حجازي يكتب: الجمعية العلمية الملكية في ذكرى تأسيسها الخمسين

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/22 الساعة 12:31

خمسون عاماً على تأسيس (مركز البحث العلمي التطبيقي الأوّل) في الأردن

كتب: الأستاذ الدكتور سعد حجازي *

ونحن نعيش تفاصيل جائحة وباء فيروس كورونا، غير المسبوقة على مستوى العالم، أسعدني إعلان الجمعية العلمية الملكية، بأنّها (منذ بداية الأزمة شكلت فريق طوارئ، كُلّف بتسيير الأعمال والتأكد من استمرارية الخدمات الحيوية، وعمليات تحليل الغذاء والدواء والغازات الطبية وصيانة الأجهزة الطبية للمستشفيات الحكومية، وبرامج مراقبة نوعية المياه والهواء لضمان صحة المواطن، فيما جهزت الجمعية مختبرها الخاص بالفيروسات لفحص عينات (كوفيد-19) في حال الطلب). ولعلّ قيمة هذا التصريح تزداد أهمية وقيمة، حين نعرف أنه جاء بالتوافق مع الذكرى الخمسين لتأسيس الجمعية، وما يثيره ذلك في النفس والعقل من شجون. وقد سبق ذلك، في شهر آذار/ مارس الماضي، مقالة كتبها سمو الأمير الحسن بن طلال، أطال الله في عمره، جاء فيها: (ما نواجهه اليوم عالمياً من آثار إنسانية واجتماعية واقتصادية مترتبة على انتشار وباء كورونا Covid-19، هو بحدّ ذاته تحدٍّ لمعرفة مدى تجذُّر مفهوم المواطنة الفاعلة لدى كل واحد منا، ويشكِّل اختباراً لقدرتنا.. مما يؤكد ضرورة السعي إلى بناء عالَم اجتماعي يتميز بالفاعلية وبالانخراط الشخصي في التفاعل مع الآخرين).

في منتصف العقد الأول من هذه الألفية، كان لي شرف العمل مع سمو رئيس مجلس أمناء الجمعية العلمية الملكية، كرئيس لها؛ كما تشرفّت بالعمل مع كريمته سمو الأميرة بنت الحسن، الرئيسة الحالية للجمعية، قبل عودتي من إجازة التفرّغ العلمي إلى جامعتي، جامعة العلوم والتكنولوجيا، أستاذاً للطبّ في قاعاتها ومدرّجاتها.

قد لا يعرف كثير من الأردنيين والعرب الدور المبكّر والضخم، الذي قامت به الجمعية في نهضة البحث العلمي في بلادنا الأردنية والعربية، وبناء الكثير من المؤسسات المرموقة في الأردن وخارجها، وتأهيل المئآت من الكوادر العلمية والفنّية المدرّبة، وفي ظروف بالغة القسوة والصعوبة. وهو دور سعيتُ إلى إبرازه، وتعريف الأجيال به، قبل عقد ونصف العقد، حين كلّفت أحد المختصين بكتابة تاريخ موثّق للجمعية منذ تأسيسها في العام 1970، وهو عمل منجز وضخم، أرجو أن يرى النور في أقرب فرصة ممكنة، كي ترى الأجيال الحالية ماذا فعل آباؤهم في سبيل الارتقاء؛ علماً ومعرفة ومؤسسات.

ذلك أنّه يصعب التعرف على المناخات العامة، التي تشكلت فيها فكرة الجمعية العلمية الملكية في عمان، إلا ضمن السياقات التي أحدثتها الهزيمة المدوية للعرب في حزيران/ يونيو عام 1967، وما كرّسته من حالات إحباط عامة ويأس مقيم، وما أنتجه ذلك من بحث ملحّ عن الحلول والمخارج والخلاص، سواء كان ذلك عند النخب العربية أو لدى عامة الناس. إذ كان هنالك شعور مكتوم، عند الغالبية في العالم العربي، بأن من أهم أسباب الهزيمة هو التخلف التكنولوجي والفكري في المجتمعات العربية. وهو ما عبر عنه بشكل تفصيلي الدكتور أنطوان زحلان، رئيس قسم الفيزياء في الجامعة الأميركية ببيروت آنذاك، والمدير العام الأول للجمعية العلمية الملكية لاحقاً، في دراسة علمية نشرها في خريف العام 1968، بعنوان "آثار الهزيمة وجامعاتنا الوطنية".

ويمكنني القول هنا، باطمئنان، أن فكرة إنشاء الجمعية العلمية الملكية، كحل عماده العلم والتكنولوجيا، يشكل رافعة للنهوض الوطني والقومي، بدأت مع عودة سمو الأمير الحسن بن طلال من بريطانيا إلى الأردن (1968؛ 21 عاماً)، الذي عاد لتوّه من هناك، بعد أنهى فيها تعليمه العالي، حيث أخذت بلورة الفكرة، لتأسيس مؤسسة على هيئة "جمعية علمية ملكية" نحو عامين، امتدت من خريف العام 1968 إلى ربيع العام 1970. ولعل أبرز ما تم التوافق حوله، عشية حوارات تأسيس الجمعية، وما قاد إلى بلورة فكرة إقامتها، هو نتيجة مؤداها أن "مصير عالمنا ومستقبلنا، في العالم العربي، لا يتقرر إلا في المكتبة، وفي مختبرات البحث العلمي". وهنا، تكاملت فكرة إنشاء "مؤسسة علمية"، تهتم بشكل أساسي بـ "البحث العلمي التطبيقي"، الذي لا يقوم إلا على "مكتبة متخصصة"، كمصدر بحث علمي، وعلى "مختبر متخصص" حديث، كوسيلة اختبار وتطبيق علمي، قبل مرحلة التصنيع. وهذا ما حدث بتأسيس الجمعية العلمية الملكية، التي أصبحت" مركز البحث العلمي التطبيقي" الرئيسي في الأردن.

كبيرة هي الطموحات، التي راودت أذهان المؤسسين الأوائل للجمعية العلمية الملكية، لكنها ظلت دوماً تتحرك وتحلق بين الواقع الصعب وبين آفاق تلك الطموحات. وبسؤال: "لماذا العلم؟"، رأى المؤسسون أن أبرز الخدمات غير المباشرة، التي يمكن أن تقدمها الجمعية، هي خدمات الكمبيوتر (الحاسوب)، وتحويل عقد السبعينيات من القرن العشرين إلى شاهد "للدخول بعدد معتبر من الكمبيوترات الكبيرة، ليس إلى الأردن فحسب بل إلى الشرق الوسط". كما اعتقد المؤسسون أن على الجمعية التركيز على المشكلات التقنية، العلمية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية. لهذا، فقد حددوا قطاعات اهتمام الجمعية عند التأسيس في جوانب: الإلكترونيات، الهندسة الميكانيكية، الفيزيائيات، مركز للكمبيوتر، تخطيط التطوير، والتعليم العالي. وتحددت الكلفة التقديرية لسنوات التأسيس الثلاث الأولى بنحو مليون دينار أردني لكل عام. وشملت دراسات المؤسسين موارد البلاد الأردنية، كالمياه والمعادن والتربة والحبوب والسمك ورأس المال والأرض والتاريخ، بما في ذلك الخطط اللازمة لاستخدام تلك الموارد، وتم وضع مشاريع للاستفادة من تلك الموارد.

أما سمو الأمير الحسن بن طلال، حفظه الله وأطال في عمره، المؤسس وصاحب الفكرة، فقد بدأ جهوده، لنقل الفكرة إلى حيز التنفيذ، بالتواصل مع نخب من العلماء والخبراء العرب والأردنيين، في بيروت وعمان بشكل أساسي. وقد أسفر تواصل سموه، في الشهر الأخير من العام 1969، مع النخب المشار إليها، إلى تشكيل لجنة تأسيسية، ترأسها بنفسه، لتقوم بدراسة الفكرة وجدواها ونقلها إلى حيز الوجود. وبالفعل، تم في 20 تموز/ يوليو عام 1970 الإعلان عن الرغبة الملكية السامية، بتأسيس الجمعية العلمية الملكية، وذلك في رسالة وجهها المرحوم الملك الحسين طيّب الله ثراه إلى شقيقه الأمير الحسن، والتي كان تاريخها هو اليوم التالي لاجتماع المجلس التأسيسي الأول في 13 نيسان/ إبريل، أي في 14 نيسان إبريل 1970.

عانت الجمعية منذ تأسيسها من شحّ الموارد المالية، وما تزال. ومعروف أن البحث العلمي التطبيقي الحقيقي، في الدول المتقدمة، يحتاج إلى إنفاق بلا حدود، وبموازنات ضخمة، غير أنّ تلك الظروف لم تكسر طموحات الجمعية العلمية والقائمين عليها، وظلّت الطموحات أكبر مما يتم إنجازه والوصول إليه؛ وها هي الجمعية اليوم تشارك في بناء اقتصاد المعرفة في الأردن، بجامعتها، وبإنشائها متنزه الأعمال (آي بارك) للريادة والابتكار، بالإضافة إلى تطوير مراكزها الموجودة والمتخصصة، في؛ الجودة والرقابة الفنية، وبحوث البيئة، والكيمياء الصناعية، وبحوث البناء، والتصميم والتقنية الميكانيكية، والخدمات الإلكترونية والتدريب، وتكنولوجيا المعلومات، وغيرها، بعد أن أصبحت مركزاً عالمياً للبحث والتطوير يعتمد عليه على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، من خلال أكثر من 38 مختبر معتمد دولياً ومحلياً، بإدارة سمو الأميرة سمية، ورعاية سموّ الأمير المؤسس الحسن بن طلال، في ظلال قيادة عميد آل البيت جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، حفظهم الله جميعاً من كلّ مكروه.

* رئيس أسبق للجمعية العلمية الملكية، ولجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/22 الساعة 12:31