جواد العناني يكتب: لم يعد لدينا رفاهيه الوقت للانتظار
مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/20 الساعة 14:14
مدار الساعة - كتب: نائب رئيس الوزراء الاسبق الدكتور جواد العناني
يقول علماء النفس، وعلماء الأنثروبولوجيا، إن غريزة " البقاء" هي أقوى غريزة عند الانسان، وأن سلوكياته وتصرفاته الخاصة أو الاجتماعية تتأثر إلى حد كبير بحرصه على الحياة، ورغبته في الاستمرار.
كان من المنطقي عندما انفجرت عدوى الكوفيد-19 في مدينة ووهان الصينية أن يستقبلها الناس في الأردن باكتراث قليل، ولما خرجت من الصين، وانتقلت إلى دول أخرى، تحولت إلى قلق وهم بالغين. ولكنها وصلت حد الهوس لما وقعت داخل الوطن. وقد يدخل البعض في حالة إنكار، أو أن يستبعد حصولها له. ولذلك راجت لدى الناس اشاعات المؤامرة ونظرياتها، معتقدين أن مدى الجائحة سوف ينتهي بتحقق الأهداف التي سعى لها من طوّر هذا النموذج من الكورونا، والذي قيل أنه يمس عرقاً من الناس دون آخر، أو يستهدف فئة عن أخرى.
كل هذه الوسوسات طُويت لما استفحل الخطر، وصار الناس أكثر حرصاً على حياتهم. ولذلك ارتفعت نسبة التفاعل مع النصائح والتوجيهات بالتباعد، لأن غريزة البقاء، وعاطفة الأمومة والأبوة في الحفاظ على بقائهم عبر أبنائهم، هي التي صارت المسيطرة.
ومن هنا، وجدت الجهات الرسمية المدنية والعسكرية سهولة في التعامل مع الشعب الأردني، وحقق الأردن نجاحاً باهراً في السيطرة على الأزمة، وصار يشار له كنموذج ناجح، خاصة من قبل الذين آمنوا بفكرة الوقاية عبر التباعد الاجتماعي، وضرورة السيطرة على عنصر التواصل العددي.
وقد أثبتت هذه التجربة الأردنية الفعّالة، أن لدى الأردن أرصدة كامنة وبنية تحتية وخدمية تجلت وساهمت في قدرتنا على الوقاية واحتواء هذا الوباء. وقد برهنت مستشفياتنا أنها تبدع وتوفر علاجاً ساهم في تخفيض عدد الوفيات، وأن لدينا أمناً ودفاعاً مدنياً قادراً على توفير خدمات الأمن والنقل بكفاءة عالية، وشركة طيران معسرة تجلب رعايا الأردن من مختلف أرجاء المعمورة، وفنادق فارغة يسّرت إقامة من نزلوا فيها. ومصانع قادرة على تحويل إنتاجها لمواجهة المتطلبات، وزراعة قادرة على توفير المنتجات وغيرها من الأمثلة التي تقول أن المشكلة ليست فقط في تقاعس الاستثمار، بل في فاعلية استخدامه في الأيام الرائقة الخالية من الضغط كأيام كورونا التي نحياها.
وثبت لنا بعدما طال أمد الامتناع عن الحركة، أننا قادرون على الاستفادة من القاعدة التكنولوجية لحل مشاكلنا. فالحكومة الإلكترونية فَعّلت بعض جوانبها بسرعة حتى تقضي للناس معاملاتهم مع دوائر الحكومة. ولذلك، قام الأردن بتشغيل البنية التواصلية لاستمرار التعليم في المدارس والجامعات.
وتبين لنا أن الناس الذين سارعوا للبنوك لسحب مبالغ كبيرة من النقد توقفوا عن ذلك، وأن من هرعوا للأسواق لتخزين مواد غذائية واستهلاكية وطبية وجدوا أن آلية السوق والتسليم قادرة على تلبية حاجاتهم. ولذلك، اعتدل الاستهلاك، وانخفض كثيراً في حالة " غير الضروريات" إلى حد أساء لتقديرات الموازنة لإيراداتها المتوقعة.
ولما طال الأمد على الأزمة أكثر، بدأت تظهر الشقوق في البنى الاجتماعية والاقتصادية. فقد توقفت كثير من المؤسسات الإنتاجية ومرافق البيع عن العمل مما اقتضى تنظيماً لحقوق العمال وأصحاب العمل، وأقتضى تخفيفاً عن الغارمين، وتمويلاً للعاطلين، فوقع عبئ إضافي كبير على كاهل الموازنة.
وفِي المقابل، ابتكر البنك المركزي مبادرات لإطلاق سراح السيولة وخلق النقود حتى تدور في جسم الاقتصاد الكلي، فتعيد الحياة إلى أطرافه المتعطشة المتيبسة. فخفّض على البنوك نسبة الاحتياطي القانوني ليطلق سراح حوالي نصف مليار دينار تستخدم مقابل أسعار فائدة منخفضة. وهذا الإجراء متبع في معظم دول العالم إبان دورات التباطؤ الاقتصادي. وكذلك أبقى وسائله السابقة للقطاعات المتعثرة مفتوحة. ونظم وسائل الدفع وتسديد الفواتير وعمل البنوك بهدوء ساهم في حل مشكلة توفر السيولة نسبياً لدى الناس.
وكذلك استخدم صندوق استثمار أموال الضمان في توفير سلف من حسابات التوفير في منح قروض بدون فوائد، وفِي تخصيص أموال لدفع الأجور للمتعطلين عن العمل.
الكل قام بواجبه في تغيير سياساته وتطويعها من أجل احتواء الأزمة، وتوفير مال ولو يسير للأسر والأفراد كي يتمكنوا خلال هذا التعطل الإلزامي بتدبيرأساسيات الحياة ومستلزماتها. وأجلنا الضرائب والرسوم، والأقساط، وخفضنا الفوائد، ودفعنا الرواتب قبل استحقاقها، وطلبنا من كل دائن أن يظهر السماحة مع الغارقين في الديون.
كل هذه الإجراءات ساهمت في كبح جماح الأزمة المالية في المدى القصير، ولكن كل هذه فواتير لابد من سدادها. وإن طال أمد الأزمة، فإن قدرة كل هذه الجهات الرسمية والخاصة سوف تتراجع، لأنها تدفع بدون رافد.
وهنا تثور مشكلة أساسية هي ما يسمى بالآنجليزية " Deleveraging” ، أو بيع الممتلكات الثابتة بأسعار زهيدة لسداد ديون قائمة. وسوف تجد الحكومة نفسها أمام مشكلة معقدة، حيث يسعى الغارمون الواقعون تحت الضغط إما المساومة على الديون، أو إعادة جدولتها، أو عرض ممتلكاتهم للبيع في زمن يفضّل فيه سوق العقار والممتلكات الثابتة المشترين على حساب البائعين. ويستطيع في هذه الفترة أصحاب السيولة أو " الكاش" أن يحققوا أرباحاً رأسمالية كبيرة بشرائهم الأصول الثابتة للغارمين بأسعار متدنية، ثم إعادة بيعها في وقت لاحق بأسعار عالية.
ومشكلة تسييل الموجودات الثابتة ذات القيمة هي أنها تشكل جزءاً كبيراً من الكفالات المقدمة للبنوك التجارية مقابل القروض التي تمنحها البنوك. وإذا بقيت أزمة السيولة على حالها من تراجع، فإن استفحالها بعد أزمة الكورونا سيدفع البنوك للمطالبة من قطاعات الأعمال بسداد تلك الديون. وحيث أن معظم شركاتنا هي شركات أسرية أو عائلية، وصغيرة الحجم أو متوسطته، فإن كفالاتها تعتمد على الأموال الثابتة والكفالات الشخصية. وإذا بدأت البنوك في السيطرة على هذه الموجودات، واحتكرت بيعها خلال مدة أقصاها سنتان، فإن سوق العقار سوف يصيبه ضرر جسيم.
وسيكون لكل هذه التطورات أثر داهم على توقعات زيادة الاستثمار المطلوب لحل أزمتي البطالة والفقر. ولا بد هنا أن ننوه بحرص البنك المركزي على سلامة البنوك، وأن نأكد هنا أن البعض يتهم البنك المركزي بالحرص على البنوك التجارية وتأمين سلامة حساباتها ونوعية أرصدتها. ومثل هذا الاتهام يجب أن لا يلقى جزافاً، بل لا بد من التريث قبل الدخول في النقد اللاذع، لا لأننا نفضل البنوك على غيرها، ولا حماية لشخص مسؤول، وإنما لأننا لا نريد أن نرتكب هنا ما أسميه أنا شخصياً " خطيئة بان أميركان" وتلك هي شركة الطيران الأمريكية التي وقعت في الديون، ثم باعت أهم أرصدتها، ومنها ناطحة سحاب شهيرة في قلب حي " مانهاتن" في نيويورك كانت القطارات تمر من تحت أقواسها الشهيرة. وقد رفدت تلك العمارة شركة " بان آم" بأرباح سنوية وفيرة. ولكن الشركة باعت ناطحة السحاب أو الرصيد الجيد لها كي تمول رصيداً سيئاً لها. ويجب أن نحافظ على البنوك حتى إذا ما احتجنا إليها لكي نديم الاستثمار، ونمول المشروعات، ونمد رجال الأعمال بالتمويل التجسيري والخدمات المالية، وجدنا عندها ما يفي بذلك.
ونحن نعلم أن الاقتصاد كان يعاني وما يزال من أزمة سيولة. فحركة دوران النقد في شرايين الاقتصاد بطيئة. فعرض النقد في الأردن في شهر كانون الثاني من عام2020 وصل(35) مليار دينار، وهو أعلى معدل وصلته، بينما بلغ الناتج المحلي الاجمالي أقل من ذلك، أو (34) مليار دينار. وعليه فإن سرعة تداول النقد(M2) تساوي (0.97)، أو أقل من واحد. أي أن كل دينار عرض نقد يدور أقل من مره واحدة في السنة.
وفِي الأيام التي شهدت حركة اقتصادية نشطة كان يَصْل عرض النقد إلى حوالي (2) أي أن الدينار ينتقل من يد إلى أخرى مرتين في السنة.
والبنوك هي المساهم الأساسي في عرض النقد وهي تأخذ سياسات البنك المركزي بعين الإعتبار. والبنك هو الذي يسمح للبنوك بتغيير حجم الإئتمان والنشاط المصرفي مما يساهم في توسيع القاعدة النقدية إما برفع سعر الفوائد أو تخفيضها، أو بتغيير نسبة الاحتياطي، أو بالتشدد في النسب المالية، أو السماح لها بالانطلاق. ولذلك، فإن ضبط عرض النقد في الأردن ليفي بحاجات الاقتصاد أمر ضروري، وهو مثل ميزان الذهب، فإذا زاد عرض النقد كثيراً، فالتضخم قد يحصل ويؤثر على القوة الشرائية للدينار داخل السوق الأردنية، وإن نقصت السيولة تضايق السوق والعاملون فيه. ومن ناحية أخرى، فإن الموازنة العامة تغطي 59% من قروضها من القطاع المصرفي حيث ينظم البنك المركزي آلية بيع سندات الخزينة الحكومية للجهاز المصرفي. وقد بلغت الديون الداخلية على الحكومة حوالي (29.5) مليار دينار. بينما الديون الخارجية حوالي( 14) مليار دينار. ولذلك، فإن التوسع في العجز في الموازنة، والذي يتوقع حصوله بعد أزمة الكورونا، سيفرض على الحكومة التوسع في الدين. ومن المتوقع أن تزيد الحكومة اقتراضها هذا العام بين 1.6-2.5 مليار دينار. وبمعنى آخر، فإنها ستزيد قروضها من القطاع المصرفي بمقدار لا يقل عن( 1.5) مليار دينار. في ظل هذا الوضع يثور السؤال :أيهما إفضل للاقتصاد وحفز نموه، التوسع في الاقتراض الداخلي أم الخارجي؟ وأيهما أجدى اقتصاديا منح تمويل البنوك للقطاع العام أم توفيرها للاستثمار في السوق وخلق فرص عمل وزيادة الانتاج؟ ومن هنا فإن التحدي الأول للسياسة الاقتصادية الكلية هو تنسيق السياستين المالية والنقدية ليخدما فرص النمو والاستثمار. ولا يجوز أن ينعدم التنسيق، أو أن يسير باتجاه واحد. وبمعنى آخر، يجب عدم اعتبار السياسة النقدية أنها خارجة عن إطار التخطيط الاقتصادي بحجة أنها مستقلة، والتحول إلى سياسة تفاعلية بين الجهتين لكي نحافظ على الأهداف التي خلق من أجلها البنك المركزي، ومن أجل إعادة توزيع العبء التنموي على السياستين بكفاءه بحيث تعزز كل سياسة منهما السياسة الأخرى. وحتى نضع الأموال المحدودة ضمن أوجه الإنفاق الأمثل، فلا بد من طرح السؤال التالي: هل موازنة الحكومة قادرة في ظروف السنتين أو الثلاث القادمات على مواجهة المتطلبات الشعبية للشركات الخاسرة أو المفلسة، والعمال العاطلين عن العمل، والشركات الكبيرة المتعثرة، والأسر المحتاجة وتسديد الرواتب، ووضع مخصصات التنمية؟ أم أن هذا سيكون أمراً شبه مستحيل مالم تأتنا مساعدات خارجية قد لا تأتي بالمقدار الكافي، أو قد لا تأتي إلا نزراً يسيراً، فما هو الخيار الذي يبقى أمامنا؟ فإما أن تطلب من الناس منحنا ثلاث سنوات لوضع مخطط مدروس من أجل الإنعاش الاقتصادي حيث نضبط قراراتنا، ونرفع من إنتاجيتنا، ونحسن إدارة مواردنا، أم ننفقها رواتب وأجوراً سرعان ما تذوب في الرمال؟ ولكن هذا يتطلب من الشعب الأردني صبراً ومشقة احتمال لا يعطيها إلا لمن يحبه، ويحرص على مصلحته، وهذا ما يسمى بتجسير فجوة الثقة والإطمئنان إلى شجاعة المسؤولين، ووضوح رؤيتهم، ومقدار ثقتهم بأنفسهم. إن الحكومة أو الأجهزة المسؤولة عن سنوات الإنعاش الثلاث يجب أن تقنع الناس بأنها تطلب منهم الصبر في المدى القصير لتحقيق فوائد في المدى المتوسط والبعيد. وخطة الإنعاش المطلوبة تعتمدعلى حسن التنظيم، وتفعيل دور المؤسسات، ووضع برامج محددة مع تحديد المسؤولين عن أدائها، وعدم التسامح مع المقصرين، والحزم الدقيق في الأداء، واعتبار هذا التحدي هو معركة بكل معنى الكلمة. لا تهاون، ولا سموم تنفث، أو تفت في عضد العاملين. ولا بد أن يعاد أولاً النظر في الموازنة لتقليل نفقات الحكومة بمقدار 30-40% ، وإعادة الانفاق على الاستثمار، وكذلك إعادة هيكلة الشركات، والاستفادة من القطاعات وتشغيلها خاصة تلك التي تعتمد كلية على القطاع الخاص، أو تتطلب من الحكومة تنظيماً أفضل لفعالياتها، وهذه القطاعات هي قطاع الاتصالات والبرمجيات والتكنولوجيا الذكية، وقطاع السياحة، وقطاع الإنشاءات، وقطاع الزراعة، وإعادة تنظيم قطاع الطاقة لتقليل كلفها على الإنتاج. وبالمقابل ترفع الرسوم الجمركية على المستوردات ذات الصبغة غيرالضرورية، ووضع ضرائب على الأرباح الاستثمارية في المضاربة على العقار، وإنشاء بنك للأرض تملكه الحكومة بالكامل ليقوم باستثمار الأراضي الحكومية الملاصقة للمشروعات العامة، وتوضع أرباح بيع الأراضي في البنك، والذي يقوم نيابة عن الحكومة باستملاك الأراضي للنفع العام وسداد أثمانها نيابة عن الخزينة. وتستثمر أرباح البنك في المشروعات التشاركية بين القطاعين العام والخاص. ولا بد من تحديد مواقع تعتبر مناطق خاصة وخارج حدود البلديات للمشروعات الكبرى المعتمدة على مواردنا المحلية. مثل مشاريع الصناعة الزراعية، والمشروعات التعدينية، ومشروعات الأسمدة الموجهه للمزارعين مباشرة في الأردن وخارجه، وإحياء صناعات السيراميك والزجاج والعبوات الزجاجية، وتشجيع التربية الحيوانية للأغنام، والخيول العربية، والجمال والطيور. والإسراع في تنظيم قطاع النقل، والأهم من هذا كله التخطيط لبناء مدينة تجارية ذكية في الجنوب للإستفادة من الموارد فيه وتعزيز عدد سكانه. ويجب أن توضع خطة تشتمل على الاستثمارات القطاعية، والقرارات، والترتيبات الإدارية والتشريعية المطلوبه لسرعة تنفيذ الاستثمارات. ويجب أن نعيد النظر بدقة في الأموال التي تهدرها بدون وجه حق، ومنها الاعتماد على العمالة الوافدة في الزراعة والإنشاءات والخدمات، أو إعادة النظر في الترتيبات الأمنية التي تحد من تحسين الاعتماد على السياحة لأغراض التعليم والطبابة. وعلى القطاع الخاص وحده أن يقوم بالتوسع في اعتماد الأردن على إنتاجه الغذائي وتنويع المنتجات، وتقليل التركيز على البندورة والخيار. ومن يخرج عن هذه الخطة الإنتاجية يُحرم من دعم المياه سواء في الأغوار أو المناطق الجبلية. وعلى كل صاحب أرض قابلة للزراعة أن يبادر فوراً لزراعتها أو وضع ضريبة مسقفات على تلك الأرض. ولا بد من إعادة إحياء سوق عمان المالي ( البورصة)، وأن تتخذ إجراءات لتوسيع قاعدة المساهمات، والطلب من شركات البنوك والتأمين استثمار جزء من أموالها في أسهم الشركات الأردنية. وببدأ أثناءها العمل على جعل الأردن مركزاً صحياً متطوراً للأمراض السارية، وإنتاج المطاعيم، والطب عبر وسائل الاتصال، وتحريك قاعدة البحث فيه. ولا بد من الطلب من الجامعات تحفيز البحث العلمي. وينطبق نفس الأمر على جامعاتنا، وإعادة النظر في تحويل الجامعات لتعطي مكافآت على البحوث التي تقدمها، وعن نجاحها في تحقيق مراكز متقدمة عن جامعات العالم من حيث التصنيف. لو اعتمدنا خلال السنوات القادمة على أولويات تستند إلى إحياء رأس المال غير المستثمر في قطاعات الصحة والتعليم، وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة، والإنشاءات والطاقة وفعلنا قطاع النقل، فإننا لن نكون بحاجة إلى استثمارات ضخمة، بل إلى قدرات إدارية خلّاقه. ولإنجاز هذه المهمات لابد من إدخال الروح العسكرية على فريق متميز يتولى إنجاز هذه المهمات ضمن برنامج صارم واضح.
ولا بد من إزالة العقبات الإدارية والقانونية والبيروقراطية من أمام الاستثمارات، والترتيبات المطلوبة لها ، والاعتماد على رأس المال الأردني. ولإنجاز هذه المهام، فإنني أرجو من الآن تشكيل فريق يرأسه جلالة القائد الأعلى، ويتكون من خبرات متكاملة تنجزخلال شهرين الخطة الثلاثية المطلوبة، وإعلان أن هذه الخطة بعد إقرارها ستنفذ حرفياً، وأن كل الوسائل يجب أن تُوفر لضمان نجاحها. لم يعد لدينا رفاهيه الوقت للانتظار، بل علينا الانطلاق، وعلينا أن نصدق الناس قولاً وعملاً، وأن يقوم كل بدوره حسب المطلوب منه بدون غرور أو أنانية، أو تقديم " الأنا". والناجح في أداء مهماته هو الذي نريد، ولا تعاطف أو تلكؤ في اتخاذ القرار الصائب حيال من يعرقلون المسيرة أو يضعون العصي في دواليبها.
ولكن يجب أن نضمن أن كل هذا يجري بأقصى درجات النزاهه والنظافة والشفافية وغياب المحسوبية. فالعمل يعطي للذي هو أقدر عليه، بدون استثناء. الكورونا لم تكن سجناً ولا مرضاً، وعلينا أن نثبت أنها فرصة لاحت فاستثمرناها خير استثمار.
والبنوك هي المساهم الأساسي في عرض النقد وهي تأخذ سياسات البنك المركزي بعين الإعتبار. والبنك هو الذي يسمح للبنوك بتغيير حجم الإئتمان والنشاط المصرفي مما يساهم في توسيع القاعدة النقدية إما برفع سعر الفوائد أو تخفيضها، أو بتغيير نسبة الاحتياطي، أو بالتشدد في النسب المالية، أو السماح لها بالانطلاق. ولذلك، فإن ضبط عرض النقد في الأردن ليفي بحاجات الاقتصاد أمر ضروري، وهو مثل ميزان الذهب، فإذا زاد عرض النقد كثيراً، فالتضخم قد يحصل ويؤثر على القوة الشرائية للدينار داخل السوق الأردنية، وإن نقصت السيولة تضايق السوق والعاملون فيه. ومن ناحية أخرى، فإن الموازنة العامة تغطي 59% من قروضها من القطاع المصرفي حيث ينظم البنك المركزي آلية بيع سندات الخزينة الحكومية للجهاز المصرفي. وقد بلغت الديون الداخلية على الحكومة حوالي (29.5) مليار دينار. بينما الديون الخارجية حوالي( 14) مليار دينار. ولذلك، فإن التوسع في العجز في الموازنة، والذي يتوقع حصوله بعد أزمة الكورونا، سيفرض على الحكومة التوسع في الدين. ومن المتوقع أن تزيد الحكومة اقتراضها هذا العام بين 1.6-2.5 مليار دينار. وبمعنى آخر، فإنها ستزيد قروضها من القطاع المصرفي بمقدار لا يقل عن( 1.5) مليار دينار. في ظل هذا الوضع يثور السؤال :أيهما إفضل للاقتصاد وحفز نموه، التوسع في الاقتراض الداخلي أم الخارجي؟ وأيهما أجدى اقتصاديا منح تمويل البنوك للقطاع العام أم توفيرها للاستثمار في السوق وخلق فرص عمل وزيادة الانتاج؟ ومن هنا فإن التحدي الأول للسياسة الاقتصادية الكلية هو تنسيق السياستين المالية والنقدية ليخدما فرص النمو والاستثمار. ولا يجوز أن ينعدم التنسيق، أو أن يسير باتجاه واحد. وبمعنى آخر، يجب عدم اعتبار السياسة النقدية أنها خارجة عن إطار التخطيط الاقتصادي بحجة أنها مستقلة، والتحول إلى سياسة تفاعلية بين الجهتين لكي نحافظ على الأهداف التي خلق من أجلها البنك المركزي، ومن أجل إعادة توزيع العبء التنموي على السياستين بكفاءه بحيث تعزز كل سياسة منهما السياسة الأخرى. وحتى نضع الأموال المحدودة ضمن أوجه الإنفاق الأمثل، فلا بد من طرح السؤال التالي: هل موازنة الحكومة قادرة في ظروف السنتين أو الثلاث القادمات على مواجهة المتطلبات الشعبية للشركات الخاسرة أو المفلسة، والعمال العاطلين عن العمل، والشركات الكبيرة المتعثرة، والأسر المحتاجة وتسديد الرواتب، ووضع مخصصات التنمية؟ أم أن هذا سيكون أمراً شبه مستحيل مالم تأتنا مساعدات خارجية قد لا تأتي بالمقدار الكافي، أو قد لا تأتي إلا نزراً يسيراً، فما هو الخيار الذي يبقى أمامنا؟ فإما أن تطلب من الناس منحنا ثلاث سنوات لوضع مخطط مدروس من أجل الإنعاش الاقتصادي حيث نضبط قراراتنا، ونرفع من إنتاجيتنا، ونحسن إدارة مواردنا، أم ننفقها رواتب وأجوراً سرعان ما تذوب في الرمال؟ ولكن هذا يتطلب من الشعب الأردني صبراً ومشقة احتمال لا يعطيها إلا لمن يحبه، ويحرص على مصلحته، وهذا ما يسمى بتجسير فجوة الثقة والإطمئنان إلى شجاعة المسؤولين، ووضوح رؤيتهم، ومقدار ثقتهم بأنفسهم. إن الحكومة أو الأجهزة المسؤولة عن سنوات الإنعاش الثلاث يجب أن تقنع الناس بأنها تطلب منهم الصبر في المدى القصير لتحقيق فوائد في المدى المتوسط والبعيد. وخطة الإنعاش المطلوبة تعتمدعلى حسن التنظيم، وتفعيل دور المؤسسات، ووضع برامج محددة مع تحديد المسؤولين عن أدائها، وعدم التسامح مع المقصرين، والحزم الدقيق في الأداء، واعتبار هذا التحدي هو معركة بكل معنى الكلمة. لا تهاون، ولا سموم تنفث، أو تفت في عضد العاملين. ولا بد أن يعاد أولاً النظر في الموازنة لتقليل نفقات الحكومة بمقدار 30-40% ، وإعادة الانفاق على الاستثمار، وكذلك إعادة هيكلة الشركات، والاستفادة من القطاعات وتشغيلها خاصة تلك التي تعتمد كلية على القطاع الخاص، أو تتطلب من الحكومة تنظيماً أفضل لفعالياتها، وهذه القطاعات هي قطاع الاتصالات والبرمجيات والتكنولوجيا الذكية، وقطاع السياحة، وقطاع الإنشاءات، وقطاع الزراعة، وإعادة تنظيم قطاع الطاقة لتقليل كلفها على الإنتاج. وبالمقابل ترفع الرسوم الجمركية على المستوردات ذات الصبغة غيرالضرورية، ووضع ضرائب على الأرباح الاستثمارية في المضاربة على العقار، وإنشاء بنك للأرض تملكه الحكومة بالكامل ليقوم باستثمار الأراضي الحكومية الملاصقة للمشروعات العامة، وتوضع أرباح بيع الأراضي في البنك، والذي يقوم نيابة عن الحكومة باستملاك الأراضي للنفع العام وسداد أثمانها نيابة عن الخزينة. وتستثمر أرباح البنك في المشروعات التشاركية بين القطاعين العام والخاص. ولا بد من تحديد مواقع تعتبر مناطق خاصة وخارج حدود البلديات للمشروعات الكبرى المعتمدة على مواردنا المحلية. مثل مشاريع الصناعة الزراعية، والمشروعات التعدينية، ومشروعات الأسمدة الموجهه للمزارعين مباشرة في الأردن وخارجه، وإحياء صناعات السيراميك والزجاج والعبوات الزجاجية، وتشجيع التربية الحيوانية للأغنام، والخيول العربية، والجمال والطيور. والإسراع في تنظيم قطاع النقل، والأهم من هذا كله التخطيط لبناء مدينة تجارية ذكية في الجنوب للإستفادة من الموارد فيه وتعزيز عدد سكانه. ويجب أن توضع خطة تشتمل على الاستثمارات القطاعية، والقرارات، والترتيبات الإدارية والتشريعية المطلوبه لسرعة تنفيذ الاستثمارات. ويجب أن نعيد النظر بدقة في الأموال التي تهدرها بدون وجه حق، ومنها الاعتماد على العمالة الوافدة في الزراعة والإنشاءات والخدمات، أو إعادة النظر في الترتيبات الأمنية التي تحد من تحسين الاعتماد على السياحة لأغراض التعليم والطبابة. وعلى القطاع الخاص وحده أن يقوم بالتوسع في اعتماد الأردن على إنتاجه الغذائي وتنويع المنتجات، وتقليل التركيز على البندورة والخيار. ومن يخرج عن هذه الخطة الإنتاجية يُحرم من دعم المياه سواء في الأغوار أو المناطق الجبلية. وعلى كل صاحب أرض قابلة للزراعة أن يبادر فوراً لزراعتها أو وضع ضريبة مسقفات على تلك الأرض. ولا بد من إعادة إحياء سوق عمان المالي ( البورصة)، وأن تتخذ إجراءات لتوسيع قاعدة المساهمات، والطلب من شركات البنوك والتأمين استثمار جزء من أموالها في أسهم الشركات الأردنية. وببدأ أثناءها العمل على جعل الأردن مركزاً صحياً متطوراً للأمراض السارية، وإنتاج المطاعيم، والطب عبر وسائل الاتصال، وتحريك قاعدة البحث فيه. ولا بد من الطلب من الجامعات تحفيز البحث العلمي. وينطبق نفس الأمر على جامعاتنا، وإعادة النظر في تحويل الجامعات لتعطي مكافآت على البحوث التي تقدمها، وعن نجاحها في تحقيق مراكز متقدمة عن جامعات العالم من حيث التصنيف. لو اعتمدنا خلال السنوات القادمة على أولويات تستند إلى إحياء رأس المال غير المستثمر في قطاعات الصحة والتعليم، وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة، والإنشاءات والطاقة وفعلنا قطاع النقل، فإننا لن نكون بحاجة إلى استثمارات ضخمة، بل إلى قدرات إدارية خلّاقه. ولإنجاز هذه المهمات لابد من إدخال الروح العسكرية على فريق متميز يتولى إنجاز هذه المهمات ضمن برنامج صارم واضح.
ولا بد من إزالة العقبات الإدارية والقانونية والبيروقراطية من أمام الاستثمارات، والترتيبات المطلوبة لها ، والاعتماد على رأس المال الأردني. ولإنجاز هذه المهام، فإنني أرجو من الآن تشكيل فريق يرأسه جلالة القائد الأعلى، ويتكون من خبرات متكاملة تنجزخلال شهرين الخطة الثلاثية المطلوبة، وإعلان أن هذه الخطة بعد إقرارها ستنفذ حرفياً، وأن كل الوسائل يجب أن تُوفر لضمان نجاحها. لم يعد لدينا رفاهيه الوقت للانتظار، بل علينا الانطلاق، وعلينا أن نصدق الناس قولاً وعملاً، وأن يقوم كل بدوره حسب المطلوب منه بدون غرور أو أنانية، أو تقديم " الأنا". والناجح في أداء مهماته هو الذي نريد، ولا تعاطف أو تلكؤ في اتخاذ القرار الصائب حيال من يعرقلون المسيرة أو يضعون العصي في دواليبها.
ولكن يجب أن نضمن أن كل هذا يجري بأقصى درجات النزاهه والنظافة والشفافية وغياب المحسوبية. فالعمل يعطي للذي هو أقدر عليه، بدون استثناء. الكورونا لم تكن سجناً ولا مرضاً، وعلينا أن نثبت أنها فرصة لاحت فاستثمرناها خير استثمار.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/20 الساعة 14:14