الجريبيع يكتب: النزيف الأسود.. يهدد أمننا وسلمنا الوطني
كتب: الدكتور محمد الجريبيع
من منا لا يحمل هاتفه العشرات بل المئات من الرسائل اليومية والتي تحمل أخبار ومعلومات وفيديوهات وحصريات عن وباء الكورونا، من منا لم يصب يوميا بحالات من الذعر والخوف، من منا لم يهرب يومياً لتفقد أسرته وأبنائه وأحبابه وأصدقائه من وباء كورونا، من منا لم يهدد بأمنه وسلمه النفسي والإجتماعي والوطني يوميا بسبب تلك الرسائل الإلكترونية العابرة للحدود، والتي تهدف إلى تهديد أمننا وسلمنا، تهديد ذاتنا الوطنية والإجتماعية، ونشر ثقافة الخوف، والتشكيك بوطننا ودولتنا، ولكن من من .....؟ من ضعاف النفوس ، صغائر الضمير، الباحثين عن تحقيق ذاتهم المسمومة على حساب مشاعرنا ، صناع الألم ، أعداء الحياة ، تجار الكلام، العازفون على لحن الخوف واليأس، الغارقون في أوهامهم ....
بالرغم من ما تقدمه وسائل التواصل الإجتماعي من فرصة كبيرة لتحقيق التقارب بين الأفراد والجماعات والشعوب، ونشر العلم والمعرفة، وتبادل الخبرات والتجارب، وما تنتجه من إمكانيات هائلة لتحقيق ذلك، عدا عن قدرتها الكبيرة بالوصول إلى كافة الفئات الإجتماعية، لأنه لم يعد هناك شخص لا يحمل ويستخدم هذه الوسائط والتي أصبحت جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، نستخدمها صباحاً ومساء، ولكن من المؤسف جداً بأن هذه الوسائل التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في حياة الناس بات الكثيرون يسيئون استخدامها ويحولونها من أداة إيجابية إلى معول هدم عبر بث الأكاذيب وترويج الأخبار غير الصحيحة، وينشرون ثقافة الخوف،والشك والريبة.
وبالرغم من أن الإشاعه وصناعها وروادها ظاهرة سلبية تاريخية عرفتها المجتمعات منذ الأزل، وتنشأ وتنشط في ظروف تاريخية معينة، وبيئات اجتماعية وسياسية واقتصادية وصحية مضطربة وغير مستقره، فإننا نعيش هذه الأيام ظروف انتشار وباء كورونا ليس في الأردن فقط وإنما في العالم أجمع ، مما يتيح المجال أمام أعداء الحياة للظهور والإنتشار ، وضعاف النفوس لبث الخوف وإشاعة عدم الطمأنينة بين الناس ، واستغلال الأوضاع التي يمر بها المجتمع لنشر إشاعاتهم.
وبالرغم من أن الدولة الأردنية لجأت منذ بداية أزمة كورونا إلى نهج مختلف وظهرت بشكل مختلف عما كانت عليه سابقا واستعادت قيمتها وهويتها وثقة مواطنيها، وأعادت كتابة صفحة من تاريخها المشرف بأيدي أفرادها ومؤسساتها ، ورسخت مفهوم الدولة الوطنية ، ورفعت مستوى الذات الوطنية لدى أفرادها، وأمام استعادت الدولة لأفرادها ثقة مواطنيها والتي شابها الكثير خلال السنوات الأخيرة، تخللها التشكيك والخوف والريبة والشك، نجد أنفسنا اليوم نرتمي في حضن الدوله، وتعلو ذاتنا الوطنية ، ونثق بخطابها وإجراءتها ونؤمن بمؤسساتها ، نتنظر خطابها الإعلامي، وإيجازتها الصحفية.
ولكن يبدو أن هناك من لا يرغب أن تكون علاقة الود والوئام بين المواطن ودولته، بين الفرد ومسقط رأسه ومربع صباه، لذلك ينشط هؤلاء ببث أخبارهم وأكاذيبهم ، ومعلوماتهم لتهديد أمننا وسلمنا الوطني، وكأنهم الوحيدون الذين يعرفون كل شيء ولديهم القدرة على تحديد الأخطاء والثغرات في مسيرة الدولة، أما نحن وحسب رأيهم لا نعرف شيئاً وليست لدينا القدرة على التحليل والتقييم وكأننا عاجزون عن التفكير والمتابعة ، وهذه ليست حقيقة بل نحن الأكثر معرفة ودراية لخبايا الامور ولدينا القدرة على تحديد اخطاؤنا وثغراتنا ولكن منسوبنا الوطني وثقافتنا هي من تحدد متى وكيف نكون بصف الدولة ، نعرف أن الوطن عندما يتعرض للمحن نسمو عن كل شيء، وننحاز فقط له ولأفراده ، نثق به ونعي أن هناك ظروفاً ومحطات لا يمكننا إلا نكون معه وبصفه بعيداً عن كل إشاعاتهم .
نحن كأفراد مسؤولون عن إيقاف هذا النزيف الأسود من الإشاعات والأكاذيب ، والحقد الأعمى والتصرف غير المسؤول ، لأن هذا وطننا، وهؤلاء أهلنا، وأن مواجهة مشاكلنا وتحدياتنا لا تتم ألا بروحنا الوطنية وبطريقة عقلانية ومنطقية.
حقيقة أتمنى أن نتجاوز بنسيجنا ووعينا الوطني هذه المرحلة بأقل الخسائر النفسية ، وأن نتعامل مع الوطن بأحاسيس أكثر إيجابية ، وأن لا ننجرف وراء هؤلاء العابثين بأمننا وسلمنا الغارقين بالسوداوية والسلبية.