؤول بأهميتها.
دعوني أسوق مثالأ حياً لما حصل في قطاع الوكالات الملاحية، حيث أصبحت مملوكة لشركات الملاحة الأجنبية وخسر الوكيل الأردني العريق وكالاته لأن القانون يسمح بتملك 50% من الحصص، وفي قانون محدث أصبح من الممكن أن يزيد عن ذلك.
ناهيك عن الاتفاقيات الجانبية التي تمنح الشريك الأردني مبلغاً مقطوعاً فقط!
وعندما تحدثت في هذا الشأن مع أولي الأمر، تفاجأت أنهم يعتقدون أن الخطوط الملاحية ستخفض أجور الشحن وتدخل استثماراً جديداً للأردن وتضخ أموالاً للخزينه.
والواقع هو ليس هذا ولا ذاك، حيث أن الاحلال يتم مجاناً ويعاد برمجة الشركة الجديدة وهيكلتها وغير ذلك، والخاسر هنا هو الوكيل البحري الأردني.
لن أطيل هنا حيث أن المثل الذي ذكرت هو واحد من الأمثلة فقط منها العديد من المغالطات في قوانين الاستثمار الذي لم يشارك المستثمر الأردني في إبداء الرأي فيها أو ببعضها، وكلي قناعة أن هناك إقتصاديين لهم باع طويل بهذا الأمر، وأتوقع أن يوسعوا مساحة رقعة المناقشة حول هذا الشأن، ناهيك عن الوكالات الأخرى التي تسحب الوكاله من الوكيل بدون أية تعويضات؟ حيث حرم من ذلك بحكم قانون الوكلاء والوسطاء.
• المطارات والموانئ:-
لم ولن أكون معارضاً على دخول شركاء استراتيجيين لادارة المطارات والموانئ، فالواقع كان لهم الأثر الكبير في رفع سوية الخدمة مكان وتحسين الاجراءات وغيرها على أفضل المستويات، فلهم الشكر والثناء، وإن كنت أشعر بالاذعان أحياناً لقراراتهم المنفردة برفع التعرفة وأخذ إجراءات بدون إستشاره الشركاء والفاعلين الاقتصاديين، إلا أنني أعتقد أن الاستفادة من هذه التجربة كانت جيدة، فماذا بعد؟
لحسن الحظ أن فترة مدة الشراكات مع هذه الشركات الأجنبية مضى عليها أكثر من نصف المده والآن جاء دور الأردنيين المسؤولين كرؤساء مجالس إداراتهم أو أعضاء في المجالس بالمباشره بإدخال العناصر الأردنية المؤهلة لتستلم المهام بعد إنهاء الشراكة مع الأجانب الذين نكن لهم الإحترام لما قدموه.
• الزراعة:
أعتقد جازماً أن الزراعة والسياحة والنقل (سأتحدث عنها لاحقاً) تشكل دعامة الاقتصاد الوطني إضافة الى الصناعات التعدينية وغيرها، وهي تشكل الجزء الأكبر من مجمل الناتج القومي.
أما آن الأوان أن تدرس زراعة الأردن بشكل متكامل؟ أما آن لسلطة وادي الأردن مثلاً أن تتنحى وتعطي إدارة زراعة الوادي الخصيب الى شركات متخصصة في تطوير وتحديث أساليب الزراعة المتبعة حاليا والتي لا توظف التكنولوجيا والأساليب العصرية لتعزيز الإنتاجية القديمة لدينا !
ألا يعتقد البعض أن زراعة هذا الوادي الغني تذهب هدراً؟ وكذلك مياه قناة الغور؟
أين الزراعة الحديثة المتطوره والتي تدار بأنماط زراعية حديثة، والسقايه على أجهزة كمبيوتر بدون فقدان للماء.
لماذا لا نركز على الزراعات ذات المردود العالي ؟ لماذا لا نسمح للشركات في امتلاك أو استئجار مساحات كبيرة من وادي الأردن وزراعتها بمحاصيل ذات مردود أعلى؟
لماذا لا يوجد لدينا شركة عالمية للتسويق الزراعي؟ لماذا نبقى متخلفين وقابعين خلف أنظمة تسويقية عفا عليها الزمن؟
أعتقد أن الزراعة من كنوز الأردن وهي سوف تعطي من ينصفها ويشد على أيادي مزارعيها!
أعتقد جازماً أن تأجير الأراضي الزراعية جنوباً من البحر الميت الى العقبة أصبح لزاماً، لتصبح الأرض خضراء أسوة بما نشاهد على الطرف الآخر من الطريق.
أما آن لنا أن نكون مختلفين زراعياً، وليس متخلفين!
• السياحة :-
حزينه هذه السياحة والتي تقوم على إدارات لا تملك الخبره لترتفع بها الى مستويات عالية !
الأصل في المواقع التاريخية والدينية أن تستند إلى دراسات تسويقية من جهات عالمية محترفة، أثبتت نجاحها في مواقع مشابهه في العالم وأصبحت تدر المليارات في إقتصاديات الدول.
إن حساباتنا في تطوير السياحة ستبقينا على الأرض ولن تقوم للقطاع قائمة في ظل الظروف السائدة، هناك خبراء أردنيون في السياحة يتم تهميشهم واستبعادهم دائماً رغم كفاءتهم ولا يجدون طريقا سالكا للمساهمة بتحسين أداء القطاع المهم والحيوي والذي يعتبر مصدرا غير محدود للنمو . مهمشين ومتراجعين الى الخلف ويجدون العداء الدائم ولاحول لهم و قوه.
أما آن لهذه القوة الاقتصادية أن تأخذ حقها؟
لدي الكثير لأتحدث حول هذا الأمر ولكنني أرجو من حملة الأفكار والقرارات أن تتحدث الآن! لدينا الوقت الكافي لنخطط مستقبل بلدنا الذي نحب.
• النقل:
وللنقل شأن كبير، فلقد تعاقب على هذه الوزارة ما يزيد على 45 وزيراً منذ بدأت مسيرتي في النقل.
الا تعلموا أن النقل كان يشكل مساهمة بحدود 18 % من مجمل الناتج القومي؟ لا بد من الوصول الى أصحاب قرار ذوي خبره، وآن الآوان لتشكيل مجلس لضم القطاع الخاص ( والذي هو حالياً فقط على الطرف المتلقي للأوامر والتعليمات غير الدقيقة معظم الوقت، والتي لا يمكن أن تطور العمل لمواجهة المستقبل).
ان تشكيل مجلس إستشاري لن يرتب أعباء مالية على الحكومة ولكنه سيشكل منصة للتداول والتشاور الفعال بدون كلفة ليتم التداول مع المسؤولين للاستماع لأفكار وآراء خبراء في النقل وهو ما يعتبر ضرورة ملحه يتفاداها المسؤولون دوماً دون مبرر منطقي سوى الرغبة بالتفرد في القرارات.
كذلك أرى أن نعزف من مخططاتنا لعمل ميناء بري في معان ومطار في الغور وغيرها من المشاريع التي تستنزف الأموال ولا لزوم لها، ولا يعني سوى استنزاف أموال ممكن أن تخصص في مجالات افضل وذات جدوى مالية واجتماعية تكون لي أستثماراً أفضل.
قـــوة مشاريعنا المستقبلية تقوم علـــى سكة حديد حديثه تربط العقبة شمالاً وشرقاً لتصل الى أواسط أوروبا ! مشروع يوازي قناه السويس! ويستحق إعطاءه الأولوية.
ما علينا سوى أن نعمق الفكر ونتعلم من العالم المنفتح فكرياً وعملياً والالتفاف حول قيادتنا الحكيمة، لابد من التوسع والاستثمار في استخدام التكنولوجيا، ووضع تقييمات أداء حديثه تتناسب مع الوضع الجديد، والابتعاد عن المغامرات وقلة الخبره وإستعمال مصطلح I play it by the ear
لابد أن نعتبر الأزمة هي نداء للصحوة لعمل خارطة طريق مختلفة تماماً عما هو متبع. والإدارة بالقطعة دون وجود توجهات استراتيجية لن تساهم بتغيير المسار وتعزيز الأمل بمستقبل افضل.
وأخيراً، وعند فتح الحدود الشرقية والشماليه، إلغاء كل التعليمات الخاصة بالنقل البري ليصار الى تحديث الأساطيل وإستخدام التكنولوجيا الحديثه والابتعاد عن الاسترخاءات غير المبررة.
لن أتحدث عن أمور النقل الأخرى كالباصات والتكاسي وخلافه لعدم خبرتي بها.
• الصناعة:
لقد حبى الله الأردن بصناعات تعدينية عظيمة لها حضور في معظم أقطار الله، وبارك الله بسواعد البناه الأوائل والقائمين عليها حالياً، وأنا أعتقد أن الصناعة أقل شأناً في مجمل الناتج الوطني، ولكنني أتمنى أن نشجع الصناعات التي يمكن تسويقها بوالتركيز على القطاعات التصديرية.
لن أتحدث طويلاً هنا لأني لست صناعياً، ولكن هذه وجهة نظر من خلال الاتصال ومعرفة الداء والدواء.
أرجو أن أكون قد وفقت في طرح بعض الأفكار التي أحملها، وأتمنى أن أكون عن حسن ظنكم.
حــمى الله الأردن، وكـــــل عام وأنتـــــم بــــــألف خيـــــر...