العتوم يكتب: كورونا وفرص ولادة نظام عالمي جديد

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/18 الساعة 17:09
كتب: الدكتور أنور العتوم * مئات لا بل آلالاف من الاسئلة تطرح نفسها في ظل التخبط العالمي لمواجهة (الوباء الامريكي الصيني المصطنع) والذي جاء للعالم اثر وباء السباق الاقتصادي الذي استمر لسنوات بين الولايات المتحدة والصين ، مما يدفع المحللين بالضرورة الى وصفه بـ(المصطنع). لا اود الميل الى طرف بعينه من الطرفين، وسأكون محايدا في تحليلي للاحداث التي قادها فيروس كورونا منذ اربعة اشهر مضت، والذي يعتبر جائحة فريدة من نوعها في التاريخ الحديث، ستؤدي لا محالة بالعالم الى طريق مظلم ، كالطريق المتعثرة الرامية لايجاد بلسم لهذا الداء. دأبت الولايات المتحدة منذ نشأتها على اتباع سياسات (انانية) قائمة في حقيقتها على مبادئ خفية لا تمت للانسانية بصلة ، منها : ( الغاية تبرر الوسيلة ، وامريكا اولا ، والحق للقوة ، والعولمة ... الخ ) . وما الشعارات البراقة حول ما يسمى بالديمقراطية وحقوق الانسان ، وحقوق المرأة ، وحقوق الطفل ، وحقوق العجزة، وغيرها من الحقوق الا شعارات زائفة ، استغلتها الولايات المتحدة وأتباعها من الدول الغربية الكبرى لتحقيق اهدافها ، وقد كشفت جائحة كورونا حقيقة وصحة هذا القول . ولم تقدم الولايات المتحدة للعالم عبر تاريخها ما يفيد وينقذ الانسانية ، بقدر ما قدمت ما يدمرها ويقتل ابناؤها ويدمر البنى التحتية في الدول ، ويحولها الى رماد . فقد قتلت وشردت وانهكت الملايين ، واعادت دول الى عصور قديمة ، لا لشي ، الا لتكون (الولايات المتحدة) هي حاكم العالم الاول. ولتغذية غريزة التفوق الامريكي ، نجد القيادة الامريكية ومن يساعدها ، وخاصة بريطانية( مركز طبخ القرار الامريكي ) ، وبقية الكورس الاوروبي الماسوني تلجاء الى الحروب حينما تشعر بأن دولة ما ستؤثر على موقعها الاول في العالم . ما سبق يدفعنا الى الانحياز لنظرية المؤآمرة (وانا من اتباعي) لأن كل ما شاهدناه وسمعناه وقرأنا عنه ، ما هو الا مؤآمرات يوجه جلها على العالم العربي والاسلامي المليئ بالموارد الطبيعية . أما المؤآمرة اليوم، فهي واضحة لكافة المحللين السياسيين في العالم ، وتصب في سحق اي قوة تفكر في ازاحة الولايات المتحدة عن مركزها الاول في العالم . فمنذ اكثر من عشر سنوات والصراع الامريكي الصيني محتدم حول محاولة الصين الوصول لقيادة العالم ، الى ان جاء كورونا ليقرر من المنتصر. وقد تكون اللعبة انكشفت قبل يومين حينما انضمت الدول الاوروبية للولايات المتحدة في توجيه التهم للصين بأنها المنشأ البشري المحتمل لكورونا ، اذ تبنى الرئيس الامريكي هذه التهمة حينما وصف الفيروس في بداية الامر بأنه ( الفيروس الصيني )، ومن ثم طالب وزير الخارجية الامريكي بمحاسبة الصين على ذلك، ثم تعززت هذه التهمة وبدأت الولايات المتحدة تبحث عن مؤيدين لها حينما عجزت عجزا غير مسبوق عن مواجهة الفيروس ، حتى تصدرت عدد الاصابات في العالم ، والبالغة لغاية اليوم اكثر من 700 الف اصابة ، واكثر من 37 ألف قتيل، مما ادى الى هدم ما بناه ترامب وما حققه من انجازات امام الشعب الامريكي ، ووضع الولايات المتحدة بشكل عام والرئيس الامريكي بشكل خاص امام وضع مأساوي وفاضح ، على ابواب الانتخابات الرئاسية الامريكية ، لا يمكن الخروج منه الا بالتحشيد العالمي ضد الصين ، واتهامها بأنها وراء صناعة هذا الفيروس ، وبالتالي مواجهتها عسكريا واشغال الشعب الامريكي والعالم بهذا الحدث ، الذي لا يمكن التنبؤ بعواقبه . يزداد هذا الخيار قوة في ظل انحياز الكثير من دول العالم للصين، التي اثبتت نجاحها في مواجهة كورونا ، وانتصرت على الولايات المتحدة في تقديم المساعدات الصحية للعالم بعد سيطرتها على الوباء خلال شهرين ونصف ، مقابل عجز الولايات المتحدة عن تقديم اي مساعدة للعالم في هذا الشأن، لا بل دأبت على طلب المساعدات من دول العالم واتبعت اساليب القرصنة في الحصول المواد الطبية . كما يزداد هذا الخيار في ظل التقدم الاقتصادي الصيني ، وازدياد النفوذ الصيني على مستوى العالم . ولاستكمال مسلسل المؤآمرات، فقد تركت وكالة رويترز العالم يتخبط بقتلاه وهوانه لتخرج علينا امس بخبر مفاده (ان هناك تداعيات مدمرة مرتقبة على دول عربية بسبب تفشي فيروس كورونا وتذكر الدول المجاورة لدولة الكيان الصهيوني منها). ويقول الخبر : (هناك اعلان رسمي دولي يذكر اسماء 6 دول ويحذر من تفجر اضطرابات فيها). لقد تركت رويترز، تركت مصائب العالم اجمع وركزت على الاردن، في الوقت الذي تشيد فيه دول عظمى بالطريقة التي تعامل بها الاردن مع فيروس كورونا، حتى ان الكثير وصف الاردن بالدولة العظمى في طريقة تعاملها مع الفيروس . ما ذكرناه يقودنا الى احتمالية ان يكون هذا الوباء وباء امريكيا هدفه ايجاد ذريعة لشن حرب وجودية على الصين ، ولبقاء ترامب في منصبه لدورة رئاسية جديدة تحت ذات الشعار المخفي الذي آمنت به الولايات المتحدة منذ نشأتها ، ولا زالت ، وهو شعار (الغاية تبرر الوسيلة). واليوم ينتظر المحللون السياسيون اللحظة التاريخية التي قد تأتينا بنظام عالمي جديد تتصدره الصين، او مجموعة من الدول الكبرى في ظل هذا الجنون الامريكي الترامبي، او ابقاء الولايات المتحدة هي الشرطي الوحيد المتحكم في العالم لأجل بعيد. عربياً، فإنه ليس هناك طريقة للخروج من هذا المأزق الا بالعودة للعمل العربي المشترك ، خاصة في هذا الظرف السيئ الذي سينال من وجودنا ، في ظل انكفاء الدول الكبرى الى الداخل وعجزها عن مساعدة بقية الدول ، كما كان سابقا ، وعكس ذلك، ستبقى الدول العربية قطعانا تائهة متفرقة، هنا وهناك ، يسهل ابتلاعها من قبل الطامعين . * مستشار سابق بوزارة الخارجية
مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/18 الساعة 17:09