بين متطلبات سلامة المجتمع وسوق العمل
كل يوم يستمر فيه حظر التجول وتعطل العمل تتعمق الأزمة الاقتصادية، هذه حقيقة تدركها الحكومة، وهي تأمل أن يكون بالإمكان استئناف الحياة على طبيعتها ومثلما كانت قبل جائحة كورونا اليوم قبل الغد.
لكن ليس كل ما تتمناه الحكومة تدركه، فالوباء يقف بالمرصاد، ودول عظمى تئن وتتهاوى تحت ضرباته، ولهذا فان الحكومة تعطي أولوية لضمان صحة الناس وسلامتهم، ولا تريد المخاطرة والمغامرة في العودة للعمل بشكل عاجل، فيرتد الأمر سريعاً بانتشار العدوى، وانفلات الوباء بعد أن أوشكت على السيطرة عليه.
الموازنة بين متطلبات الصحة وسلامة المجتمع وفتح سوق العمل ليست مسألة سهلة، وإنما عملية دقيقة للغاية، ولا نريد أن نتهاون فتضيع جهود الدولة خلال الشهر الماضي سدى.
تدرس خلية الازمة سيناريوهات متعددة للفتح التدريجي لقطاع الاعمال حسب الاولويات وضرورات السلامة وأهمية الانتاج، مع الاخذ بعين الاعتبار منع انهيار الأعمال بعد توقفها لفترة طويلة.
أمر الدفاع رقم 6 الذي أصدره رئيس الوزراء عمر الرزاز سعى للموازنة بين مصالح الموظفين والموظفات والعمال والعاملات من جهة، ومصالح اصحاب العمل في القطاع الخاص، وكما قال وزير العمل “حرصنا أن تكون عين على العامل وعين على صاحب العمل”.
حظي أمر الدفاع بانتقادات وملاحظات من أطراف مختلفة، أبرز ما سمعت أن الحكومة تنصلت من مسؤولياتها ولم تقدم شيئا لهذا القطاع الواسع والمتضرر، وتركت العبء على صاحب العمل للتعامل مع الأزمة، وفتحت له منافذ لتخفيض الرواتب باتفاق مع الموظفين والعمال، أو بإيقاف العمل بشكل مؤقت.
الملاحظة الثانية التي سمعتها ان الحكومة التزمت برواتب وأجور القطاع العام ولم يتضرر حتى لو بقي معطلاً، وهذا جيد ولا أخالفه، في حين سمحت بتخفيض رواتب وأجور القطاع الخاص بنسبة 30 % وحتى 50 % دون أن تقل عن الحد الأدنى للأجور، وهذا ما يعتبره خبراء ظلما وأذى للطرفين، وكان الأحرى أن تقدم الحكومة خطة إنقاذ مالي تدعم مباشرة القطاع الخاص، فتسدد مثلا الرواتب والأجور أو جزءا منها طوال فترة الأزمة.
يسأل الناس لماذا لم تلجأ الحكومة لصندوق التعطل في الضمان الاجتماعي للمساهمة في حلحلة جزء من مشكلة الرواتب في القطاع الخاص، ولماذا لم تنشئ مثلا صندوق طوارئ خاصا بالأزمة فتستفيد من دعم الدول والمؤسسات المالية الدولية، أو تقوم بمناقلات فتصرف من المخصصات الرأسمالية في الموازنة، او تؤجل سداد بعض القروض وتستخدم أموالها؟
يتعجب المتابعون كيف توافق الحكومة على مبدأ تخفيض الرواتب ولم تتغير متطلبات وكلف الحياة على الموظفين والعمال، فالإيجارات للبيوت مستمرة ولم تتوقف، وأسعار الكهرباء والماء والمشتقات البترولية لم تخفض، ولا إعفاءات ضريبية، وأقساط الجامعات والمدارس استحقاق كما هو، والسلع والمواد التموينية ارتفعت قيمتها، فكيف تتوقع حكومتنا حال الناس إذا خفضت الرواتب 50 %، وهل سألت كيف سيعيشون؟
وأسئلة اخرى ولّدتها اجراءات الحكومة ومبادراتها ومنها توفير القروض بفوائد متدنية للشركات المتعثرة، والجواب لماذا يرتب أصحاب العمل على أنفسهم اعباء مالية وهم لا يعملون، ومؤسساتهم ومحلاتهم مغلقة؟
مسك الحكومة للعصا من المنتصف في التعامل مع الأزمة الاقتصادية لم يعجب الموظفين والعمال، ولم يعجب اصحاب العمل، ففي هذه الظروف القاهرة يتوجب على الدولة أن تقدم الحلول لا أن تتنصل منها، وتدير ظهرها، فالواجب ان تقدم خطة دعم مالي مباشر مثلما فعلت الكثير من دول العالم لمساعدة الناس والقطاعات المهددة بخطر الإغلاق.
كلنا يعلم أن الظروف الاقتصادية صعبة قبل ازمة كورونا في الاردن، فما بالك بعد هذه الكارثة غير المتوقعة،
ولذلك تستطيع الحكومة ولديها هوامش للتحرك من خلال أوامر الدفاع لمبادرات تخفف عن المجتمع، فما الضرر بدراسة إعفاء الناس من أقساط الجامعات والمدارس المتبقية، ما الضرر بالطلب من المؤجرين عدم استيفاء الايجارات للبيوت والمحلات خلال الأزمة وحتى تعود الحياة لطبيعتها، لماذا لا تخفض الحكومة ضريبة المبيعات بنسب مؤثرة فتخفف كلف الحياة؟
الظروف صعبة، واجتراح الحلول ليس مستحيلاً، وندعو الحكومة لإجراءات وتدابير تحفظ كرامة الناس، وتذهب بتوجهاتها أكثر من تحميل تداعيات الأزمة للناس والقطاع الخاص.
الغد