اللغة في زمن الكورونا
لو أن أحدا امتحننا قبل أشهر من ظهور الكورونا بالسؤال عن الفيروسات والصحة العامة وطرق انتقال الأمراض والفرق بين الوباء والجائحة ومفاهيم الحظر والعزل والحجر والمقصود بالتباعد الاجتماعي وعلاقته بالأمراض الفيروسية لوجد عجب العجاب.
اليوم وبعد انتشار الكورونا في بلدان العالم أصبح الجميع يتحدثون عن الفيروسات وأنواعها وطرق انتقالها والوقاية منها ويشرحون لك الأعراض الظاهرة والمحتملة ويسهبون في ايضاح الممارسات الصحيحة لتجنب العدوى وتقييم الاستراتيجيات التي اتبعتها دول وشعوب العالم لحماية مواطنيها من هذا الوباء الخطير.
في إحدى القرى الأردنية البعيدة عن العاصمة تحدثت إحدى السيدات لأبنائها وأحفادها عن الفروق بين الوباء والجائحة وسط دهشة الجميع مما دفعها للاتصال بابنها الطبيب هاتفيا لتعيد على مسامع الجميع ما سبق وأن قالته للأسرة وتسأله عن صحة معلوماتها. هذا المشهد وغيره أصبح يتكرر يوميا ولدرجة تجعلك تظن أن العالم قد تحول إلى معهد للعلوم الطبية والصحة العامة. كل ذلك بسبب جائحة الكورونا التي غيرت عاداتنا وسلوكنا واتجاهاتنا نحو أنفسنا والآخرين والعالم.
أنواع المنظفات والكمامات والمعقمات أصبحت سلعا أساسية على قوائم المستلزمات البيتية لكل الأسر. والجميع يعرف حجم الإصابات في أقطارهم ويسألون عن الاجراءات المتبعة في البلدان الأخرى لمجابهة الوباء والحد من انتشاره. في شمال الكرة وجنوبها وفي الشرق والغرب أصبح الناس يستخدمون مفردات ومصطلحات جديدة أو قليلة الاستخدام بكثافة غير معهودة.
الأسماء والمصطلحات والاشتقاقات الجديدة تشير الى اسم العدو الجديد “covid-19 ” الذي أصبح يعرف بكل اللغات. في مختلف البلدان والثقافات اصبح الناس يعرفون المقصود “بالخلية البروتينية” وسبل تسللها إلى الجهاز التنفسي واستقرارها في الحنجرة قبل ان تصل الرئتين وتبدأ التكاثر داخل الحويصلات الناقلة للأوكسجين وتعمل على إتلافها.
في معركة الصراع مع المرض الجديد أصبح الأطباء والسياسيون ورجال الإعلام يستخدمون الكثير من المصطلحات العابرة للحقول والميادين المعرفية. العديد من المفردات ظهرت في سياق الازمة والتحشيد الوطني والعالمي والمهني للسيطرة عليها .
اصطلاحات تسطيح المنحنى “flatten the curve” في إشارة الى دخول مرحلة الأمل في السيطرة أصبح أكثر المفاهيم التي تبعث على الارتياح بعدما كان المفهوم يبعث على التشاؤم عند استخدامه في الاقتصاد أو قياس شعبية الحكومات او انجاز المؤسسات.
مفاهيم علم الاجتماع التي تحدثت عن المسافة الاجتماعية وأنماط التفاعل تعرضت لانتكاسة جديدة بسبب الكورونا حيث أصبح لمفهوم التباعد الاجتماعي “social distance” دلالة ايجابية باعتباره وسيلة الوقاية الفضلى بعدما قدم المفهوم منذ أكثر من قرن من الزمان واستخدم للتمييز بين أشكال العلاقات القائمة بين افراد الجماعات الاولية والثانوية وتطور ليشير الى قوة وتأثير الاتصال الوجاهي في تمتين العلاقات الاجتماعية وتوفير الدعم والقبول للأطفال والكبار على حد سواء. إلى جانب هذه الاصطلاحات اصبح الناس يتابعون بعناية واهتمام أخبار الحظر والحجر والعزل ويدركون الفروق الدقيقة بينها.
اللغة الجديدة ومفرداتها تكتسب أهمية خاصة ليس لأنها تشكل اضافة كمية للمفردات والمنتجات التي يشتمل عليها المحتوى الثقافي بل لكونها أوجدت لغة عالمية مشتركة شملت تعريف التهديد الذي واجه الجنس البشري وعبرت عن نوع وطبيعة وأشكال الاستجابات التي قامت بها الإنسانية لمجابهة هذا الخطر.
الغد